لا يمثل شيئاً في ذاكرة المملكة التاريخية. ظهر فجأة على المسرح السياسي، ليلعب دور ابن الملك المدلل الذي يملك السلطة والمال والجوقات المدائحية. قد يجوز إضافة الإعلام السعودي إلى «عرس الزين» أو ما بات يسمى بـ «التحالف العسكري الإسلامي» الذي أعلنه ولي ولي العهد محمد بن سلمان فجر الثلاثاء الماضي، خاصة بطريقته الاحتفالية المُستهلكة في إغراق الفضاء بحملات تأييد وهتاف أعمى لحرب عالمية جديدة على الإرهاب، هذه المرة بقيادة أمراء الصحراء. جوقة ضخمة مدفوعة الأجر، جُندت لإقناع الجميع بأنّ كتابة تاريخ الأمة الإسلامية وموقفها من تمدد العنف الديني يجب أن تقوده مملكة قروسطية يتهمها العالم بكونها عش الدبابير الذي خرج منه التطرف إلى العالم.
إعادة تهيئة الرأي العام السعودي والدولي لحرب جديدة، تولته الصحف الخاضعة لإشراف وزارة الداخلية. بدايةً، وصف الكاتب في صحيفة «عكاظ» هاني الظاهري، تلك الخطوة المفاجئة التي جاءت بعد حوالى 10 أشهر على نشوء تحالف ضد اليمن، بكونها «أول توحد عسكري للأمة الإسلامية منذ قرون طويلة». ووصفها بـ «دعوة التوحيد الثانية» التي «واصلت نهج دعوة التوحيد الخالصة بقيادة الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب».
الحلف السعودي الوهابي التاريخي، جسدته دعوة بن سلمان إلى مؤتمر صحافي لم يتجاوز الخمس دقائق، عبر عنه عبدالله آل هيضة مراسل صحيفة «الشرق الأوسط» بالمشهد الفريد في طريقة ظهور الأمير الصغير المتأخرة، محاطاً بأعلام دول التحالف، وردوده المختصرة على أسئلة الصحافيين غير المهيئين للحاق برؤية بن سلمان «الاستشرافية». وحوّل المراسل تقريره عن المؤتمر العسكري إلى قصيدة غزلية في مديح الأمير الذي بدا مرتبكاً في أول ظهور إعلامي مباشر، محاولاً بإجاباته الموجزة، عدم الخروج عن السيناريو المعد مسبقاً.
كل تلك الجعجعة تهدف إلى تكريس الأمير إعلامياً بوصفه المحارب الأول للإرهاب

وفي افتتاحية صحيفة «الرياض»، برّر أيمن الحماد بجمل فلسفية، تصدّي الأمير لمحاربة الإرهاب إسلامياً، قائلاً إنّ ذلك جاء بسبب «الحراك التاريخي الفوضوي الحاصل اليوم في الشرق الأوسط الذي أنتج تلك البيئة المضطربة التي حفّزت الإرهاب، وأدت إلى عملية "تَبرعُمية" أخرجت منه تنظيمات تحمل فكره الإرهابي والتكفيري تحت شعارات تداعب المخيلة الإسلامية اليائسة في خضم هذا الاضطراب». وزاد عليه خلف الحربي بكتابته في «عكاظ» مقالاً حمل بعنوان «بيدي لا بيد الغرب» حيث قال إن ولي ولي العهد السعودي «يوجه رسالة للعالم أجمع بأن المسلمين ليس لهم علاقة بهذا الشر المستطير الذي دمّر العالم الإسلامي قبل أن تصل شروره إلى كل مكان». التحالف الإسلامي الذي انطلق من السعودية، جاء «بسبب كوننا أولى من غيرنا بمحاربة الإرهاب الذي يحرق ديارنا قبل أن يحرق ديار الآخرين».
وختم داوود الشريان في صحيفة «الحياة» الدبكة الصحافية من الناحية السياسية، منتقداً «إيران التي حالت دون مشاركة سوريا والعراق، ما يعني أن طهران تمتلك رؤية مختلفة لتعريف الإرهاب». وفي محاولة فاشلة، حاول الشريان الإجابة على أسئلة كل المشككين بجدوى الحلف الإسلامي الافتراضي، لاحتواء قوائمه على حركات وأحزاب مثيرة للجدل، كـ «حزب الله» اللبناني وجماعة «الإخوان المسلمين»، و«أنصار الله» اليمنية، محرضاً التحالف الجديد على «معاودة صوغ تعريف الإرهاب»، والسعي إلى اتفاق دولي «خال من محاور مهمة ومؤثرة في محاربة الإرهاب، تسجل قائمة موحدة للتنظيمات الإرهابية».
الكاتب قينان الغامدي في صحيفة «الوطن» أراد الابتعاد عن التشريح السياسي للحلف السلماني، مطالباً بسن قوانين لتجريم العنصرية، وتكوين هيئة إسلامية جامعة لمراجعة فتاوى التكفير، إضافة إلى انشاء «هيئة إعلامية عليا»، متخصصة في وضع القوانين والاستراتيجيات الإعلامية، شرط وقوعها تحت بند «الحرية المسؤولة والمقننة» على حد تعبيره.
الحقيقة التي يتجاهلها الجميع، صرّح بها «مجتهد» المغرد السعودي المعروف، إذ قال إنّ التحالف ليس رسالة لمواجهة عنصرية الغرب تجاه المسلمين، ولا حتى لمحاربة القوة الإيرانية في المنطقة، وطبعاً لن يكون ضد «أعوان الشيطان» أو «داعش» التي أعلنت في رسالة مصورة ليل الأربعاء الماضي، الحرب على «طواغيت العرب»، مهددة بتدمير أسوار الجزيرة العربية والبحرين. إذا كل تلك الجعجعة كانت تمهيداً لتعميد الأمير الصغير وتكريسه اعلامياً بوصفه المحارب الأول للإرهاب، بعد سيطرته على مفاصل البلد السياسية والاقتصادية، تمهيداً لتسلمه الحكم بعد والده، مطبقاً بذلك النظرية الهارونية «الملك عقيم».