Strong>مهى زراقط... ومع بداية الشهر المريمي، اتفق أهالي جونيه على أن «العدرا» للجميع. فبعدما استعانت بها «لائحة الكرامة» في بداية حملتها الإعلانية بطريقة فجّة، أدّت لها «لائحة الإنماء التوافقي» التحية بطريقة أكثر احترافية، من خلال زيارة أعضاء اللائحة أول من أمس الطريق التي اعتاد الحجّاج سلوكها، وتقديم شارات ضوئية لهم توضع على اليدين ما يحميهم من حوادث السير.
تعادل إذاً، لكن المعركة تستمرّ غير متكافئة. حبيش وحده على رأس لائحة مكتملة من 18 عضواً، في مواجهة لائحة تضمّ أقطاب عاصمة كسروان العائلية والحزبية: تحالف عوني قواتي كتائبي، برعاية آل افرام، الخازن، بويز. كان يمكن إضافة عائلة البون إلى التحالف القوي، لولا أن النائب السابق منصور البون مثّل أحجية الأمس: لمن سيصوّت مناصروه؟ وخصوصاً مع سفره المفاجئ قبل أيام من دون أيّ إعلان واضح من جانبه عن التزام معيّن بواحدة من اللائحتين المتنافستين.
هذا الأمر جعل الأنظار مصوّبة باتجاه قرية غدير، مسقط رأس البون، وهي واحدة من القرى الأربع التي تتألّف منها جونية (صربا، حارة صخر وساحل علما). فقد كانت الماكينات الانتخابية من الطرفين، مهتمة برصد حركة التصويت في هذا القلم، التي بقيت منخفضة مقارنةً بغيرها في ساعات ما بعد الظهر. ويُتوقع أن تكشف نتائج هذا القلم طبيعة التحالف النهائي في ظلّ تضارب واضح للمعلومات. ففيما أصرّ مقرّبون من البون على القول إنهم ملتزمون باللائحة التوافقية، كان مناصرو اللائحة متخوّفين من عمليات التشطيب الواسعة التي يرصدونها. وكما انتشرت شائعات صباحاً عن انسحاب مرشحين من التوافقية، كانت شائعات أخرى تشير إلى تشطيب مناصري البون مرشحي التيار الوطني الحر على اللائحة. هذا عدا قيام عدد من أبناء جونية بتأليف لوائحهم الخاصة.
إلى مفاجأة البون الانتخابية، برزت مسألة شراء الأصوات مع انتشار خبر عن إلقاء القوى الأمنية القبض على أحد الشبان (ر. ض.) بتهمة الرشوة، ثم الإفراج عنه. وقد تبادل المرشحون الاتهامات بشأن هذا الأمر. علماً أن إشارات كثيرة على الأرض كانت توحي بوجود عمليات شراء واسعة للأصوات، من دون وجود دلائل واضحة عليها.
على الرغم من ذلك، كان مسار المعركة واضحاً في المدينة. فوز محقق للائحة الإنماء التوافقي، يؤكد أكثر من عنصر في الماكينات الانتخابية على الأرض، من الطرفين. وهذا ما بدا رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيّين نعمة افرام واثقاً به منذ الصباح. لكنه كان متضايقاً من التغطية الإعلامية لليوم الانتخابي، مع إصرار إحدى محطات التلفزة على إشاعة خبر انسحاب مرشحين من اللائحة رغم النفي المتكرر لذلك. افرام، الذي يدير معركة عمه أنطوان الانتخابية، يأسف لعدم التوصل إلى لائحة تزكية، مؤكداً أن محاولات جدية جرت لضمّ جبيش إلى التوافق، «لكن شروطه كانت تعجيزية لجهة عدد الأعضاء الذي يريده».
الوزير السابق فريد هيكل الخازن أكد حصول محاولات للتوافق، وخصوصاً أنه هو من تولى المفاوضات «لكن جوان حبيش رفض بحجة التزامه بسبعة أعضاء بقوا معه في البلدية السابقة». يضاف إلى ذلك رغبة حبيش في نفي التهم التي سيقت ضده، سواء كسارق للمال العام أو كمهدر له، كما يقول شقيقه يوسف لـ«الأخبار»: «لم يكن يريد الترشح لولا اتهامه بالسرقة». يضيف إنّ صناديق الاقتراع قد تخرج بمفاجآت لأن الحملة التي يقودها عرّابو التوافق «وعملية عزل جوان حبيش أدّتا إلى حالة من التعاطف معه في المدينة». وفي هذا الإطار يرفض يوسف الإشارة إلى انفصال البون عن اللائحة التوافقية، معتبراً أنه «جزء من حملة استباقية لما بعد الانتخابات». ويشير إلى تعتيم إعلامي مورس ضد لائحة الكرامة، بحيث انتشر خبر التوافق على مستوى واسع فبدا الأمر كأنّ المدينة متّجهة إلى التزكية، ما دفع إلى القيام بحملة إعلانية واسعة تؤكّد وجود المعركة.
قد لا تكون المعركة حامية في جونية، في ظل عدم تكافؤ القوى، لكن الوزير السابق فريد هيكل الخازن فضّل متابعتها على الأرض، عوضاً عن التوجّه إلى غوسطا التي يخوض فيها معركة ثانية أيضاً بدا مرتاحاً إلى سيرها. والمفارقة أن الخازن يخوض معركة جونية متحالفاً مع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ومعركة غوسطا في مواجهتهما. وهو يفسّر تحالفه في جونية بالرغبة في تجنيب المدينة معركة سياسية. الخازن الذي لم يرشح أحداً للمجلس البلدي، معتبراً أن رئيس اللائحة انطوان افرام هو ممثله، كان قد اشترط أمراً واحداً للدخول في التحالف: أن لا يكون شوقي البويز رئيساً للبلدية كما كان يُتداول. وعلى هذا الأساس جرى التوافق.
السؤال الذي يُطرح في ظلّ هذه التحالفات الهجينة: ما الذي يضمن عدم تكرار تجربة مجلس 2004، لجهة استقالة أعضاء البلدية عند أول منعطف سياسي؟ افرام يجيب بأن الأعضاء متوافقون على إنماء جونية لجعلها أجمل مدينة على البحر الأبيض المتوسط. فيما يقول الخازن إنّ الأمر يرتبط بطريقة إدارة البلدية، ومحافظة رئيسها على علاقة جيدة بالأعضاء.