لم تهدأ رأس الناقورة ليل أمس. استعدّت لاستقبال الأسرى اللبنانيين الذين شاركوا في أسطول الحرية. صيحات وزغاريد رافقت العودة، لتلتقي هذه الفرحة مع مثيلاتها في عدد من الدول العربية والأجنبية، لدى عودة أسراها أيضاً
الناقورة ــ آمال خليل
عند الساعة الحادية عشرة إلا ربعاً من مساء أمس، أنهى الصحافي في فضائية «الجزيرة» الإنجليزية أندريه أبي خليل ساعات الانتظار الطويلة التي بدأت منذ عصر أول من أمس، للمحتجزين اللبنانيين الأربعة الذين شاركوا في «أسطول الحرية» لكسر الحصار على غزة. تسلّل المفرج عنه بقامة هزيلة وثياب رياضية من بين الجموع، وانسحب من داخل المنطقة العسكرية حيث نقطة استخبارات الجيش، ليركض باتجاه الحشود المنتظرة خلف البوابة الحديدية، ويحضن والدته.
لحظات وعلا التصفيق ترحيباً بزميله عباس ناصر، الذي تلقّفته عشرات الكاميرات، إضافة إلى النواب علي فياض ونواف الموسوي وقاسم هاشم وعبد المجيد صالح. تبعه حسين شكر، أو أبو الشهداء، الذي استشهدت عائلته في مجزرة النبي شيت خلال عدوان تموز. وكان هاني سليمان آخر الواصلين. أطلّ من سيارة الإسعاف التابعة للصليب الأحمر اللبناني، التي حملته مصاباً في يده وقدمه اليمنى.
شكر كان أول الراوين لمعاناة مرحلة الاعتقال، إذ أشار إلى أن «جميع المشاركين تعرّضوا للضرب والإرهاب النفسي، بعدما فوجئنا بإنزال جوي، فيما لم نكن نحمل سوى الأقلام وآلات التصوير ومواد الإغاثة لأهلنا المحاصرين في غزة».
ناصر رفض التوقيع على ورقة الاحتلال وقال للإسرائيليين إنه لا يعترف بهم
وأضاف شكر أنه «بات منذ يومين والداً لتسعة شهداء إلى جانب أولاده الأربعة، بعد استشهاد رفاقه الأتراك الخمسة». وشرح قائلاً «كانوا في مقدمة السفينة، وعرضوا عليه حمايته من الإسرائيليين بأجسادهم، وهو ما فعلوه». تنفّس «أبو الشهداء» الصعداء وهو يعلن أنه صرخ في وجه الإسرائيليين وهم يكبّلونه ويقتادونه من السفينة: «أنتم قتلتم أولادي، لذا جئت إليكم لأحاصركم».
من جهته، أكد ناصر أن الأسرى «رفضوا التوقيع على إقرار يفيد بأننا دخلنا الأراضي الإسرائيلية بطريقة غير شرعية»، وقال «أجبتهم بأنني لا أعترف بإسرائيل أصلاً». واستطرد شارحاً أن الإسرائيليين «مارسوا عليه ضغوطاً معنوية وجسدية. ضربوه وأبلغوه أنه لن يطلق سراحه مع رفاقه اللبنانيين، بل سيبقى في السجن، وجعلوه يراقب زملاءه وهم يركبون الحافلة، لكن في النهاية أخرجوه معهم». وأشار إلى أنه «لا يعرف لماذا اختاروه دون الكثيرين للتحقيق معه بالتفصيل».
وصول النائب عقاب صقر بُعيد التاسعة ليلاً سرق الأضواء من زملائه النواب، الذين وقفوا مع الناس قبل حلول الظلام ينتظرون العائدين. قال إنه جاء «لاستقبال صديقه العزيز عباس ورفاقه»، معرباً عن سعادته بهذا النصر الذي «يعبّر عن انتصار المقاومة المدنية ضد العدو الإسرائيلي».
وصول اللبنانيين واستقبالهم، جاءا في إطار عملية الترحيل الجماعي لأسرى قافلة الحريّة، التي قرّرتها إسرائيل رضوخاً للتحذير التركي والمطالبات الدوليّة، إذ أعلن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، يهودا فينشتاين، أنه سمح «بترحيل جميع الأجانب الذين قُبض عليهم على متن أسطول الحرية فوراً، رغم الاشتباه في ارتكاب بعضهم جناية الاعتداء على جنود شييطت 13، خلال اقتحامهم سفينة مرمرة».
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن فينشتاين قوله إن قراره هذا «استند إلى توصية القيادة السياسية التي علّلت الأمر باعتبارات سياسية واضحة تتصل بالعلاقات الخارجية والأمنية لدولة إسرائيل».
من جهته، أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي، إيلي يشاي، أن عملية ترحيل جميع الناشطين ستستغرق يومين على حدّ تقديره، رغم أن العديد من المسؤولين الإسرائيليين كانوا قد أعلنوا أن إطلاق جميع النشطاء من المفترض أن يكون قد انتهى أمس.
وفي السياق، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية لوكالة «فرانس برس» إن «527 ناشطاً من الأسطول غادروا إسرائيل، واستقلّ معظمهم طائرات متجهة إلى تركيا، فيما استقلّ آخرون طائرة في مطار بن غوريون متجهة إلى اليونان». وأوضح المتحدث أن ثلاثة ناشطين فقط ينحدرون من إيرلندا وإيطاليا وأوستراليا بقوا في إسرائيل «لأسباب تقنية». ولفت إلى أن سبعة ناشطين أصيبوا خلال الاعتداء لا يزالون في مستشفيات داخل إسرائيل.
الحملة الأوروبية لكسر الحصار تستعدّ لإطلاق «أسطول الحرية 2»
ورغم قرار الإفراج، تأخّر ترحيل الناشطين الأتراك لبضع ساعات أمس. وعزت تقارير صحافية التأخير إلى إصرار تركيا على أن تقلع الطائرات الثلاث التي أرسلتها لاستعادة مواطنيها متزامنة، حتى يُستقبلوا في حفل واحد لدى عودتهم. وبحسب هذه التقارير، واجه الطلب التركي رفضاً من جانب تل أبيب، التي أعدّت خطة بديلة، فكان من المقرر أن تقلع الطائرة الأولى في وقت تكون فيه الدفعة الثانية من الناشطين داخل الباصات في المطار، فيما المجموعة الثالثة في مكان الاحتجاز داخل سجن «أليه» في بئر السبع.
وكان 126 ناشطاً من المشاركين في «أسطول الحرية» قد وصلوا إلى الأردن فجر أمس، بينهم 30 أردنياً و96 آخرون، هم 4 بحرينيين و18 كويتياً وسبعة مغاربة و4 سوريين و28 جزائرياً، بينهم 8 نواب، وعماني و4 يمنيين و3 موريتانيين و12 أندونيسياً و3 باكستانيين و11 ماليزياً و20 آذرياً.
وفي سوريا، شارك المئات من أبناء محافظة درعا في استقبال المحررين الأربعة، وهم مطران القدس في المنفى هيلاريون كبوشي وحسن رفاعي ومحمد سطلة وشذى بركات.
وبينما أعلن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني أن إسرائيل أفرجت عن 6 إيطاليين، قال نظيره البريطاني ويليام هيغ إن الحكومة الإسرائيلية لم تزوّد بلاده «بالمعلومات الكاملة عن المواطنين البريطانيين الذين احتجزتهم». وأشار إلى أن عدداً من البريطانيين الـ41 المحتجزين «وافقوا على ترحيلهم، والوزارة ستحاول الحصول على توضيحات عن مصير البريطانيين الآخرين الذين لم يوافقوا على الترحيل».
وفي ما يتعلق بسفينة «راشيل كوري» (نسبة إلى الأميركية التي قُتلت في قطاع غزة عام 2003) التي أبحرت من مالطا يوم الاثنين الماضي، قال أحد أفراد الطاقم ديريك غراهام إن السفينة «عازمة على مواصلة رحلتها إلى القطاع رغم الحصار». وأوضح أنه من المتوقع أن تصل السفينة إلى النقطة التي أغارت فيها إسرائيل على أسطول الحرية مساء غد أو صباح بعد غد.
«راشيل كوري» لن تكون الأخيرة في قوافل رفع الحصار، إذ أعلنت «الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة» أنه «توافر لديها تمويل أوّلي لثلاث سفن من الأسطول الجديد الذي سيتوجّه إلى قطاع غزة، والذي سيطلق عليه اسم الحرية 2، نسبة إلى اسم الأسطول الأول».