الاحتلال يتخلص من الأسرى فتحت إسرائيل أبواب الزنازين أمام الأسرى وما استطاعت إقفال أبواب جهنم التي فتحت عليها من كل حدب وصوب. غادر من بقي حياً من المتضامنين، الأراضي المحتلة ترافقهم جثامين رفاقهم الذين استشهدوا في تلك المذبحة، على وقع التظاهرات التي ازدادت صخباً في أكثر من مكان في العالم بالتزامن مع الإضراب العام في مناطق الـ48
تطورات يوم أمس لم تستطع، رغم كثافتها على مستوى الكمّ والنوع، أن تحجب الأضواء عن الحدث المفصل، ذاك الذي دارت فصوله في أنقرة، محور الحراك المواجه لإسرائيل. رجب طيب أردوغان، الذي كرّسته مواقفه الجريئة المؤيدة للقضية الفلسطينية والحقوق العربية زعيماً لهذه الأمة الخاملة، اعتلى المنصة شامخاً عيناه تقدح شرراً. حدد الخطوط العامة لرد حكومته على «11 أيلول تركيا». قالها بوضوح: غداً يوم آخر. كان صريحاً في مخاطبته إسرائيل: مثلما أنّ صداقتنا قوية، فإنّ عداوتنا قوية أيضاً. ستدفع ثمن جرائمها. إرهاب دولة. دخلنا مرحلة اللاعودة في علاقاتنا معها. مجرمون. كاذبون. منافقون... باختصار «لن تغمض له عين قبل أن تنال إسرائيل عقابها»، على ما أكد بنفسه.
أهم ما في خطاب أردوغان السياق الذي جاء فيه. فور عودته إلى أنقرة من أميركا اللاتينية، وبعد لقائه بالقادة الأمنيين، رئيس الاستخبارات التركية، ووزير الدفاع وجدي غونول، وقائد الجيش الثاني. لقاء دفع به إلى تأخير كلمته لمدة ساعة، ويحمل الكثير من الدلالات، في مقدمها أن ما سيقوله يحظى بدعم العسكر المعروفين بتأييدهم لعلاقة متينة مع إسرائيل. صحيح أن الخطاب لم يتضمن إعلان إجراءات ملموسة بحق الدولة العبرية، لكنه كان أبلغ تعبيراً لما حمله من إشارات ترسم خريطة إقليمية جديدة، موقع تركيا فيها أقرب إلى «المعسكر الآخر»، في إشارة إلى جبهة الممانعة. لعله تجنب إعلان إجراءات كهذه كي لا يفسّر بأنه نتاج حالة الغضب التي تعتريه، على ما سرّب مكتبه. أو فضل انتظار اجتماع اليوم لمجلس الأمن القومي الذي يضم إليه، رئيس الجمهورية عبد الله غول وقائد الجيش إلكر باسبوغ وبقية القيادات العسكرية الرئيسية في البلاد.
بدا واضحاً أن أردوغان سعى جاهداً إلى تجنب ذكر الولايات المتحدة التي نالت العديد من سهامه تحت عنوان أن «كل من يدافع عن جرائم إسرائيل شريك فيها». لكن ما قاله رئيس الوزراء ضمناً، أعلنه رئيس دبلوماسيته أحمد داوود أوغلو صراحة: «نفسياً، هذا الهجوم مثل هجوم 11 أيلول بالنسبة إلى تركيا، لأن مواطنين أتراكاً هوجموا من جانب دولة، لا من جانب إرهابيين، بنيّة وقرار واضح للقادة السياسيين لتلك الدولة»، قبل أن يعبّر عن خيبة أمل بلاده من «الرد الأميركي المتردد» على المذبحة. وأضاف، موجهاً كلامه لنظيرته الأميركية هيلاري كلينتون: «نتوقع تضامناً كاملاً معنا. يجب ألا يكون الخيار بين تركيا وإسرائيل. يجب أن يكون الخيار بين الخطأ والصواب»، مشدداً على أنه «عمل إجرامي. لا نحتاج إلى تحقيق لرؤية ذلك».
وكشف داوود أوغلو، الذي تلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك لتعزيته بالقتلى الأتراك، عن أنه كان يعتزم بحث استئناف محادثات السلام الإسرائيلية ـــــ السورية غير المباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، «لكن هذه المبادرة تعطلت». وتساءل: «كيف يمكننا أن نقنع سوريا أو دولاً أخرى في المنطقة بأن الإسرائيليين يريدون السلام؟».
كلام واضح فسرته «حرييت» بأنه «انطلاق حرب دبلوماسية تركية طويلة الأمد ضد إسرائيل». والتزام أكد أردوغان في اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية: سنظل ندعمكم حتى لو بقينا وحدنا في العالم.
وفي السياق، كشف وزير الطاقة التركي، تانر يلدز، أن أنقرة «تعيد النظر في علاقاتها في مجال الطاقة مع إسرائيل، وقد يُتخذ قرار استراتيجي بناءً على توجيه من رئيس الوزراء»، فيما أعلن وزير التجارة، ظافر شغاليان، أن بلاده قد تراجع علاقاتها التجارية مع الدولة العبرية، لافتاً إلى أنّ «الجريمة الإرهابية قد تؤدي إلى تجاهل كل الأرقام التجارية (نحو 3 مليارات دولار سنوياً) مهما كانت عالية».
وفي ما بدا كأنه محاولة لإظهار الولايات المتحدة غير منحازة لأي طرف في أعقاب الاستياء التركي، رأت هيلاري كلينتون أن الوضع في قطاع غزة «غير مقبول» و«لا يمكن أن يستمر». وقالت، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها الروماني تيودور باكونتشي، إن «الحاجات الشرعية لإسرائيل في ما يتعلق بضمان أمنها يجب أن تُضمَن بالطريقة نفسها التي يجب أن تُضمَن فيها الحاجة الشرعية للفلسطينيين بتلقي مساعدة إنسانية مستديمة». وأضافت، في موقف لافت في ما حمله من جديد، أنه «يجب أيضاً ضمان الوصول المنتظم للمواد التي تستخدم في إعادة إعمار» القطاع، مشددة على تأييدها قيام إسرائيل بالتحقيق في المذبحة، على أن يتمتع بـ«الصدقية، بما في ذلك مشاركة دولية» فيه.
محاولة عززها الرئيس باراك أوباما، باتصال هاتفي أجراه بأردوغان للتعزية، أكد في خلاله دعم الولايات المتحدة لـ«تحقيق عادل وشفاف وذي صدقية، على أن توجد طرق مثلى لإيصال المساعدات إلى الفلسطينيين من دون تهديد أمن إسرائيل».
ويبدو أن ما يشغل بال الأميركيين في الوقت الراهن، إضافة إلى التوتر التركي الإسرائيلي، ألّا يؤثر ما يجري على المفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ورأى المتحدث باسم البيت الأبيض، روبرت غيبس، إن الاعتداء الإسرائيلي «يظهر أن السلام في الشرق الأوسط أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى».
لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سرعان ما طمأن إدارة باراك أوباما؛ فقد أكد، في اتصال هاتفي أجراه مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أنه ماض في مسار التفاوض، مشيراً إلى أنه سيلتقي المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل اليوم.

تحرير الأسرى

وفي محاولة لاحتواء عاصفة الإدانات العالمية، أعلنت السلطات الإسرائيلية أن جميع النشطاء المحتجزين من على متن السفن، وعددهم 680 بينهم خمسة لبنانيين، سيخلى سبيلهم، ومنهم عشرون كانت تل أبيب قد هددت في وقت سابق بمقاضاتهم، متهمة إياهم بالتعدي على الجنود الإسرائيليين. وقال المتحدث باسم رئيس

أوباما يدعم تحقيقاً عادلاً وشفافاً: إيصال المساعدات من دون تهديد إسرائيل

مبارك يفتح معبر رفح إلى أجل غير مسمى والوزراء العرب يجتمعون اليوم
الحكومة الإسرائيلية، نير هيفيتز، في بيان مكتوب للصحافيين: «اتُّفق على ترحيل المحتجزين على الفور».
في المقابل، أعلن قائد في البحرية الإسرائيلية أن قوات البحرية مستعدة للتصدي لسفينة مساعدات أخرى متجهة إلى غزة تدعى «راشيل كوري»، في إشارة إلى ناشطة أميركية قتلتها جرافة لجيش الاحتلال دهساً. كذلك قرر المجلس الوزاري المصغر مواصلة فرض حصار بحري على القطاع، و«وضع قيود على حركة السفن إلى غزة التي تحكمها جماعة حماس الإرهابية عمل واضح من أعمال الدفاع عن النفس»، مضيفاً: «وكان هذا هو الحال بالنسبة إلى تحرك الجيش الإسرائيلي ضد الاستفزاز العنيف في البحر».
وكان منظمون قد أعلنوا في وقت سابق أن السفينة «راشيل كوري» أبحرت من مالطا يوم الاثنين، وعلى متنها 15 ناشطاً، بينهم أيرلندية شمالية حاصلة على جائزة نوبل للسلام. وقالت غريتا برلين: «نحن مبادرة لكسر الحصار الإسرائيلي على 1.5 مليون في غزة. مهمتنا لم تتغير، وهذه لن تكون القافلة الأخيرة».
وقال رئيس وزراء أيرلندا بريان كوين أن السفينة مملوكة لايرلندا ويجب السماح لها بأن تكمل مهمتها. ومن المرتقب أن تصل هذه السفينة إلى مياه غزة يوم الأربعاء، لكن برلين قالت إنها قد لا تحاول الوصول إلى غزة قبل مطلع الأسبوع المقبل.
معبر رفح
وكان مفاجئاً أمس القرار المصري بفتح معبر رفح إلى أجل غير مسمى، في خطوة بدت كأنها محاولة لاحتواء ردة الفعل الغاضبة على الدول العربية وإسرائيل في الوقت نفسه، وتزامنت مع اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين، أعلن خلاله الأمين العام عمرو موسى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب اليوم لبحث الرد المرتقب على «القرصنة» الإسرائيلية في المياه الدولية.