الاعتداء الإسرائيلي على «أسطول الحرية» يمثّل جريمة ضد الإنسانية، وانتهاكاً متعدد المستويات للقانون الدولي. قوة كوماندوس قتلت مدنيّين، وجرحت آخرين في المياه الدولية، ثم اقتادت نحو 600 ناشط بالقوّة إلى سجونها
بيسان طي
فجر الاثنين 31 أيار، هاجمت قوة كوماندوس إسرائيلية «أسطول الحرية» في عُرض البحر، في المياه الإقليمية. نتج عن الهجوم مقتل أكثر من 16 مدنياً، أتراك ومن جنسيات أخرى، وجرح أكثر من ثلاثين، فيما اقتيد 600 متضامن بالقوة إلى ميناء أسدود، ثم إلى المعتقلات الإسرائيلية.المعتقلون هم ناشطون من جنسيات مختلفة شاركوا في أسطول الحرية لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، القائم منذ أكثر من ألف يوم، ونقل المساعدات لأهلها.
في موازاة الهجوم وعمليات التحقيق والاعتقال، روّجت الحكومة الإسرائيلية رواية ادّعت خلالها أنها هاجمت الأسطول لأن قباطنة السفن لم يستجيبوا للإنذارات والنداءات التي وجّهها إليهم الجيش الإسرائيلي، وأنهم كانوا «متّجهين» نحو «المياه الإقليمية لدولة إسرائيل»، تضيف هذه الرواية إنّ المتضامين مع غزة «هاجموا الجنود الإسرائيليّين بالسلاح الأبيض، ما اضطر هؤلاء إلى الدفاع عن النفس»، تضمنت الرواية اتهامات خطيرة لناشطين، فسمّتهم أحياناً إرهابيّين.
لم تنته القضية عند هذا الحد، فقد أجبرت القوات الإسرائيلية السفن على الانتقال بالقوة إلى ميناء أسدود، واعتقلت الناشطين، لم تعلن أسماء الشهداء والجرحى، وقد طالبت الناشطين الذين أسرتهم بأن يوقّعوا أوراقاً تفيد بأنهم يتحملون مسؤولية العملية التي وقعت، وذلك كشرط للإفراج عنهم.
مثّلت عملية «رياح السماء» صدمة بالنسبة إلى الرأي العام العالمي، خرج الآلاف في تظاهرات مندّدة بها في دول مختلفة من العالم، ولم تتراجع إسرائيل عن روايتها.
السؤال الذي يُطرح حالياً يتعلق بنظرة القانون الدولي إلى العملية، وإلى الادعاءات الإسرائيلية بشأنها.
يتحدث أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور شفيق المصري عن الانتهاك المتواصل للقانون الدولي، والمتمثّل في فرض الحصار على غزة، وحجب المقوّمات الضرورية للحياة عنها.
ثم تحدّث عن مخالفة ثانية، تتمثّل في التعرض لسفن مدنية كانت في أعالي البحار، ولفت الدكتور المصري إلى أنّ «القول بأنّ هذه السفن تمثّل خطراً على إسرائيل قول غير مقبول، لأن السفن مدنية، ولأنّه مرفوض الكلام عن دفاعٍ استباقيّ».
الحصار المفروض على غزة هو جريمة حرب، قال أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني، يُذكّر بأنّ اللجنة الدولية الحارسة لاتفاقية جنيف 4، تطلب من إسرائيل تطبيق بنود الاتفاقية على أهالي غزة. فالمادة 23 تنص أنه على قوة الاحتلال أن تسهّل مرور كل ما هو ضروري للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، كالغذاء والدواء وحتى ما هم بحاجة إليه للعبادة. جوني أشار إلى أن تجويع المدنيين تحت الاحتلال يمثّل جريمة حرب.
الأب فادي فاضل، أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأنطونية، أكّد أن الانتهاك الإسرائيلي للقانون الدولي صارخ، ولفت إلى أن إسرائيل من الدول الموقّعة على اتفاقية «مونتيغو باي» عام 1982، وفي هذه الاتفاقية تكريس للعرف الدولي القائل بأنّ المياه الدولية لجميع الملّاحين. توقّف الأب تابت عند المادة 89 من الاتفاقية، التي تمنع الدول من أن تمارس صلاحية سيادية في المياه الدولية، وأيّ تدخّل من هذا القبيل يُعدّ «غير مسموح به وغير مشروع»، ولا حقّ لأية دولة بأن تمارس في هذه المياه ما تعدّه رؤيتها الدفاعية.
لفت الأب فاضل إلى أن سفن الأسطول تابعة لتركيا أو لدول أخرى، وهي سفن مدنية، وفي هذه الحالة يحقّ فقط للدولة التي تتبع لها السفينة أن تتأكّد من مشروعيتها، ولا يُعطى هذا الحق لدولة أجنبية. أضاف فاضل إنّ إسرائيل انتهكت القانون من خلال الاعتداء على أسطول الحرية، والانتهاك الأول تمثّل في اعتراض السفن في المياه الدولية، إذ إنها بذلك مارست صلاحية بوليسية. الانتهاك الثاني، الذي تحدث عنه أستاذ القانون الدولي في الأنطونية، يتمثّل في استخدام العنف المسلّح ضد المدنيّين، وهنا يشرح فاضل أنه حتى لو صحّ الكلام عن استخدام «السلاح الأبيض» فإنّ القانون الدولي يتحدث عن توازن في استخدام السلاح، أي إنّ الجواب على فعل يجري باستخدام السلاح نفسه. وهذه النقطة مرتبطة بقضية «الدفاع المشروع عن النفس»، وهي عبارة استخدمتها إسرائيل غير مرّة، وكان آخرها خلال عملية «رياح السماء»، وهنا لفت فاضل إلى أنّ مبدأ الدفاع المشروع عن النفس له ضوابط في القانون الدولي، منها مثلاً أن تتعرض القوات الإسرائيلية لهجوم من سفن حربية، وتردها معلومات عن نية القيام بعمل حربي، فيما الوقائع أثبتت أن السفن مدنية، وقد تأكّدت السلطات التركية وغيرها من سجلات هذه السفن.
من جهة ثانية، توقف الدكتور المصري عند عملية سحب الناشطين بالقوة إلى ميناء أسدود، واعتقالهم دون مبرّر «ما يمثّل عملاً فاضحاً من أعمال القرصنة»، غاية إسرائيل في هذه الحالة ليست الابتزاز المالي ـــــ كما يفعل القراصنة العاديون ـــــ بل ابتزاز الأسرى من خلال اعتقالهم ورفض الإفراج عنهم إلّا إذا وقّعوا أوراقاً يقولون فيها إنهم خالفوا القوانين الدولية.
الدكتور جوني تحدّث عن إعلان عالمي صدر عام 1998 وهو يحدّد حقوق العاملين في قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان وواجباتهم، وفق الإعلان، فإنّ هؤلاء الناشطين لهم الحق في الحماية، أما الجريمة التي نُفّذت ضدهم، وأدت إلى قتل عدد منهم، فإنها انتهاك للإعلان، و«تصنّف جريمة ضد الإنسانية، وفق المادة السادسة من اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية».

طلب الاسرائيليون من الرهائن الإقرار بمسؤوليتهم عمّا حصل
تحدثت الرواية الإسرائيلية عن إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي إلى قباطنة الأسطول، الأب فاضل قال إنه وفق القانون الدولي لا يحق توجيه إنذار لقبطان أيّة سفينة في المياه الدولية، القبطان هو المسؤول الأساسي عن السفينة ومشروعيتها. بهذا المعنى فإنه حر في التواصل مع آخرين، وهو يحدد سلامة تحركاته ومشروعيتها، وهو يحدّد أيضاً مع من يريد التواصل.
أخيراً، لا بد من التوقّف عند العنف الذي تعرّض له الناشطون المتضامنون مع غزة. تنوّعت أشكال هذا العنف، قُتل بعضهم، جُرح آخرون، اعتُقلوا بالقوة، خضعوا للتحقيقات، ضُربوا بالعصيّ الكهربائية، أُخضعوا للتحقيقات بالإكراه، احتُجزت حرياتهم، وطُلب منهم توقيع وثائق لا تتفق مع قناعاتهم لتحميلهم المسؤولية القانونية عمّا تعرضوا له (!)، وحين اقتيدوا إلى الأسر وُزّعت صور بعضهم مكبّلاً، كل هذه الممارسات تمثّل اعتداءات صارخة على حقوق هؤلاء الأشخاص. يتحدث الأب فاضل عن «الكثير من العنف تجاه المدنيين دون مراعاة بنود اتفاقية جنيف، إنه عنف ضد مدنيين أسرتهم إسرائيل في إطار عمل حربي».


القانون في عُرض البحر

التعرّض لأسطول الحرية في المياه الدولية مثّل انتهاكاً متعدد المستويات للقانون الدولي، لكن ثمة من جهة أخرى، أسئلة يطرحها المتابعون عن الصلاحية السيادية في المياه الإقليمية لدولة ما. هل يُسمح لهذه الدولة بممارسة العنف في هذه المياه؟ كيف يمكن أن تتصرف؟ يجيب القانونيّون بأنّ القانون الدولي يحدّد أطراً لهذه الصلاحية. الدكتور فادي فاضل يشير إلى أن أعمال العنف، وعدم التوازن في استخدام الأسلحة أمر غير مقبول مهما كان المكان الذي جرت فيه. كما أن القانون الدولي يضع ضوابط لقضية «الدفاع عن النفس»، منها تحديد الأسلحة. وهنا يلفت فاضل إلى أن إسرائيل عبر تاريخها كلّه أثبتت أنها لا تحترم القانون الدولي.
الدكتور حسن جوني توقف عند هول الجريمة التي نُفّذت في حق المشاركين في «أسطول الحرية»، وقال إن جريمة قتل المدنيين خطيرة جداً، وتمثّل انتهاكاً للقانون الدولي أينما وقعت.
أخيراً، لا بد من التوقف عند قضية عدم تعلام الاسرائيليين الهيئات الانسانية بعدد القتلى والجرحى وهوياتهم ليتم ابلاغ ذويهم وهو حقّ ينصّ عليه القانون الدولي الانساني.