من المنتظر أن تحسم مجموعات الحراك الشعبي اليوم خطواتها التصعيدية التي حذّرت منها الأسبوع الفائت. الاقتراحات التي طُرحت في اجتماع المجموعات أمس لا توحي بأنّ التصعيد المنتظر غداً سيختلف في قوّته عمّا حصل الأربعاء الفائت. أمهلت مجموعات الحراك الشعبي مجلس الوزراء حتى الغد (موعد انعقاد الجلسة الثانية لطاولة الحوار) من أجل تحقيق مطالب الحراك، وفي مقدمتها إعلان حالة طوارئ بيئية على نحو يؤدي إلى إزالة جميع النفايات من الطرقات العامة والشوارع.

حتّى اليوم، لم تتجاوب الحكومة مع أيّ من مطالب الحراك، بل على العكس تتكثف الجهود الحكومية لفرض مقررات مجلس الوزراء على الجميع، ومن المقرر أن تُدعى جميع البلديات المحيطة بمواقع المطامر المقترحة، بالإضافة إلى ممثلين عن المنظمات الأهلية وخبراء محليين وأجانب إلى لقاء في «البيال» يوم الجمعة، للترويج للمقررات وإقناع الحاضرين بأن هناك دراسات علمية تبدد مخاوفهم، ولا سيما لجهة مكب سرار وقابليته للطمر جيولوجياً، «نظراً إلى الطبقة الصلصالية في أرضه التي لا تسمح بالتسرب». في المواجهة، تعقد «المفكرة القانونية» و»الحركة البيئية اللبنانية» ندوة عند الساعة الخامسة والنصف من مساء اليوم في مسرح المدينة في الحمرا، يتحدث خلالها الوزير السابق شربل نحاس والخبير البيئي ناجي قديح والمهندس أنطوان بو موسى، وسيوضحون كيف أنّ لجنة الخبراء تحاول أن توهم المجموعات بـ»أن الأجهزة الوزارية بصدد تنفيذ الكثير من الإصلاحات في مجال معالجة النفايات رغم خلوّ مقررات مجلس الوزراء منها. وقد بدت لجنة الخبراء وكأنها تريد أن يصدق المواطنون أن مجلس الوزراء حسن النية بمعزل عما يقرره أو لا يقرره».
حتى ليل أمس، لم تقرّر المجموعات بشكل نهائي خطواتها التصعيدية، على أن يُحسم الأمر اليوم مع انتهاء الاجتماع المقرر عند الساعة الثانية عشرة ظهراً. اجتماع أمس لم يحضره عدد من المجموعات أبرزها «طلعت ريحتكم» بسبب انشغال الحملة بالتحرك الذي نظّمته أمام وزارة البيئة. طُرحت في اجتماع أمس سلسلة من الاقتراحات ترمي إلى تنفيذ تحركات تمتد إلى يوم السبت. ومن هذه الاقتراحات إقفال مداخل وسط البلد بالنفايات يوم الأربعاء (غداً) لمنع المتحاورين من الوصول بسهولة إلى ساحة النجمة، على أن يكون هناك دعوة لتحرّك شعبي آخر خلال هذا الأسبوع في مطمر الناعمة لإعلان الرفض التام لإعادة فتحه، فضلاً عن تظاهرة مركزية نهار السبت.
لكن إذا بقيت المجموعات بلا خطّة واضحة للتحرّك والوصول بالحراك إلى أهداف محددة ستقع مجدداً في الفخ. فالاحتجاجات التي حصلت نهار الأربعاء الفائت أثناء انعقاد طاولة الحوار خلقت ضغطاً كبيراً على المجتمعين ونتج منها انعقاد مجلس الوزراء الذي خرج بقرار مرفوض من قبل جميع المجموعات، ضارباً عرض الحائط بمطالبها. أثبت حراك الأربعاء ـ على الرغم من أنه أجبر الحكومة على الانعقاد ـ أنّه حتى اليوم لا تأبه الحكومة لمطالب الشارع، وبالتالي لا بد من تشديد الضغط بوسائل مختلفة. كذلك إن تحديد الجلسة الثانية لطاولة الحوار غداً، أي بعد أسبوع من الجلسة الأولى، أثبت أنّ السلطة غير مستعجلة لحل أزمات المواطنين، ما يعني أنها تستهتر جدياً بالحراك.

يتجه الحراك
نهار الأربعاء إلى
إقفال مداخل وسط البلد بالنفايات

حاولت السلطة أن تراوغ، موهمةً الناس بأنها لبّت مطالبهم الأربعة وهي: حل فوري وبيئي لإزالة النفايات، استقالة وزير البيئة، محاسبة وزير الداخلية والمعتدين على المتظاهرين وإجراء انتخابات نيابية دستورية تضمن تمثيل جميع اللبنانيين. فقد صدر عن مجلس الوزراء قرار أعلن فيه تبنيه للمبادئ العامة لخطة لجنة الخبراء من دون أن يحدّد إجراءات واضحة لتنفيذ هذه الخطة. وزير البيئة محمد المشنوق انسحب من اللجنة الوزارية المكلفة معالجة أزمة النفايات، داعياً «رئيس الحكومة تمام سلام إلى تكليف وزير آخر هذا الملف». وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، أجرى تحقيقات في قضية قمع المتظاهرين، وخلص إلى «تحويل ضابطين على المجلس التأديبي وستة عسكريين بعقوبة مسلكية لقيامهم بالتصرف بشكل تلقائي من دون العودة إلى رؤسائهم وتوجيه تأنيب إلى الضباط لتركهم وسائل اتصالهم في مكاتبهم». أما في ما يتعلق بمطلب الانتخابات النيابية، فقد وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري مسألة القانون الانتخابي على طاولة الحوار. بناءً عليه، «افترضت» السلطة أنها لبّت مطالب المجموعات، وهي تضغط الآن لفضّ الحراك بوسائل عدّة.
لذلك ينتظر الناس أن يكون التوجه غداً نحو التصعيد الجدي والفعال، إذ إنّ قوة الحراك تكمن في صعوده، أي في قدرته على جذب عدد أكبر من الناس في كل تحرّك والوصول إلى شرائح جديدة من الناس. يقول الأمين العام لاتحاد الشباب الديمقراطي عمر ديب، إنّه «يجب زيادة الضغط على الحكومة من خلال اللجوء إلى وسائل أخرى لا تنطوي على مغادرة الساحة». يرى ديب أنّ المطلوب «تنفيذ تحركات يومية تؤثر في وزارات الدولة وتشكّل هاجساً لدى المسؤولين، ونحن ندفع في الاجتماعات التنسيقية باتجاه هذا الأمر». يوافق عضو مجموعة «حلو عنا» إبراهيم دسوقي على «ضرورة التصعيد بنحو أقوى من أجل تحصيل الحقوق، إذ لم يعد يجدي أن ينزل الناس إلى الشارع ثم يعودوا إلى منازلهم، لذلك يجب الضغط بطرق أخرى». يؤكد دسوقي أن لا ثقة بأي قرار يصدر عن الحكومة إذ «أثبتت هذه السلطة عبر السنوات أنها غير أهل لهذه المسؤولية، فقد جربناها لأكثر من 20 سنة وفي كل مرحلة كانت تقول إن الأزمة ستحل بعد سنوات قليلة، إلى أن غرق الناس في النفايات».