منهال الأمينيروي مقرّبون من الراحل، السيد محمد حسين فضل الله، أنه حين بدأ عدوان تموز 2006، رفض أن يبرح منزله المجاور لمنزل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر اللّه في حارة حريك. ويُقال إنّ نصر الله نفسه تدخّل لكي يغادر العلّامة المكان قبل أن تحيله الطائرات الصهيونية ركاماً بساعات. ويعلّق هؤلاء المقرّبون بأنّ «ما بين السيد والضاحية يتخطّى الإقامة والعمل، إلى الشعور بالمسؤولية عن كل فرد فيها». واهتمامات السيد بالشؤون العامة، بدأت منذ قدومه إلى لبنان، بعد أكثر من 20 عاماً قضاها في النجف دارساً ومدرّساً وناشطاً فكرياً. فأسّس في النبعة المعهد الشرعي الإسلامي وجمعية أسرة التآخي عام 1966، وذلك بتشجيع من المرجع أبو القاسم الخوئي، وكان وكيلاً له في لبنان. قدمت الجمعية خدمات متنوعة إلى أهالي المنطقة، النازحين من الجنوب والبقاع، طلباً للرزق وللأمان بسبب الاعتداءات الإسرائيلية. واضطر السيد نتيجة الحرب الأهلية إلى النزوح بالجمعية إلى الضاحية الجنوبية عام 1976، وكذلك بالمعهد، إلى حيّ السلّم أوّلاً، ثم بئر العبد، وأخيراً بئر حسن، حيث لا يزال يزاول نشاطه حتى اليوم. اختلفت الأسماء، ولكن توسّعت الأعمال، فأسّس السيد مبرّة الخوئي في منطقة الصفير (انتقلت إلى خلدة)، وكانت نواة لتأسيس جمعية المبرات الخيرية في 1978، التي توسّعت لتشمل كل لبنان، مدارس ومبرّات ومؤسسات اجتماعية وصحية ومراكز تدريب ومعاهد فنية ومهنيات، وتوّجت إنجازاتها بتأسيس مستشفى بهمن منتصف التسعينات.
وكانت منطقة بئر العبد، محطة أساسية لنشاط السيد طيلة 18 عاماً، حين تسلّم إمامة مسجد الإمام الرضا منذ إنشائه عام 1978، فكان شاهداً على اجتياح1982 وهدم بيوت الضاحية، وانتفاضة إسقاط اتفاق 17 أيار، التي انطلقت من أمام المسجد على وقع خطبه، التي تعدّ بالآلاف، وأهمّها تلك التي كان يلقيها أيام الجمعة، بشقّين، ديني وسياسي، ويجتمع فيها حشد كبير من مختلف المناطق، حتى عُدّت صلاة الجمعة، التي يقيمها من أهمّ التجمعات الشيعية في لبنان، وخصوصاً بعد تصاعد حركة المقاومة، ما جعله هدفاً لمحاولة اغتيال بمتفجّرة بئر العبد الشهيرة في 1985.
وأرسى هذا الزخم العلمي والسياسي، القواعد التي انطلق منها حزب الله، فكرياً وعقائدياً، إذ إنّ الشبّان المؤسّسين كانوا من الملازمين لمنبره، كما يعبّر مدير مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر د. نجيب نور الدين. ومن أبرزهم الشهيد عماد مغنية، الذي تولى قيادة مرافقة السيد لسنوات عدة، والعشرات من الكوادر الذين شوهد بعضهم أمس باكياً بين المعزّين. إلّا أنّ فضل الله، يضيف نور الدين، «حافظ على استقلاليته التي استفاد منها الجميع». وجذبت حالة السيد غير المؤطّرة، وخطابه الفقهي المنفتح، فئات كثيرة في لبنان وخارجه. أمّا في النشاط الاقتصادي، فقد عمد السيد مطلع التسعينيات إلى تأسيس مؤسسات إنتاجية توخّى منها الاستغناء عن التبرّعات والمساعدات، فكانت محطة الأيتام على طريق المطار، التي أصبح لها عشرات الفروع في الضاحية والجنوب والبقاع. وفي 2004، أنشأ مطعم الساحة، وله اليوم فروع في كلّ من بريطانيا وقطر والسودان. وإضافةً إلى رعاية الأيتام، فإنّ آلاف العائلات تستفيد من تقديمات اجتماعية وصحية توفّرها مؤسسات السيد التربوية والاجتماعية. ويُقدَّر عدد الأيتام الذين تخرّجوا من جمعية المبرات منذ تأسيسها بحوالى مئة ألف يتيم.
وجاء انتقال السيد إلى مسجد الحسنين في 1996، بعد تصدّيه للمرجعيّة. وحرص هناك على تأسيس منابر ثقافية، كالمركز الإسلامي الثقافي، الذي يضم المكتبة العامة، ومؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر، وهي آخر مؤسسة أسّسها فضل الله منذ سبع سنوات تقريباً.