كان لتصدّي الجيش اللبناني لمحاولة الجيش الإسرائيلي انتهاك حرمة الأراضي اللبنانية، وقع الصدمة على المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، صدمة وجدت تعبيراً لها في الأسئلة التي طرحها قادة العدو على أنفسهم عند محاولتهم مقاربة الأسباب والظروف التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد
محمد بدير، مهدي السيد
منذ اللحظة الأولى للاعتداء الإسرائيلي، بدا واضحاً أمس أنه في موازاة حال الذهول التي عمّت الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية نتيجة ردّ الجيش اللبناني، عمل المسؤولون الإسرائيليون على خطين: الأول، التعامل بصرامة وشدة ضد لبنان، تصريحاً وفعلاً، من خلال الاعتداء على الجيش اللبناني وإطلاق التهديدات ضد الحكومة اللبنانية، والمسارعة إلى تقديم شكوى ضده في مجلس الأمن؛ والثاني، العمل على احتواء الوضع من خلال الاتصالات مع الجهات الدولية ومع قوات اليونيفيل، والإشارة إلى أن ما حصل لا يعدو كونه حدثاً موضعياً على الرغم من خطورته.
وبالفعل، تعامل المستوى السياسي في إسرائيل بخطورة بالغة مع تصدي الجيش اللبناني لمحاولة اختراق الجيش الإسرائيلي للسيادة اللبنانية. وهذا ما تجلى في المواقف المتشددة والتهديدات ضد لبنان التي صدرت عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك، ومن متابعتهما لمجريات الأمور وتطورها، حيث أجرى نتنياهو لهذه الغاية مشاورات مع كبار ضباط الجيش الإسرائيلي لتقويم الموقف على الحدود مع لبنان وتلقى تقارير أمنية أولاً بأول عن آخر التطورات.
وحمّل نتنياهو لبنان كامل المسؤولية عن الاشتباكات، ونقل عنه موقع يديعوت أحرونوت على شبكة الإنترنت، قوله في بيان صادر عنه إن إسرائيل «تنظر بخطورة بالغة إلى الهجوم على جنود الجيش الإسرائيلي»، وأضاف إن الأمر يتعلق بخرق سافر للقرار 1701. وقال نتنياهو «إن حكومة لبنان مسؤولة مباشرة عن الاستفزاز العنيف تجاه إسرائيل».
وشدد نتنياهو في بيانه على أن «إسرائيل ردّت وستردّ في المستقبل أيضاً بحزم على كل محاولة للإخلال بالهدوء على الحدود الشمالية، والمسّ بسكان المنطقة وبالجنود الذين يدافعون عنهم».
من جهته، حذّر باراك حكومة لبنان من «الاستمرار في استفزاز» الجيش الإسرائيلي. وقال إن إسرائيل لن تتسامح مع أي اعتداءات على جنودها ومواطنيها «ضمن أراضيها»، ودعا المجتمع الدولي إلى إدانة «العمل الآثم الذي قام به الجيش اللبناني».
وطالب باراك الحكومة اللبنانية بالتحقيق لمعرفة من يقف وراء «الاعتداء الدامي الذي وقع»، كما دعا قوات اليونيفيل إلى أداء واجبها والعمل بحزم لمنع تكرار مثل هذا الحادث.
وأكد أن الجيش الإسرائيلي «سيواصل عمله بحزم لحماية مواطني إسرائيل وحدودها السيادية»، مضيفاً إن «إسرائيل ترغب في السلام، وقد أثبتت ذلك عندما سحبت قواتها إلى الحدود الدولية في عام 2000، لكنها لن تتحمل في أيّ حال من الأحوال التعرض لجنودها أو لمواطنيها داخل أراضيها السيادية».
وكان نتنياهو قد أصدر تعليماته إلى وزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان، لتقديم شكوى ضد لبنان إلى الأمم المتحدة. وأضاف الموقع إن مكتب نتنياهو أجرى اتصالات مع جهات دولية، من أجل تهدئة الأمور، كما نقل عن محافل إسرائيلية رفيعة المستوى قولها إن «ما حصل خطير»، وأضافت إنه على الرغم من خطورته، فإنّه يبدو حادثاً موضعياً، وإنه ليس هناك أيّ نية للتصعيد.
في موازاة ذلك، حمّلت إسرائيل الحكومة اللبنانية مسؤولية الاشتباكات، واتهمتها بخرق القرار 1701 وأوعزت إلى مندوبها في الأمم المتحدة بتقديم شكوى ضد لبنان بهذا الخصوص.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن ناطق بلسان وزارة الخارجية أن إسرائيل «تعتبر إطلاق الجيش اللبناني النار على جنودها على الحدود اللبنانية الإسرائيلية خرقاً سافراً لقرار مجلس الأمن الرقم 1701».
وأضاف الناطق إن «هذا الخرق يمثّل حلقة أخرى من سلسلة الخروق التي يرتكبها لبنان بهذا القرار الدولي»، مؤكداً أن إسرائيل تعتبر الحكومة اللبنانية مسؤولة عن هذه الخروق، وحذّر من العواقب الوخيمة التي قد تترتب عن استمرارها في ذلك.
وأوعز وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان إلى ممثلة إسرائيل في الأمم المتحدة غابريللا شاليف بتقديم شكوى بهذا الخصوص الى مجلس الأمن الدولي.
ويمكن القول إنه على الرغم من التوصيف الإسرائيلي للاشتباك بأنه حدث موضعي، ساد إجماع بين المراقبين الإسرائيليين على اعتبار ما حصل على درجة عالية من الخطورة، وإبداء المخاوف من أن يؤدي الاشتباك إلى تصعيد في الوضع الأمني على الحدود مع لبنان. وانعكس ذلك في القلق وعلامات الاستفهام التي أثيرت في الأوساط السياسية والإعلامية، ولا سيما بحث بعض المراقبين عن وجود رابط ما بين سلسلة الأحداث الأخيرة التي بدأت مع إطلاق صاروخ غراد على عسقلان، مروراً بسقوط قذائف وصواريخ القسّام على النقب الغربي، وانتهاءً بالصواريخ التي سقطت أول من أمس على إيلات والعقبة والاشتباك الأخير مع الجيش اللبناني، بحسب موقع يديعوت. وأشار الموقع نفسه إلى إمكان وجود صلة بين التطورات الأمنية الأخيرة وبين قرب الشروع في المحادثات المباشرة. كما أن ثمّة من بحث في إسرائيل عن خلفية ما حدث على الحدود مع لبنان ربطاً بالتطورات التي تشهدها المحكمة الدولية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، واحتمال صدور قرار اتهامي يتهم حزب الله بالضلوع في اغتياله، والإشارة إلى أن حزب الله معنيّ في هذه الحال بتصعيد الأوضاع مع إسرائيل.
بدورها، قالت رئيسة المعارضة في الكنيست ورئيسة حزب كاديما، تسيبي ليفني، تعليقاً على الاشتباك، إنه «حادثة خطيرة جداً، وهذا يذكّرنا أيضاً بأن إسرائيل موجودة في منطقة صعبة، ولا تزال موجودة في معركة». وأعربت ليفني عن أملها «أن لا تتطور هذه الحادثة ولا تتجاوز الحد»، وأضافت إن «الحكومة اللبنانية ملزمة بتفكيك حزب الله، وهذا ما نتوقعه منها. الحادثة اليوم حصلت بين الجيشين، ومن السهل تحويل حادثة محلية إلى حادثة واسعة النطاق تتدخل فيها أكثر من دولة». وأشارت إلى أن «مهمة القيادة حالياً في إسرائيل وفي لبنان أن تتحمل مسؤولياتها السياسية، إبقاء الحادثة المحدودة ضمن هذا الإطار وعدم إعطاء الفرصة لمن يريد إشعال المنطقة».
في الجانب العسكري، اتهم قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي آيزنكوت، الجيش اللبناني بإعداد كمين قنص مخطط للجنود الإسرائيليين الذين كانوا يعملون على الحدود. وقال آيزنكوت في إيجازٍ للصحافيين «لقد كان هناك كمين مخطط من عدد من القنّاصة، نفذوا إطلاق النار الذي حصل». وأضاف «الأمر يتعلق بحادث استفزازي بادر إليه الجيش اللبناني، ونحن نرى في إطلاق النار حادثاً خطيراً جداً». وتابع «لقد رددنا على الفور، وبعد ذلك عمدنا الى إطلاق نيران مدفعية ومن طائرات مروحية تابعة للجيش».
وتطرق آيزنكوت إلى الاتصالات التي أعقبت الحادث مباشرة، مشيراً إلى تلقي الجانب الإسرائيلي طلباً لوقف إطلاق النار من القيادة العليا في الجيش اللبناني لكي يتمكن من سحب إصاباته «وقد استجبنا لذلك». وإذ شدد على أن ما حصل «حدث موضعي»، أكد آيزنكوت أن هذا هو الحدث الأخطر منذ «حرب لبنان الثانية»، وقال «نحن ننظر إليه بخطورة، ولذلك رددنا بالطريقة التي رددنا فيها». وفي ما يتعلق بدوافع إطلاق النار من الجيش اللبناني قال الجنرال الإسرائيلي «ليس لدينا أي معلومات عمّن يقف وراء هذه المبادرة، لكني أعتقد أننا سنعرف ذلك في الأيام القليلة المقبلة».
وبحسب الرواية الإسرائيلية لما حصل، فإن الحدث بدأ عند الساعة 10:30 صباحاً عندما كانت قوة تابعة للجيش الإسرائيلي تقوم بأعمال جزّ لأشجار حاجبة للرؤية على امتداد السياج الحدودي في أحد «الجيوب» الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية. وزعمت المصادر الإسرائيلية أنه جرى تنسيق المهمة على نحو مسبق مع الجيش اللبناني، إلا أنه بالرغم من ذلك تقدمت قوة مؤلفة من 10 إلى 15 جندياً لبنانياً من مكان الحادث وطلبت من القوة الإسرائيلية وقف أعمالها. وخلال السجال الذي تطور بين الجانبين، أطلق جنود لبنانيون نيران قنص من أحد البيوت الواقعة على تلة مشرفة تابعة لبلدة العديسة باتجاه ثلاثة ضباط إسرائيليين كانوا يقفون في تلة مقابلة تابعة لمستوطنة «مسكاف عام» ويشرفون على أعمال الدورية الإسرائيلية. وعلى الفور، أصيب قائد فصيل في صدره، تلاه تعرض قائد الكتيبة لإصابة في رأسه أدت إلى مقتله بعد وقت قصير. وفي أعقاب ذلك، ردت القوات الإسرائيلية بنيران مباشرة، تلتها نيران مدفعية وأخرى مصدرها المروحيات الحربية باتجاه مواقع الجيش اللبناني التي تشرف على منطقة الحدث. وفي موازاة ذلك، نفذت مقاتلات إسرائيلية غارات على قيادة الكتيبة التي تتبع لها القوة في منطقة الطيبة وذلك في إطار تعليمات أصدرتها قيادة المنطقة الشمالية بتدمير كل المواقع التابعة للكتيبة. ووفقاً للمصادر الإسرائيلية، فقد أطلقت خلال الاشتباكات أربع قذائف آر بي جي باتجاه إحدى الدبابات الإسرائيلية أثناء تبادل النيران، إلا أنها أخطأت الهدف.
وبدا واضحاً سعي إسرائيل إلى احتواء الحدث وعدم الانقياد باتجاه التصعيد، وهو ما انعكس في التصريحات والتسريبات التي تواترت فور حصوله والتي أكدت أن الحدث موضعي ومحدود. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن التقدير في قيادة المنطقة الشمالية هو أن الحادثة خطيرة واستثنائية، لكنها موضعية وقد انتهت ولن تؤدي الى تصادم على الحدود الشمالية. وبرغم ذلك، أصدر قائد أركان الجيش، غابي أشكينازي، أوامر بالرد على كل مصادر النيران التي تطلق باتجاه الجيش الإسرائيلي «بطريقة محسوبة لا تؤدي إلى تدهور الأوضاع». وأفادت وسائل الإعلام العبرية بأن أشكينازي حضر شخصياً إلى قيادة المنطقة الشمالية في أعقاب الحادثة ليشرف بنفسه على إدارتها نظراً إلى حساسية الوضع.
وأجمعت مصادر العدو على استغراب إطلاق الجيش اللبناني النار، وأعربت عن ذهولها من ذلك، وخصوصاً أنها المرة الأولى التي تفتح فيها قواته النار منذ عدوان تموز. وفيما أشارت بعض المصادر

أجمعت مصادر العدوّ على استغراب إطلاق الجيش اللبناني النار، وأعربت عن ذهولها من ذلك

اتهم آيزنكوت الجيش اللبناني بإعداد كمين قنص مخطّط للجنود الإسرائيليين

حرصت إسرائيل على التأكيد أنّ ما حصل لا يعدو كونه حدثاً موضعياً رغم خطورته
إلى أن خلفيات هذا الأمر لا تزال غير واضحة وتخضع للتدقيق، ذكرت تقارير إعلامية أن تقديرات الجيش تعتقد أن الجنود اللبنانيين قدروا على نحو خاطئ مكان وجود القوة الإسرائيلية على الحدود، ما دفعهم إلى فتح النار عليها. وفي هذا الإطار، أشار موقع «معاريف» إلى أن الجيش الإسرائيلي وقوات اليونيفيل شرعا في شهر حزيران الماضي «تحت جناح من السرية» في إعادة ترسيم الخط الحدودي بالاستناد إلى الخط في القطاع الشرقي. وفي سياق البحث عن إجابة عن هذا التساؤل، لم يستبعد معلقون إسرائيليون أن يكون الجندي الذي فتح النار على «علاقة» بحزب الله! وأشار بعض المعلقين الإسرائيليين إلى أن الجيش الإسرائيلي سيبحث في تداعيات ما حصل على علاقاته بالجيش اللبناني «الذي تنظر إليه إسرائيل كعامل مساهم في الحفاظ على الهدوء» في جنوب لبنان حيث سيوسع انتشاره قريباً.
وفي إشارة إلى أجواء التوتر التي تسكن الجانب الإسرائيلي من الحدود، أفاد موقع «يديعوت أحرونوت» أمس بأن الجيش الإسرائيلي أجرى خلال الأشهر الأخيرة مناورات عدة تهدف إلى فحص جهوزية قواته لمختلف أنواع السيناريوهات إذا ما قرر حزب الله العمل ضد أهداف إسرائيلية عبر الخط الحدودي.
من جهة ثانية، أدت الاشتباكات إلى شيوع حال من الخوف والهلع في المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود مع لبنان، فأفاد موقع يديعوت أحرونوت على الإنترنت، أنه على الرغم من عدم إعطاء الشرطة الإسرائيلية وقيادة الجبهة الداخلية أيّ توجيهات خاصة، فإنه بحسب رئيس بلدية كريات شمونه «كان هناك خوف وهلع في المراكز التجارية، ولم تكن الأمور واضحة». وقد توجه العديد من الأهالي إلى المسبح العام وأخذوا أولادهم من هناك، وبحسب ما قالت إحدى النساء هناك، فإنّها موجودة هي وأولادها في الملجأ ولا يمكنها أن تجازف.
وقال موقع يديعوت إنّه على الرغم من عدم توجيه القيادة دعوات إلى الناس للنزول إلى الملاجئ، فإنّ عدداً كبيراً من الناس نزلوا إلى الملاجئ فور سماعهم دويّ انفجارات القذائف وإطلاق النار. وما زاد من صعوبة الوضع في تلك المستوطنات، بحسب القناة العاشرة الإسرائيلية، هو أن منطقة شمال فلسطين المحتلة، تعجّ حالياً بآلاف المتنزّهين، وهذا الأمر هو أحد السيناريوهات الأكثر سوداوية بالنسبة إلى هؤلاء، إذ إن الأمر ليس مجرد حادث أمني، بل هو حادث في هذه الفترة التي تشهد فيها منطقة الشمال زحمة كبيرة.