مهى زراقطهي كأس مرّة حلّت على العائلة الصغيرة. مازن أستاذ الرياضيات يحضن أمه، ولا يخفي تأثّره بفقدان الأب والصديق. أما جرجس، فيبدو أكثر تماسكاً، يملك دموعه حيناً وحين يفقد السيطرة يخفيها على كتفي صديق أو قريب. نسرين، الأم لثلاثة أطفال، تسرق لحظات لتهرب إلى الداخل. تقع عيناها على جريدة نشرت صورة لعساف مكان سقوطه شهيداً. تزعجها رؤيته، فتصرخ رافضة «مات ع الطريق». تتمنى لو أنها لم ترَ الصورة، لأنها قد لا تستطيع محوها من ذاكرتها. وتتمنى لو تستطيع أن تعود يومين فقط إلى الوراء لتكتشف أن كلّ ما يدور حولها اليوم ليس حقيقياً... أمنية لن تتحقق، فها هو طفلها الذي كان يلهو على الدراجة وسط المعزين «وين جدو؟ مات؟»، فتجيبه سعاد: «إيه.. مات جدّك».
وحده الصمت علاج لهذه اللحظات القاسية. أما الوشوشات بين الحاضرين فلا تحمل إلا ذكريات من حياة عساف المليئة بالتعب والكفاح من أجل تربية العائلة. هي أيضاً لحظات من السعادة التي كان يمنحها لشبان البلدة وشاباتها. كيف لا وهو رفيقهم ومستشارهم، وسائقهم. هو الذي لم يكن يعرف أن يقول يوماً كلمة «لا» لأحد تقول سناء واكيم العضو في الكشاف الوطني الأرثوذكسي. تحكي كيف كان عساف يساعدها وزملاءها في تنظيم

تصرخ نسرين عندما ترى صورة والدها في أرض المعركة

الاحتفالات وصناعة قفير النحل. وتحكي زميلتها كيف كان عساف يقلّهم بسيارته عندما يضطرون إلى التوجه إلى بيروت. الفتاتان مصدومتان بالخبر، وكذلك قريبته مريم أبو رحال التي تحكي كيف كان عساف منهمكاً في الأيام الأخيرة ببناء منزل لابنه مازن، وكان يختار له لوازمه بنفسه من دهان وبلاط وأدوات صحية.
كلّ هذه الصفات تحدّث عنها المطران إلياس كفوري في عظته عن الشهيد عساف أبو رحال، فقال إنه «الإنسان الذي يعمل بصمت وهدوء، لكن صمته أفضل من الكثير من الأصوات التي تصمّ الآذان بضجيج لا يحمل في معظمه إلا الكذب... عساف ذهب ضحية بريئة، ضحية تعنّت الإسرائيليين وظلمهم وعنجهيتهم، وهم الذين لم يراعوا حرمة القوانين الدولية. أن يتصدى المدفع لقلم، إنها لعمري قمة الجبن والخساسة».
وكان قد شارك في وداع عساف أمس ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري، النائب قاسم هاشم، النائب علي فياض، وممثل وزير الإعلام المدير العام للوزارة حسان فلحة، الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة، وممثلون عن نواب ووزراء وأحزاب سياسية.