يسجل التيار النقابي المستقل، يوماً بعد يوم، أنّه الإطار الذي يمثل مصالح المعلمين والأساتذة والموظفين في القطاع العام وحقوقهم، بإعلانه، منذ اليوم الأول للاحتجاجات المدنية والشعبية، أنّه جزء منها، في مواجهة السلطة الفاسدة والدولة الفاشلة. التيار رفض، كما قال رئيسه النقابي حنا غريب، الرهان على الطبقة السياسية لنيل الحقوق على قاعدة «من جرّب مجرّب كان عقلو مخرّب»، في إشارة إلى «الترهيب والترغيب وتفريخ النقابات لضرب الحركة النقابية العمالية والاتحاد العمالي العام، والاصطفاف السياسي بين 8 و14 آذار للتآمر على الحركة النقابية المستقلة للأساتذة والمعلمين والموظفين، وتحاصص روابطها الواحدة تلو الأخرى».على عكس التيار، تأخرت الهيئة في الانضمام إلى الاحتجاجات بذريعة أنّها لا تعرف من يحرّكها ومن وراءها وما هي أهدافها وسقف مطالبها، باعتبار أن ما طرح في أول الحراك من استقالة الحكومة وإسقاط النظام ليس حلاً ناجعاً ويدخل البلد في فوضى.

وبدت الهيئة أخيراً كأنها تريد أن تركب الموجة، بالنظر إلى الاختلافات الواسعة بين الروابط المكوّنة لها.
من ساحةِ المضربينَ عن الطعام أمام مبنى العازارية، أعلن غريب أن «التيار جزءٌ من الحراك الشعبي المولود من رَحِمِ التحرك النقابي الذي خاضته هيئةُ التنسيق النقابية لسنوات ثلاث من أجل إقرار الحقوق في سلسلة الرتب والرواتب، ولكونه مقاوِماً لنظام القمع والاستبداد والإفقار والفساد». غريب أشار إلى أنّ «مطالب الحراك هي في صلبِ عملنا النقابي، وواجبُنا النقابي والوطني أن نكونَ الى جانب الشباب في مواجهة السلطة الفاسدة ِالتي تحاول استفرادَهم وضربَ حراكِهم».
طالب غريب جميع تلاوينِ الحراك ومجموعاتِه بمزيدِ من التنسيق والوحدة، من دون أن يلغي ذلك خصوصياتِ كلِّ مجموعة من المجموعات «فبقدر ما يزدادُ منسوبُ التنسيق بين الجميع يقوى الحراكُ، ويتسع، ويقتربُ من تحقيق مطالبه». ورأى أنّ «المراهنة على هذه الطبقة السياسيةِ لنيل الحقوق هو وَهْمٌ، فالوقائعُ أثبتت أنهم متى اتفقوا يتفقون علينا، ومتى اختلفوا ندفع نحن اللبنانيين الثمنَ كما يحصل الآن».
ودعا اللبنانيين واللبنانيات إلى أن يشاركوا في يوم الحشد الكبير كما سمّاه، لإبلاغ المسؤولين رسالة شديدة الوضوح: «ارحلوا فالشعب يريد انتخابات نيابية عاجلة، ونحن لسنا قطعاناً مستسلمة، بل شعبٌ يستحقُّ الحياة». وقال: «أنتم أصحاب المصلحة في تحقيق ما نطالبُ به: نريدكم شعباً موحّداً يدافع عن مصالحه في مواجهة أخطبوطِ الفساد وقراصنةِ الشرعية الدستورية بالتمديد وراء التمديد لسلطةِ الفساد ونهبِ المال العام».

تراهن هيئة التنسيق
على طاولة الحوار لتحقيق المطالب الحياتية


غريب طالب بإعطاء كلِّ السلطة للبلديات وإعادةِ حقوقِها من الأموال المنهوبةِ من الصندوق البلدي المستقل كي تتمكنَ من القيام بواجباتها، على قاعدةِ حمايةِ البيئة من جهة ووقفِ السطو على المال العام من جهة أخرى. وأكد أنّ المدخلَ لمعالجةِ ملفِّ السلسلة أيضاً هو بإعطاء من لم يُعط من القطاعات حقَّه في نسبة التصحيح الواحدة 121%، لا إقرار هذه السلسلة المسخ الموجودة في المجلس النيابي، وعلى هذا المسار نريد الكهرباء والمياه وغيرهما.
وقال إنّ «هذا الحراك هو تعبير سلميّ ومدنيّ بامتياز، وعلى السلطة تأمين الحمايةِ الأمنية له، وما حصل ويحصلُ من أعمالِ قمع ممنهجة بحقِّ المتظاهرينَ العُزَّل مدانٌ ومستنكَرٌ، يستوجب استقالةَ ومحاسبةَ المسؤولين عنه كائناً من كانوا، فالسلطةُ المرعوبةُ من انتفاضةِ النّاس التي كسرتْ حاجزَ الخوف واللامبالاة تريدُ أن تعيدَ زرعَ الخوف، وكمّ الأفواه، وإعادةَ الناس إلى مُربعِ الخضوع بحجة الإرهاب، بينما هي تفرض نظامَ القمع والاستبداد والإرهابِ في آن واحد».
وفي ما يخص برنامج التحرك، أوضح حنا أن التيار سيشارك في الاعتصام الذي دعا إليه الحراك بالتزامن مع انعقاد جلسة الحوار، عند العاشرة صباحاً، وكذلك في التجمع السلمي عند السادسة مساءً، أمام ساحة النجمة بالقرب من مبنى النهار، ويختتم التجمع بتوجيه تحية للمضربين عن الطعام عند السابعة والنصف، ومن بينهم الموظف في وزارة الزراعة علي برو. الأخير قال إنّه يتبرّأ من بيان هيئة التنسيق أول من أمس وما بني عليه، ويقصد بيان رابطة موظفي الإدارة العامة الذي راهن على المتحاورين، فيما الحراك يرفض طاولة الحوار. وأكد أنّ اعتصامه يندرج في إطار المطالبة بإقرار سلسلة رتب ورواتب عادلة، إقرار قانون انتخابي عادل، تحديد موعد قريب للانتخابات النيابية وإخلاء سبيل أموال البلديات لحل مشكلة النفايات.
على المقلب الآخر، ميّزت هيئة التنسيق نفسها باعتصام تنفذه عند الواحدة من ظهر اليوم بالتزامن مع طاولة الحوار، لمخاطبة المتحاورين في السلطة السياسية. وتختلف منطلقات مكونات الهيئة بين من يريد أن يحصر المعركة بعنوان مواجهة السياسات الخاطئة والفساد والسمسرات، سواء في ملف النفايات أو الكهرباء والإدارة السيئة للمناقصات والوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور ــ هذا الموقف يعبّر عنه رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض الذي يميّز في اتصال مع «الأخبار» بين رفض طاولة الحوار بالمطلق وهذا ليس رأينا، والضغط عليها لإدراج القضايا الحياتية والاجتماعية وفي مقدمتها سلسلة الرواتب على جدول أعمالها، وإن كنا نعلم أنها قد تكون خطوة غير مجدية ــ وبين من يريد أن يؤيد الحوار وينتخب رئيساً للجمهورية. رئيس رابطة التعليم الثانوي عبدو خاطر يؤكد هو الآخر أهمية عدم تكبير الحجر بمطالب سياسية خلافية قد تؤدي إلى إفشال الحراك، لافتاً إلى أننا «ساهمنا كرابطة في أن تنضم هيئة التنسيق إلى الحراك على قاعدة إيجاد سقف للمطالب المشتركة مع باقي مجموعاته، والمتمثلة في إيجاد حلول للقضايا الحياتية والمعيشية وإيجاد حل علمي لأزمة النفايات عبر إعطاء البلديات واتحاداتها الدور الرئيسي في ذلك عبر تحرير أموالها في الصندوق البلدي المستقل والحفاظ على سلمية التحرك».
في المقابل، يدعو رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر إلى تضمين الحراك المسائل السياسية، لا سيما بناء دولة للرعاية الاجتماعية وإجراء انتخابات نيابية على أساس النسبية. إلاّ أنّ حيدر يراهن أيضاً على طاولة الحوار ويطلب إعطاءها فرصة، وهذا الأمر تجلى خلال اللقاء بين الهيئة ومجموعات الحراك وفي بيان الهيئة الإدارية للرابطة الذي دعا، أمس، العاملين في الوزارات والمؤسسات العامة والبلديات إلى المشاركة الفاعلة في الإضراب والاعتصام والتظاهرة غداً (اليوم) للمطالبة بإيقاف مسلسل التعطيل الحاصل للمؤسسات الدستورية وتفعيل عمل مجلس الوزراء، وإطلاق التشريع في المجلس النيابي وإيجاد حل سريع لأزمة النفايات والأزمات الحياتية بعيداً عن منطق السمسرات والمحاصصة، والتأكيد على ضرورة فتح دورة استثنائية للمجلس تسهم في معالجة القضايا الملحة، وعلى رأسها سلسلة الرتب والرواتب التي طال انتظارها. على خط آخر، يقول عضو رابطة التعليم المهني والتقني فاروق الحركة «فوجئت ورئيس الرابطة عبد برجاوي في اجتماع هيئة التنسيق (أول من أمس) بأنّ هناك اجتماعاً بين الهيئة ومجموعات الحراك المدني، ورأينا في الهيئة الإدارية للرابطة أنّ من غير المعقول أن نضرب ونعتصم بالتزامن مع انعقاد جلسة الحوار، كذلك فإننا نتوجس من ضرب سلمية الحراك من خفافيش الليل». رئاسة رابطة التعليم الأساسي الرسمي بدت هي أيضاً غير متحمسة للإضراب، وقد أبلغت ذلك هيئة التنسيق في اجتماعها الذي سبق الاجتماع مع مجموعات الحراك، إلاّ أن الرابطتين عادتا وأقرّتا بالإضراب والاعتصام بعد تجريد ما سمّوه المطالب المشتركة مع الآخرين من العناوين السياسية.
ومن المفارقات الفاقعة أن يستمر الاحتفال الذي حدده فرع بيروت في رابطة التعليم الثانوي لتكريم المتقاعدين، عند الخامسة مساء اليوم، قائماً بالتزامن مع التجمع الشعبي. غير أن مقررة الفرع عبير الحمصي تبرر ذلك في اتصال مع «الأخبار» بالقول «إن موعد الاحتفال سابق للتحرك ولا نستطيع تأجيله، لأننا حجزنا القاعة»، جازمة بأنّه سينتهي قبل بدء التجمع في ساحة الشهداء.