عودة الحراك الشعبي إلى الشارع بعد غياب ملحوظ، بدأت أمس بوقفة رمزية مثمرة أمام قصر العدل من أجل مساءلة المدعي العام المالي في ملف التحقيقات المتعلق بقضية النفايات، على أن تُستكمل العودة اليوم بوقفة رمزية أمام وزارتي الاتصالات والمالية من أجل المطالبة بالإفراج الكامل عن أموال البلديات لتسهيل عملها في الكنس والجمع والمعالجة. التحرك الثالث سيحصل السبت المقبل في ساحة رياض الصلح عند الساعة الرابعة، وسيشارك فيه معظم المجموعات مثل "الشعب يريد" و"بدنا نحاسب"، إضافة إلى مجموعتَي "حلوا عنا" و"لقاء الدولة المدنية" اللذين يشاركان "طلعت ريحتكم" الأنشطة القائمة هذا الأسبوع.
أمس، تجمّع أفراد من حملة "طلعت ريحتكم" وعدد من الناشطين في الحراك الشعبي أمام قصر العدل حاملين لافتتين موجهتين إلى المدعي العام المالي. لا يحتاج المعتصمون الى أكثر من ذلك، فهدف الوقفة أمام قصر العدل واضح، وكذلك المستهدف فيها: "القاضي علي ابراهيم... معقول ما كمشت ولا فضيحة؟"، تقول اللافتة الأولى، أما الثانية فتقول: "القاضي علي ابراهيم... الساكت عن الحق شيطان أخرس". استجاب القاضي ابراهيم لطلب المعتصمين مقابلته، والتقاهم في مكتبه. كان مقرراً أن يخصّص اللقاء للإجابة عن أمر واحد: ماذا حصل في التحقيقات في ملف سوكلين؟ إلا أن الجلسة التي امتدت لنصف ساعة تحوّلت إلى مساءلة للقاضي نفسه: لماذا لا تصدر قراراً بمنع سفر أعضاء مجلس إدارة سوكلين؟ لماذا لم تداهم مكاتب سوكلين ومنازل أعضاء مجلس الإدارة من أجل الحصول على الكشوفات الصحيحة؟ لماذا لم يحاسب أحد في غرق نفق المطار؟ ولماذا لم تصدر مذكرة جلب بحق الوزراء بقضية فساد الكهرباء؟
أجاب القاضي بصراحة عن أسئلة الناشطين: "نحن نعيش في نظام قانوني يحمي الفاسدين والمفسدين". يشير ابراهيم إلى صناديق مليئة بالملفات موضوعة في زاوية المكتب، ويخبر الوفد أنّ "هذه الصناديق مليئة بملفات أنتظر إعطائي إذن الملاحقة فيها". تضم هذه الصناديق ملفات بقضايا فساد مالي لموظفين ومخاتير ورؤساء بلديات لا يمكن ملاحقتهم سوى بالحصول على إذن من الوزير المختص أو من المحافظ. لا اتهامات لنواب، فهؤلاء يتمتعون بحصانة. جميع هذه الملفات متوقفة لأن الوزراء لم يُعطوا إذناً بالملاحقة، ليتبيّن أن العملية تحصل بشكل ساخر. "الأسبوع الماضي، مرّقولي إذنين بملاحقة مخاتير وادعينا عليهم"، يقول ابراهيم. نعم، "مرّقولي". هكذا أعلن القاضي. يسأل أحدهم عن التدخلات السياسية فيأتي الاعتراف الصريح: "انشالله مفكر الملف اللي في ضربة كف ما بيتّصلوا؟ ضربة الكف فيها تلفونات، فكيف الملفات الكبيرة؟". طلب الوفد من القاضي أن يعطيهم لائحة بأسماء الوزراء والمديرين العامين والمحافظين الذين لم يعطوا أذونات بالجلب للتحقيقات بتهم فساد مالي، فكان لهم ذلك. فقد قطع ابراهيم وعداً ثانياً بإعطائهم هذه اللائحة خلال 10 أيام أيضاً.
وضع القاضي تقارير خبراء المحاسبة في قضية سوكلين على الطاولة، وطلب أن "يطمئنّ الحراك إلى هذا الموضوع، فهو خارج إطار أي نوع من أنواع المساومة"، اطمئنان لا يمكن أن يتحقق نظراً إلى أن سوكلين ليست "ضربة كف"، إنما "ملفات كبيرة" متورّط فيها معظم السياسيين. إلّا أنّ القاضي وعد بأن يطلع الرأي العام على النتيجة بعد 10 أيام ريثما يكون قد أنهى قراءة التقارير. يشرح ابراهيم أنّ "الخبراء دخلوا الى سجلات الشركة وقاموا بمقارنة أعمال الشركة والأموال ووصلوا إلى نتيجة، لكن عليّ التدقيق بها". أمّا مسألة منع أعضاء مجلس إدارة سوكلين من السفر، فاستبعدها في الوقت الحالي.
ماذا عن التحقيقات التي حصلت في قضية غرق نفق المطار؟ يجيب القاضي أنه "تم الادعاء على شركة "ميز" المسؤولة عن النفق آنذاك، وأصبح الملف في القضاء لدى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان". أما عن أسباب عدم ملاحقة وزير الأشغال في تلك الفترة، فأعلن أنّ "التلزيمات كانت معطاة لشركة "ميز" المسؤولة المباشرة عن التلزيمات، وكان هناك أموال معتمدة لدى الشركة التي قامت بتأخير التلزيم فبقيت الأموال عندهم وكان المبلغ عبارة عن 10 آلاف دولار فقط".
وفي قضية فساد الكهرباء التي استدعى فيها القاضي سابقاً عدداً من النواب والوزراء الذين لم يحضروا، يقول ابراهيم "إنهم (أي النواب) اجتمعوا وقرروا أن لا يحضروا. بعتت ورا وزير كمان ما قبل يجي". يباغته أحد الناشطين بسؤال "ألا يمكنك إصدار مذكرة جلب؟"، يجيب ابراهيم: "لديّ هذه السلطة، لكن إذا أرسلت قوى الأمن لإحضاره، أخبروني ماذا يحصل؟".
في نهاية اللقاء، قال ابراهيم "لو بيسمحلي مركزي إنزل معكن بنزل" للتعبير عن تأييده لما يطالب به الحراك، لكن ليس المطلوب من القاضي أن يتظاهر، بل على العكس فإن مركزه يسمح له بخدمة الحراك أكثر بكثير مما لو تظاهر. بإمكان المدعي العام المالي أن يكشف لنا الحسابات المالية والهدر الحاصل في سوكلين، يمكن أن يلاحق الفساد الحاصل في الكهرباء، يمكن أن يلاحق المتهم في فيضان نفق المطار، ويمكن أن يكشف التزوير في المناقصات.