حقق الوزير جبران باسيل أمس انتصاراً كبيراً. فهو وجد نفسه أمام استحقاق تنظيم تظاهرة ناجحة قبل مرور أقل من أسبوعين على «انتخابه»، بالتزكية، رئيساً للتيار الوطني الحر. في وقت، لم يحصل فيه التسليم والتسلم بعد، ولم يُجر أيّ تغييرات حزبية. كذلك لم يجد التيار الوقت الكافي للملمة تداعيات انتخاباته التي لم تحصل.
أما الأهم من هذا كله في تحديد صعوبة الامتحان الذي وجد باسيل نفسه أمامه فهو: عدم تلويح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بإصبعه مهدّداً أحداً في الأيام القليلة الماضية، لتعبئة الرأي العام أو تحديد خصم يستفزّ الجمهور ليتظاهر ضده. فلا أحد يريد زجّ الرئيس فؤاد السنيورة في السجن أو استرجاع أجراس الكنائس من المختارة.

من نزلوا أمس كانوا يلبّون دعوة حزب يرأسه الوزير جبران باسيل
هكذا وجد باسيل نفسه مضطراً إلى التظاهر من أجل مجموعة عناوين مهمة لكنها لا تثير حماسة الجمهور: ليس الحديث هنا عن أزمة نفايات تقطع أنفاس المواطنين أو أزمة كهرباء تحرمهم الضوء والمكيفات والمراوح والتلفزيونات، ولا عن التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي أو منع قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز من الفوز بقيادة الجيش. لا شيء من هذه العناوين الحماسية كلها: العنوان هو انتخابات نيابية لا شيء في الأفق السياسيّ يوحي باحتمال إجرائها قريباً؛ فالمجلس الحاليّ أمر واقع حتى عام 2017. ومع ذلك نظم التيار الوطني الحر تظاهرة حقيقية للمرة الأولى منذ مشاركته في محاصرة السراي الحكومي عام 2006، وكانت أكبر من المتوقع بكثير.
سياسياً، اتّكل باسيل على مجموعة إعلاميين عونيين وناشطين عمدوا إلى تعبئة العونيين عبر عنوانين رئيسيين: 1ــ ردّ صاع المجتمع المدني صاعين بعدما «سرق شعاراتنا واتهمنا بالفساد». 2ــ استغلال صورة الطفل السوري للتعبئة ضد «الربيع الداعشيّ» بعدما انتهت صلاحية «فليحكم الإخوان». أما الأهم فهو أداؤه الحزبي. ففي وقت كان فيه العماد ميشال عون ينشغل عن الأمور التنظيمية بالملفات السياسية الكثيرة، أغلق باسيل كل الأبواب الأخرى عليه طوال الأسبوع الماضي، وتفرغ للتظاهرة العونية، متابعاً على «الورقة والقلم» كل التفاصيل، من رسم الساحة المخصصة للتظاهر مع مختصين، إلى متابعة كل الترتيبات اللوجستية من المواصلات إلى أماكن ركن السيارات إلى الشاشة العملاقة ومكبرات الصوت، وصولاً إلى اتصاله مراراً وتكراراً بكل عونيّ أمكنه الوصول إليه لإقناعه بالمشاركة. وقد قامت فجأة مجموعة لجان عونية من الموت، وبدأت تنهمر دعوات الفنانين والإعلاميين عبر الموقع الإلكتروني العوني للمشاركة في التظاهرة. وقد انتقل جيش المستشارين الباسيليين من الوزارات إلى مكتب رئيس الحزب، ليتفرغوا هم أيضاً للمهمة الحزبية الرقم 1. وقد تجاوز باسيل الحساسية المفترضة بينه وبين منسقي المناطق الرئيسية، ليظهر التفاعل المتبادل بين باسيل وجميع المنسقين انسجاماً غير مسبوق. فهو حفز هيئات مناطقية كانت في حالة موت سريريّ منذ سنوات، بعدما وجد المنسقون أن هناك من يتابع معهم ويدقق في نتائج عملهم ويوحي بنيته محاسبتهم لأول مرة منذ عشر سنوات. كأن كثيرين كانوا يحتاجون إلى اتصال. مجرد اتصال من رئيس الحزب، لا أكثر. ولا شك في أن نجاح باسيل الأبرز أمس كان في حشدي المتن الشمالي وبعبدا.
في هذين القضاءين، لا يتمتع فريق باسيل أولاً بنفوذ كبير في صفوف التيار، وثمة نفور ثانياً بين المحيطين بباسيل وهيئتي القضاء. إلا أن وزير الخارجية كثف تواصله المباشر مع أعضاء هيئة القضاء وعدد من منسقي قرى ومرشحين إلى الانتخابات النيابية وناشطين لإنجاح التظاهرة. وبدا كما لو أن آلية اختيار المرشحين للانتخابات النيابية التي سيعتمدها باسيل ليست أبداً الإحصاءات التقليدية، بل أعداد السيارات التي ترافق المرشح إلى التظاهرة وحماسة من فيها. وفي قضاء مثل كسروان، لا يوجد فيه نواب ينتمون إلى التيار الوطني الحر، بل شخصيات مستقلة تتحالف مع التيار، ثبت عدم وجود حاجة حقيقية إلى صلة وصل نيابية بين رئيس الحزب ومنسّقيه. تحدّي النواب من الآن فصاعداً سيكون حشد غير العونيين عبر الخدمات والمشاريع الانمائية والجاذبية التلفزيونية، أما إدارة التيار وتنظيمه وحشده فهي مهمة رئيس الحزب والمنسّقين. سابقاً كان الجنرال ينشغل عن الحزب الذي يرأسه في الملفات السياسية الكثيرة، فبات كل نائب يتصرف بوصفه رئيس الحزب في قضائه، وهو ما أحبط عدداً من المنسقين الحاليين والسابقين وأنهكهم. أما الآن فسيكون النائب نائباً، فيما رئيس الحزب يتابع كل شؤون الحزب ويسهر على استقلالية المنسقين وعدم إلهائهم بأمور جانبية لا علاقة لهم بها.
والنتيجة؟ قبل عشرة أيام بايع المسؤولون في التيار باسيل في قصر المؤتمرات في ضبية، أما أمس فكانت «المبايعة» الشعبية: من نزلوا أمس كانوا يلبّون دعوة حزب يرأسه الوزير جبران باسيل، وهم أمضوا ساعتين في زحمة السير ووقفوا ساعة إضافية ينتظرون إطلالة باسيل ليخطب فيهم. وفي مشهد الحشد الكبير، بدا المعارضون لتسلم باسيل رئاسة الحزب مجرد أفراد يلقون تفهّماً لبعض مآخذهم من رفاقهم، لا تضامناً أو تعاطفاً. فالأكثرية الساحقة من الجمهور هي مع الرجل القويّ في الحزب، وباسيل هو الأقوى فوق حلبة لا ينازعه فيها أحد.
انتصار باسيل أمس كان عونياً بامتياز. توّج نفسه بنفسه رئيساً لحزب التيار الوطني الحر. وهو حرص على عدم دعوة أحزاب أخرى أو حثّ الطاشناق أو غيره على رفد التظاهرة ببضعة آلاف، ليستكشف شرعيته الشعبية في التيار، ويثبت أن ثقة الجنرال به كانت في محلها.