ابراهيم الأمينفي لقاء نظّمه مركز عصام فارس للدراسات في 24 آب من العام الماضي، تحدث السياسي المخضرم محسن دلول عن «الظاهرة الجنبلاطية». وقال الرجل الذي يعرف آل جنبلاط جيداً إنه اجتمع مع جنبلاط قبل إعلان انسحابه من 14 آذار. وروى: «لقد أعرب لي عن اعتقاده بأن مواجهة ستحصل بين السنّة والشيعة. وسألني: أين موقعي وما علاقتي بهذا الصراع وما الذي يدفعني إلى التورّط فيه؟ هناك خزّان بشري عند كل من السنّة والشيعة، أما الدروز فعددهم قليل، وواجبي أن أحافظ عليهم بأي شكل من الأشكال».

وفي سياق رواية دلول عن جنبلاط عبارته: «هناك من ورّطني في قضية المرسومين الشهيرين في 5 أيار 2008. وعندما وقعت الأحداث، تبيّن لي أن ظهري غير محميّ. لقد أوهمونا بوجود ميليشيا قوية تضم آلاف المقاتلين من عكار وغيرها قادرة على مواجهة حزب الله وردّه إلى آخر صور. والفاجعة كانت في المواقف الأميركية المتناقضة».
تابع دلول: «كان جنبلاط يعرف مَن كتب تقرير «دير شبيغل» عن تورّط حزب الله في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقال لي: لقد كتب هذا التقرير في بيروت، ونحن ذاهبون إلى كارثة. أنا أعتقد أن سعد الحريري وأمين الجميّل وسمير جعجع في صدد استئناف علاقة مميزة بين الموارنة والسنّة، ولدي تفاصيل عن هذا الأمر. هناك نائب من فريقهم يسألنا عن المانع من عقد صلح مع إسرائيل، فيما جعجع يقول إن 14 آذار تعمل بوحي مقررات الجبهة اللبنانية وسيدة البير».
هذه العيّنة من مواقف خبير في الحالة الجنبلاطية، تشرح الكثير من الأمور التي حصلت خلال العام الماضي، ومن شأنها تفسير خطوات محتملة من جانب الزعيم الدرزي في مرحلة الاشتباك المقبلة، ما لم تنجح السعودية ومعها فريقها المحلي في ابتداع صيغة تعطل مؤامرة اتهام المقاومة بالتورّط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
والتوقف عند حالة وليد جنبلاط اليوم، لأن للرجل دوراً كبيراً مأمولاً منه في حسابات سوريا وحلفائها في لبنان، ولا سيما حزب الله، من دون أن يعني ذلك أن الخطوات الممكن اللجوء إليها في حالة تورّط الجهات المحلية في لعبة المحكمة الدولية متوقفة على موقفه. لكنّ مرجعاً متابعاً يشير إلى أن جنبلاط سيكون مساهماً بقوة في نزع الشرعية عن القرار الاتهامي، وقد يدلي بدلوه في ما خصّ مرحلة التزوير الكبيرة الأولى بين عامي 2005 و 2008.
لكنّ الموقف الفعلي المرتقب، بحسب هذا المرجع، هو المتصل بموقف جنبلاط من أي توجّه فعلي لدى سوريا وحلفائها في لبنان نحو تعديل الوضع الحكومي، وخصوصاً أن محادثات دمشق بين الرئيس السوري بشار الأسد والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، لم تتوصل إلى تفاهم للمحافظة على الاستقرار الحكومي في حال صدور القرار الاتهامي. وتندرج في هذا السياق أفكار عدة، من بينها الضغط لتحقيق تعديل حكومي واسع تكون فيه قوة 14 آذار غير غالبة، وأن تُسند حقائب أساسية إلى وزراء يمكنهم إجراء تعديلات تمنع سيطرة فريق «المستقبل» و«القوات اللبنانية» على المفاصل الحساسة فيها، أمنياً وقضائياً.
حتى اللحظة لا يبدو جنبلاط متورّطاً في هذه اللعبة، لكنّه ليس بعيداً عنها. وعلى طريقته في الحرب المتدحرجة، فإنه يواصل رفع سقف المواجهة مع الفريق المسيحي في 14 آذار، مقابل إقفال كل أبواب الخلاف مع الفريق المسيحي في فريق المعارضة السابقة. وربما جاءت زيارته للرئيس إميل لحود في هذا السياق. ويبدو جنبلاط قريباً من لحظة الانفصال السياسي عن قوى كانت حليفة له في السنوات السابقة، وحافظ بعد خروجه من 14 آذار على شعرة معاوية معها، وخصوصاً فريق «القوات اللبنانية».
أما الجانب الآخر، فيتعلق بحسابات جنبلاط الإقليمية، إذ إنه، حتى اللحظة، لا يزال يرتبط بعلاقة خاصة مع السعودية، وهو لا يريد خسارة هذه العلاقة لأسباب مختلفة، أبرزها أن الرياض نفسها لم تعاقب جنبلاط على استدارته السياسية، وهي لا تزال تحفظ له مكانة متقدمة عن آخرين، ولو أنها تحاول الإمساك بكامل خيوط اللعبة. ويتّكل جنبلاط في هذا المجال على ما يسمّيه هو «الحكمة البدوية» لملك السعودية لكبح اندفاعة الأميركيين في لبنان، ولاحتواء أي دور مصري سلبي في هذا المجال، وخصوصاً أنه يتصرف على أساس أن الحريري نفسه لا يقدر على أيّ استدارة من دون توفير الغطاء له من السعودية. وهو يعتقد بقوة أن الرياض قابلة حتى بتجاوز ملف المحكمة عندما تشعر بأنه سيقضي على كامل نفوذها في لبنان.