كنت أتوقّع كل شيء إلا أن يعرض فيلم «كارلوس» في بيروت، وتشوّه صورة عاصم الجندي في المدينة التي احتضنت أحلامه، وشهدت نضاله. فيلم أوليفييه أساياس ليس فيه معلومة واحدة صحيحة في ما يتعلّق بعاصم الجندي سوى اسمه.يخبرنا سيناريو أساياس ودان فرانك أن عاصم الجندي تعرّف إلى كارلوس عام ١٩٧٨ في اليمن. والحقيقة أن أبي التقى بالثائر الفنزويلي في ١٩٧٦ و١٩٧٧ في منزلنا البغدادي في منطقة المسبح. حسب الفيلم، هدف أبي كان المال، وباع المعلومات للاستخبارات العراقيّة. سبق أن وجّهت رسالة إلى المعنيين خلال «مهرجان كان» أدحض فيها هذه المغالطات، لكنّني أتوجّه هنا إلى إحدى مديرتي «أيام بيروت»: فلتسأل هانية مروّة والدها المسؤول الشيوعي السابق كريم مروّة، فيخبرها من هو عاصم الجندي الذي عاش ومات مقاتلاً ضدّ الأنظمة العربيّة المتسلّطة. ذاق المنفى والسجن والعزلة والقمع، واحتفظ برصاصة في رأسه. فكيف يبيع معلومات للنظام الذي سجنه ووضعه تحت الإقامة الجبريّة، حتّى هرب من بغداد وعاد متسلّلاً إلى بيروت؟
يدّعي الفيلم أن كارلوس وراء محاولة اغتيال عاصم الجندي. وفي الحقيقة، نفى أبي مراراً، وبنحو قاطع تلك الرواية... وكان يعرف من أمر باغتياله. بعدها بسنوات، التقى المناضل الفنزويلي بعمّي الراحل خالد الجندي في ألمانيا الشرقيّة، وبعث معه برسالة واضحة: «أقطع أصابعي الأربعة ولا أطلق الرصاص على عاصم».
طبعاً اختبأ صنّاع الفيلم خلف حجّة أن عملهم خيال روائي. وأساياس سيعيد الذريعة نفسها لدى مواجهته الجمهور البيروتي. بصراحة إنّه أغرب عمل «من صنع الخيال» في تاريخ الفنّ، يستعمل الأسماء الحقيقيّة للشخصيات والوقائع الفعليّة، ثم يشوّه الحقائق. لعلّها عمليّة تشويه متعمّدة، وبروباغاندا سياسيّة لمصلحة القاتل والمحتل والمستعمر الذي لم يتغيّر، بل ازداد ظلماً ووحشيّة، منذ السبعينيات.
مع ذلك، سأبقى وفيّة لأفكار عاصم الجندي، ولن أرفع قضيّة على الفيلم الذي شوّه صورة أبي، لأنني لا أقبل أن أتحوّل أداة بيد الرقابة، ولن أسهم، ولو رمزيّاً، في التعرّض لحريّة الإبداع، حتّى بهدف إعادة الاعتبار إلى عاصم الجندي الذي لن يقوى فيلم على اغتياله مرّة ثانية بعد كل هذا الوقت.


نفى أنيس النقاش أن يكون أوليفييه أساياس قد أطلعه على سيناريو «كارلوس» قبل تصويره. وأكّد لـ«الأخبار» أنّه التقى السينمائي الفرنسي في بيروت «عشر دقائق، أعلمني خلالها أنّه بصدد الفيلم، ووعدني بأن يرسل لي السيناريو، ولم يفعل». يؤيّد النقاش كلّ اعتراضات كارلوس على الفيلم، ويوافقه على أنّه يتضمّن مغالطات تاريخيّة كثيرة.