استغرق مجلس شورى الدولة نحو سنة كاملة لإصدار قرار أوّلي يتعلق بالطعن المقدّم من الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني، والنائب غسان مخيبر، والوزير السابق الياس سابا. صدر القرار عن مجلس الشورى بالأكثرية وخالفه مفوض الحكومة وعضو واحد.الأكثرية قرّرت ردّ طلب الجهة المستدعية لجهة وقف تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء والمتعلقة بالإنفاق غير القانوني، سواء القرار المتخذ في مجلس الوزراء بتاريخ 24 تموز 2014 أو القرارات الأخرى التي تعكس «إخفاقاً وتقصيراً من قبل السلطات والإدارات المختصة بواجباتها الدستورية والقانونية في مجال إدارة المال العام، إخفاقاً وتقصيراً تحولا إلى عمل منهجي يؤدي الى تقويض الانتظام العام واستباحة الأموال العامة».

وفي الواقع، لم تعلّل الأكثرية قرارها الأولي، فيما لم يقدّم المخالفون أي تبرير لمخالفة القرار، بل اكتفى كلّ منهم بتسجيل موقف مبني على دراسة الملف لجهة «توافر شروط التنفيذ أو عدمها»، وفق ما يقول النائب غسان مخيبر.
هكذا دخل الطعن بعد سنة على تقديمه في مرحلة من الغموض السلبي، إذ إن ردّ طلب وقف التنفيذ الذي قدّمته الجهة المستدعية، أي الحسيني وسابا ومخيبر، لا يعدّ جواباً نهائياً على أصل الطعن، بل هو عبارة عن بداية سلبية للقضية، «وقد دخلت مراجعة الطعن في مرحلة تبادل اللوائح» وفق مخيبر.
مرور كل هذا الوقت من دون حسم الملف وإصدار قرار بشأنه ليس عاملاً إيجابياً لتشجيع المحاسبة في لبنان، وخصوصاً أن الطعن مقدم على أساس العجلة وعلى أساس الضرر الذي سيصيب أكثر من 200 ألف شخص يتقاضون رواتبهم من المال العام وتؤثّر عليهم القرارات التي تتخذها الحكومة. في رأي مخيبر إن «القضاء في لبنان يعمل ببطء شديد، فهناك قضية تتعلق ببلدة المتين لكن لم يصدر قرار نهائي بشأنها رغم مرور 10 سنوات على تقديم المراجعة، وهناك قضية ثانية مرّ عليها 7 سنوات من دون قرار نهائي... وقس على ذلك قضايا مرفوعة في مجلس الشورى. البطء في تنفيذ القرارات يساوي الاستنكاف عن إحقاق الحق. هذا الأمر غير مقبول».

يشير نص الطعن
إلى أن هناك 4 عيوب مذكورة في
المادة 108 من قانون القضاء الإداري

إذاً رفض مجلس الشورى اتخاذ إجراءات احترازية لمراقبة الإنفاق من المال العام. هذا الرفض يبقي المشكلة القائمة من دون أي معالجة، فالمعروف أن قرار مجلس الوزراء المطعون فيه يتعلق بموافقة الحكومة على «تأمين الاعتمادات المطلوبة للرواتب والأجور وملحقاتها من احتياطي الموازنة العامة بجميع بنود الموازنة وكل ما هو مسجل فيه ولم يصدر مرسومه لتاريخه ويمكن تأجيله، على أن يتم نقل المبالغ المتوفرة في الأشهر المقبلة لسنة 2014 إلى البند 13 (المخصصات والرواتب والأجور وملحقاتها) في باب الاحتياطي، بحيث يصار إلى توزيعها بموجب قرارات تصدر عن وزير المالية [...] على مختلف الإدارات العامة بحسب الحاجة والإمكانية».
وفي الواقع، إن لجوء مجلس الوزراء إلى هذا القرار، سببه عجز السلطة السياسية التي تتزعم المؤسسات الدستورية عن الاستحصال على براءة ذمّة من ديوان المحاسبة على الموازنات التي أقرّها مجلس النواب منذ عام 1993 حتى مشروع موازنة 2005. وبعد هذا التاريخ، انحدر عجز السلطة السياسية نحو التوقف عن إقرار الموازنات في مجلس النواب وصولاً إلى التوقف عن إقرارها في مجلس الوزراء منذ عام 2010 إلى اليوم، لا بل إن مجلس الوزراء شبه متوقف عن النقاش في مشاريع الموازنة.
ويشير نص الطعن المقدم إلى أن هناك أربعة عيوب مذكورة في المادة 108 من قانون القضاء الإداري وهي: صدوره عن سلطة غير صالحة، واتخاذه خلافاً للمعاملات الجوهرية المنصوص عليها في القوانين والأنظمة، ومخالفته للدستور وللقانون، واتخاذه لغاية غير الغاية التي من أجلها خول القانون السلطة المختصة اتخاذها. ويضاف إلى ذلك، أن القرار يرتب إنفاقاً من دون مسوغ دستوري وقانوني، وجباية لضرائب ورسوم من دون مسوغ دستوري وقانوني، وزيادة في الدين العام من دون مسوغ دستوري وقانوني.
ولذلك طلب المستدعون «اتخاذ إجراء احترازي لوجود عجلة ماسة وضرر أكيد يلحق بالجهات المستدعية وبسائر الأطراف الذين هم في وضع مشابه (ويتجاوز عددهم 200 ألف)، بحيث يقرر مجلس شورى الدولة الصيغة التي يراها الأنسب لتأمين الإشراف والرقابة المسبقة على صحة إنفاق الأموال العامة، وجواز أو عدم جواز اتخاذ وتنفيذ أي قرار يرتب إنفاقاً عاماً و/أو تكليفاً للمواطنين و/أو ديناً مترتباً عليهم، وذلك حصراً بما يؤمن الوظائف الحيوية للدولة، على أن يحصّن هذا التدبير بأوسع الصلاحيات، وأن يستمر إلى حين عودة المؤسسات الدستورية المعنية إلى القيام بمهامها ودفعاً لتعجيل تلك العودة».
كذلك، طلبت الجهة المستدعية التعويض على المستدعين عن الضرر المباشر، وخصوصاً لجهة «تخلف الدولة عن القيام بالموجبات الدستورية والقانونية المترتبة عليها لتأمين دفع المستحقات وجباية الإيرادات والاستدانة، أي بإقرار الموازنة السنوية، ما يشكل خطأً فادحاً ومتمادياً».