ترجمة سعدي يوسف
شـاي سمرقند
في زُقاقٍ من أزقّةِ سمرقند، قابلْتُ المَنِيّة.
نظرتْ إليّ كأنّها لم ترَني.
التحقتُ بها، وسألتُها إنْ كنتُ أنا مَن تبحثُ عنه.
لكنها استدارتْ، مُشِيحةً عني
وعبرتْ إلى الجهةِ الأخرى
وقطعت الزقاقَ
فغابتْ عن عينَيّ.


وفي أحد الأيّامِ
حين جاءتْ إليّ، في زُقاقٍ من سمرقندَ
تصرّفْتُ كأنني لم أرَها من قبلُ.
وحين سألتْني إنْ كانت، هي، مَن أنتظرُ
أشحتُ عنها
وعبرتُ الزُقاقَ، حتى غابتْ عن نظَري.
ولأنّ سمرقندَ ليست أفضلَ مَلْقىً لي مع المنيّةِ
أو مَلْقىً للمنيّةِ معي...
قلتُ: لنذهبْ إلى تاجر سجّاد
نتفكّرُ في أيّ مكانٍ
في الطرفِ الآخر من العالَمِ
فرُبّما التقَينا، هنالكَ.
لكنّ المنيّةَ قالت لي
إن الطرفَ الآخرَ من العالَمِ بعيدٌ جدّاً.
كما أنها سارتْ طويلاً لتَبلُغَ مَن عليها أن تبلغَه.
وبينما كنّا نحتسي الشاي بالنعناعِ
ونتحدّث عن حياتنا،
سقطَ تاجرُ السجّادِ، ميْتاً، أمامَنا
بينما كان يَبْسِطُ سجاجيدَه.

حادثةُ مقهى

في الشاتْلَيه، كنت أنتظرُ النادلَ يخدمُني
وأنا أُنصِتُ إلى ماءِ السَينِ وهو يسيل في رأسي
(أعني أنني أُحِسُّ بالماءِ يلطمُ أقواسَ جسرِ الشاتْلَيه،
بينما المراكبُ الملأى تمرُّ متوهجةَ الأنوارِ في مساءِ الشتاءِ الهادئ)
كنتُ أجلِسُ مواجِهاً فتاةً ترتدي السوادَ
ممّا أثارَ صورةَ المَنِيّةِ لديّ
وهكذا، قمتُ، وغادرتُ المقهى، بدون أن أنتظرَ النادلَ
الذي كان سيسألُني عمّا أريدُ.
في الشارعِ، أرغمَني الهواءُ المثلوجُ للشتاءِ على أن أجريَ، مسرعاً
إلى أيّ مكانٍ قد أجدُ فيه، الدفءَ.
إلاّ أنني أحسسْتُ بخُطى الفتاةِ المرتديةِ السوادَ تُسرِعُ ورائي
كما لو كانت المَنِيّةُ تتبعُني لتُمسِكَ بي؛
لكنّي، إذ وقفت الفتاةُ أمامي، لتكلِّمَني، انتظرتُ ما ستقولُهُ المنِيّةُ لي.
قالت لي الفتاةُ: «لقد نسِيتَ كُتبَكَ»
وأعطتني الكيسَ الذي نسِيتُهُ، حين غادرتُ المقهى، بعد مواجهتي المنِيّةَ.
«لِمَ ترتدين السوادَ؟»
لكنها لم تنتظر،
وحين عبرتْ تلكَ الفتاةُ الشارعَ
وشرعتْ تقطعُ جسرَ الشاتْلَيه، أسرعتُ وراءَها
لأتأكّدَ إنْ كانت، هي، المنِيّةَ
أم أنها ارتدت السوادَ، فقط لأنها تريدني أن أنسى كتابَيَّ
ولكي أستطيعَ، اليومَ، أن أقولَ
إن المنِيّةَ جرتْ خلفي
لتُحَرِّرَني من صورتِها.

* أصدرت دار «لافوغرَيه» الفرنسية مؤخراً مجموعةً شِعرية جديدة للصديق والشاعر البرتغالي نونو جوديس، باللغة الفرنسية، وقد تلقّيتُ قبل أيامٍ نسخة من الديوان الجديد، أرسلَها الشاعر إليّ. والقصيدتان من هذا الديوان.
* فضّلْتُ استعمال المنيّة بدلاً من الموت، اعتباراً لخصائص الثقافة اللاتينيّة.