رجّحت صحيفة «هآرتس» أن تكون لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري قد استعانت بمعلومات استخبارية تتعلق بمجال الاتصالات قدمتها لها أجهزة غربية، من بينها شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وفي تعليق صحافي على التحقيق الذي بثّته محطة «سي بي سي» الكندية عن الخلاصة المتوقعة لعمل لجنة التحقيق الدولية كتب مراسل الصحيفة للشؤون الاستخبارية، يوسي ميلمان، أن الدمج بين أخطاء ارتكبها حزب الله في مجال الأمن الميداني وحماية المعلومات، والجهد الذي بذلته اللجنة على صعيد استخبارات الإشارة (SIGINT) والاستخبارات البشرية كانا قاتلين بالنسبة إلى حزب الله. وإذ أشار ميلمان إلى العمل «الناجح والدقيق» الذي قام به خبراء لبنانيون وآخرون تابعون للجنة التحقيق الدولية في تحليل بيانات المكالمات الهاتفية التي حصلت يوم عملية الاغتيال، استبعد أن تكون اللجنة قد تمكنت من «حل لغز عملية الاغتيال» من دون الحصول على مساعدة من أجهزة استخبارية تمتلك القدرات التكنولوجية اللازمة في مجال التنصت واعتراض موجات البث. فبحسب الكاتب، «في حوزة لجان التحقيق الدولية وسائل محدودة نسبياً، وليس لدى الأمم المتحدة أجهزة لجمع المعلومات الاستخبارية أو أجهزة استخبارية مستقلة خاصة بها، كما هي الحال بالنسبة إلى التحقيق الجاري في البرنامج النووي الإيراني. ولذلك تضطر هذه اللجان إلى الاستعانة بأجهزة استخبارية مستعدة لنقل المعلومات إليها. ويصعب الاعتقاد بأن هذا الأمر لم يحصل في التحقيق المتعلق باغتيال الحريري». وعن الأجهزة التي تمتلك القدرة التقنية والاستعداد للتعاون، رأى ميلمان أن عددها ليس كبيراً «ويمكن أن نفترض أن لائحتها تتضمن وكالة الأمن القومي الأميركي (NSA)، الاستخبارات البريطانية والفرنسية، ومن دون شك الاستخبارات الإسرائيلية، وخصوصاً وحدة الجمع الرئيسية في شعبة الاستخبارات العسكرية، 8200». وزعم ميلمان أن التحقيق التلفزيوني الذي بثته المحطة الكندية يحتوي على تأكيد أن التحقيق الدولي استعان بتعاون دولي لجهات غربية «على الرغم من أنه لم يشر بوضوح إلى هذه الجهات».
وفي إشارة واضحة إلى احتمال تزويد إسرائيل لجنة التحقيق الدولية بمعلومات تتعلق بمحادثات هاتفية تتصل بحدث اغتيال الحريري، دعا ميلمان إلى الالتفات إلى أنه «كُشف في لبنان في السنوات الأخيرة عن عدد من شبكات العملاء، التي وفقاً لادّعاء النيابة العامة اللبنانية وحزب الله عملت لمصلحة إسرائيل». وأضاف: «من بين جملة أمور، كُشف عن تقنيين ومديرين رفيعي المستوى في شركة الاتصالات اللبنانية «ألفا». وأظهر التحقيق مع هؤلاء أنهم قدموا تقارير ومعلومات عن كل المحادثات الهاتفية التي جرت في لبنان. وليس مستبعداً أن تكون هناك علاقة بين كل هذه الأمور».
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تبدي اهتماماً خاصاً بالحدث اللبناني من زاوية استشراف مآلات الأمور على خلفية القرار الظني المرتقب واتهامه لحزب الله باغتيال الرئيس الحريري. وضمن هذا السياق، حاول عدد من الخبراء الإسرائيليين رسم خريطة للسيناريوات المحتملة لتطور الأوضاع في لبنان، بدا أنها جميعاً تعكس حالة من القلق والتوجس من التداعيات المحتملة للقرار الظني على خط الجبهة الشمالية.
ورأى محلل الشؤون العربية في «هآرتس»، آفي يسخاروف، أن الأمين العام لحزب الله يعيش مأزقاً على خلفية «تراجع حلمه بأن يعرض نفسه مدافعاً عن لبنان في ظل كثرة الأدلة التي تظهر تورّط رجاله في عملية» اغتيال الحريري. وعلى أساس هذا التشخيص، لم يستبعد يسخاروف أن تصبح «السيطرة على لبنان بواسطة العنف خياراً مطلوباً من ناحية حزب الله»، بل إن الكاتب دعا إلى ضرورة «أن يؤخذ في الحسبان أن (إعلان) تورّط المنظمة الشيعية (في اغتيال الحريري) من الممكن أن يقودها إلى ردّ مغاير كلياً: فتح الجبهة مع إسرائيل».
من جهته، كتب نير ياهف في موقع «walla» الإخباري على شبكة الإنترنت أنه منذ نشر تقرير صحيفة «دير شبيغل»، يهتز لبنان وينظر العالم بقلق، «ويمكن فقط الافتراض إلى أيّ حدّ ستهتزّ هذه البلاد، إذا ألقيت المسؤولية على حزب الله».
وعرض الكاتب آراء متخصصين أكاديميين إسرائيليين في الشأن اللبناني، ونقل عن عميد كلية العلوم السياسية في جامعة تل أبيب البروفسور إيال زيسر قوله إنه «ليس هناك لأحد مصلحة في الوصول إلى انفجار في لبنان. ينبغي أن ننتظر ونرى ماذا ستكون استنتاجات المحكمة الدولية، والأهم من ذلك، ينبغي أن نرى ماذا سيكون رد الحكومة اللبنانية. هذه المحكمة تعمل بتمويل الحكومة اللبنانية ورعايتها، وأي قرار لها قد يغيّر صورة الوضع. إذا تبنّت استنتاجات المحكمة، الوضع في لبنان قد يتدهور. إذا تجاهلتها، الأمور ستهدأ».
وأضاف زيسر أن ثمة احتمالات أن يتبنّى الحريري استنتاجات المحكمة، وحذر من أنه «حينها، الأمور قد تخرج عن السيطرة. إذا تبنّت حكومة لبنان الاستنتاجات، يمكن أن يستخدم حزب الله القوة، لكني لا أعتقد أنه معنيّ بالتسبّب بانفجار كامل. افترض أن ما سيحصل هو عرض قوة أو تهديد تكتيكي، لكن بعد ذلك سيبلور اتفاق يهدّئ الوضع. لا أعتقد أن حرباً أهلية ستندلع، وخاصة أن المعسكر المعادي لسوريا غير معنيّ بذلك».
وتابع زيسر «فرنسا، الولايات المتحدة وباقي العالم الغربي يريدون العدالة، لكن ذلك لا يكفي. إنهم يدركون جدياً أن من غير الممكن الذهاب حتى النهاية. هل الرئيس أوباما بحاجة إلى وجع الرأس هذا؟ يبدو لي أن الجميع يفضّل نشر الاستنتاجات وبعد ذلك تجاهلها، وبذلك يتصاعد الغبار ويندثر».
بدوره، قدّر الدكتور عومري نير، وهو خبير في السياسة اللبنانية من الجامعة العبرية، أن «الحريري اليوم في مأزق حقيقي. وإذا تبنّى استنتاجات اللجنة وسيطر حزب الله فعلاً بالقوة على الدولة، فذلك قد يساعده، لأن ذلك سيوقظ المجتمع الدولي والدول العربية ويعرض لهم على نحو جوهري وثابت ما يحصل في لبنان.
ورأى نير أنه في أكثر الحالات تطرفاً قد يسيطر حزب الله على مؤسسات الحكم، «ولن تندلع حرب أهلية لعدة سنوات، لأنه باستثناء حزب الله، ليس هناك أي جهة لديها سلاح. فما يمكن أن يحصل هو نوع من الهجوم العسكري الخاطف واحتلال مناطق استراتيجية، ما قد يؤدي إلى انتخابات جديدة أو تنصيب شخصيات تابعة له، في مناصب أساسية».