strong>في ما يأتي نص التقرير الذي نُشر على الموقع الإلكتروني لقناة «سي.بي.سي» الكندية العامة، والذي أعده الصحافي نيل ماكدونالد بالتعاون مع فريق تحقيق على مدى شهور عدة:
«حتى أواخر عام 2007، حين توصل ما يسمّى شكلاً غريباً في لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة فعلاً إلى القيام ببعض التحقيقات الجدية في قضية الحريري، كان قد مضى ما يقرب من ثلاث سنوات على الاغتيال الدراماتيكي الفاضح لرئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. لكن بحلول نهاية عام 2007، انحسر كلّ ذلك. وبقي القتلة أحراراً. وبدأت سوريا باستعادة نفوذها تدريجاً. وتواصل اغتيال لبنانيين بارزين آخرين.
في الأشهر الأولى، بدا تحقيق الأمم المتحدة واعداً في الواقع. سلم المفوض الأول، القاضي الألماني ديتليف ميليس، بسرعة تقريراً عنيفاً يوحي بأنّ سوريا هي التي أمرت، إن لم تكن قد نفذت فعلاً، عملية التفجير. وأكد ميليس أنّ وكلاء غير محددين، هم الذين قاموا بالعملية.
غير أنّ خليفة ميليس، وهو مدعٍ عام بلجيكي يدعى سيرج براميرتس، بدا أكثر اهتماماً بتجنب الجدال بدلاً من السعي وراء أي نوع من التحقيق الجدي، على الأقل وفقاً للأشخاص الذين عملوا له.
وتحت قيادته، أنفقت المفوضية معظم وقتها في مطاردة ما اتضح أنّه أدلة مغلوطة، وفي دحض نظريات مؤامرة متطرفة.
هذا لا يعني أنّ اللجنة لم يكن لديها بعض المحققين الجيدين، بل على خلاف ذلك، كان لديها في الواقع ثلة من أفضل وكالات الشرطة الغربية.
غير أنّهم لم يتمكنوا من إقناع براميرتس بإعطائهم الإذن لاستخدام التقنية التي أراد هؤلاء المحققون استخدامها أكثر من أي شيء آخر: تحليل معلومات الاتصالات السلكية واللاسلكية. وربما كانت هذه التقنية أداة جمع المعلومات الاستخبارية الأكثر أهمية في العصر الحديث.
ويستخدم محللو الاتصالات أجهزة كمبيوتر قوية وبرمجيات متطورة للغاية للتدقيق عبر الملايين من المكالمات الهاتفية، بحثاً عن أنماط وعمليات الرجوع والإحالة المرجعية، لتحديد الشبكات والترابط بينها.
وتطلق قوات الشرطة على العملية اسم «telecomms» «تيليكومز»، فيما تسمّيها وكالات التجسس «sigint»، وهي تؤدي إلى إدانات في المحاكم وضربات صاروخية في أماكن مثل أفغانستان واليمن.
وبشكل لا يصدق، وعلى الرغم من تلك الحقائق، لم تقم لجنة الأمم المتحدة في لبنان بأيّ تحليل للاتصالات على الإطلاق في السنوات الثلاث الأولى من وجودها. لم يحدث ذلك حتى نهاية ولاية براميرتس، حين حثّه محقق عنيد على السماح للتحقيق بفحص سجلات الهاتف.
عند هذه النقطة، وفي تشرين الأول 2007، بدأت الأمور تتحرك بسرعة. تمكن موظفو اللجنة فعلاً من الحصول على سجلات هاتفية لكلّ مكالمة أجريت في لبنان في السنة التي اغتيل فيها الحريري، وهي كمية مذهلة من البيانات، فقُدِّمت إلى شركة بريطانية تدعى «إف تي إس» لإجراء التحليلات المتخصصة.
وعلى أثر الشبكات، أنشأ المحققون رسماً بيانياً أظهر روابط دائمة التوسع بين الفريق المشتبه فيه بالقيام بالتفجير وحاملي هواتف خلوية آخرين.
وعمل موظفو الأمم المتحدة ليلاً ونهاراً على إدخال البيانات في برنامج يسمّى IBase. ومن ثم، في شهر كانون الأول، بدأ متخصص من «إف تي اس» بدراسة ما كان ينتج من الكمبيوتر.
في غضون يومين، دعا محققي الأمم المتحدة إلى الاجتماع، وكان قد حدد شبكة صغيرة من الهواتف النقالة، بلغ عددها ثمانية، كانت تظلل الحريري في الأسابيع التي سبقت مقتله.
وقد كان هذا الاختراق هو الأكبر والأوحد الذي أنجزته اللجنة منذ تأسيسها، وهو أمر «مزلزل»، على حد تعبير أحد الموجودين في الغرفة في اليوم الذي جرى التعرف فيه على الشبكة. فما أظهره المحلل البريطاني لم يكن سوى فريق العمل الذي نفذ عملية القتل، أو على الأقل الهواتف المحمولة التي كانت بحوزتهم في ذلك الوقت.
وللمرة الأولى، شعر محققو اللجنة بالذهول. فالمشكلة كانت، أنّ عمر الأدلة الآن كان ثلاث سنوات، أي إنّها جاءت بعد مدة طويلة من «الوقت الذهبي» لحصاد أفضل القرائن.
ومع ذلك، لقد كان إنجازاً. وعندما بدأ المحققون بالمراجعة، والتأكد من عملهم، وجدوا اكتشافاً آخر، وهو مزلزل أكثر من الذي سبقه.
فخلال البحث في سجلات اللجنة، ظهر تقرير لشرطي لبناني ذي رتبة متوسطة كان قد أرسله إلى مكاتب الأمم المتحدة بعد ما يقرب من عام ونصف عام من الاغتيال، في الأشهر الأولى من عام 2006.
ولم يكن الشرطي قد حدد ما وصفته الأمم المتحدة في نهاية المطاف بـ«الشبكة الحمراء» فحسب، أي الفريق الذي نفذ العملية، بل كان قد اكتشف أكثر من ذلك بكثير. لقد عثر على المجموعات الموجودة وراء الشبكات.
في الواقع، لقد أماط الشرطي اللثام عن مؤامرة معقدة ومضبوطة على مدى سنة من التخطيط على الأقل، وكان قد استجوب المشتبه فيهم بالفعل.
وأكثر من ذلك، كلّ ما كان الشرطي قد اكتشفه كان يشير بأصابع الاتهام إلى متهم واحد هو: حزب الله.
كل هذا كان موجوداً في تقرير الشرطي، الذي كان قد أرسله بإخلاص إلى مسؤولي الأمم المتحدة الذين كان يفترض أنّه يساعدهم، ولجنة الأمم المتحدة قد أضاعته على الفور.
قبل موته العنيف في عام 2008، كان وسام عيد شخصية غير عادية في عالم الشرطة العربية المظلم الفاسد في كثير من الأحيان.
لم يرد عيد يوماً أن يصبح شرطياً، أو ضابط استخبارات؛ ففي المجتمع العربي السلطوي، لم يكن لديه مصلحة في أن يصبح رجلاً من رجال السلطة. ومع ذلك، لم يكن لديه خيار آخر.
وبحلول الوقت الذي قتل فيه الحريري في عام 2005، كان عيد نقيباً في قوى الأمن الداخلي. كان رئيسه الكولونيل سامر شحادة قد جلبه إلى التحقيق. وقيل لعيد إنّه تحقيق لبناني، لكنّه أيضاً تحقيق للأمم المتحدة. وكان على عيد التعاون مع الأجانب الذين كانوا يعملون في الفندق القديم المهجور على التلال التي تعلو بيروت.
لم يكن النقيب عيد، رغم ذلك، مهتماً بالخوض في بعض النظريات المتطرفة التي كانت رائجة في لبنان في ذلك الوقت. وعلّل ذلك بأنّ العثور على الآثار الأولى للقتلة هو عملية إقصاء.
وقد حصل من خلال شركات الهاتف اللبنانية على سجلات المكالمات من الهواتف المحمولة التي سجلت عبر أبراج الهواتف في المناطق الملاصقة لفندق السان جورج، حيث أحدث الانفجار الضخم حفرة عميقة.
وما إن حصل عيد على هذه السجلات، حتى بدأ بحصر مئات الهواتف في المنطقة في ذلك الصباح، طارحاً تلك التي أجراها القتلى الذين بلغ عدهم 22، ثم تلك التي أجرتها حاشية الحريري، ثم الأشخاص الذين كانوا قريبين من موقع الانفجار والذين جرت مقابلتهم وكان لديهم حجج غياب.
وبعد ذلك بوقت وجيز، عثر عيد على «الهواتف الحمراء» التي استخدمها الفريق الذي نفذ التفجير.
لكنّه لم يتوقف عند هذا الحد. فعبر تتبع الأبراج التي رصدت الهواتف الحمراء في الأيام التي سبقت عملية الاغتيال، ومقارنة تلك السجلات بجدول أعمال الحريري، اكتشف عيد أنّ هذه الشبكة كانت تتعقب رئيس الوزراء السابق.
لقد بدا بوضوح أنّ أولئك الذين كانوا يحملون الهواتف الحمراء كانوا داخل مجموعة منضبطة. لقد تواصلوا معاً تقريباً من دون هواتف خارجية. ومباشرة بعد الاغتيال، اختفت الشبكة الحمراء إلى الأبد.
لكن عيد وجد خيطاً آخر. لقد حدد في النهاية ثمانية هواتف أخرى كانت قد استخدمت لأشهر عدّة أبراج الهواتف نفسها كما الهواتف الحمراء. ويسمّي خبراء الاستخبارات هذه الإشارات هواتف «متشاركة في الموقع».
ما اكتشفه النقيب عيد هو أنّ الجميع في فريق الاغتيال كان يحمل هاتفاً ثانياً، وأنّ أعضاء الفريق استخدموا هواتفهم الثانية للتواصل مع شبكة دعم أكبر من ذلك بكثير لمدة سنة على الأقل.
في نهاية المطاف، أطلقت الأمم المتحدة على تلك المجموعة اسم الشبكة «الزرقاء».
مارست الشبكة الزرقاء بدورها انضباطاً ملحوظاً أيضاً، فبقيت هي الأخرى شبكة «مغلقة». لم يرتكب أيّ عضو من أعضاء الشبكة الزرقاء أيّ خطأ قد يُمكن شرطة الاتصالات من البحث عنه.
لكن هؤلاء كانوا يحملون هواتف متشاركة في الموقع، وواصل عيد تتبع الدرب الآخذ في الاتساع من الأدلة.
وجاء الاكتشاف الكبير عندما أغلقت الشبكة الزرقاء وجمعت الهواتف المحمولة من اختصاصيي إلكترونيات ثانويين يعملون لعبد المجيد غملوش في حزب الله. وكان غملوش، على حد تعبير أحد المحققين السابقين للأمم المتحدة، «أحمق».
لاحظ غملوش، الذي أوكلت إليه مهمة جمع الهواتف الزرقاء والتخلص منها، أنّ أحد الهواتف كان لا يزال يحمل بعض الوحدات الباقية، فاستخدم هذا الهاتف للاتصال بصديقته، سوزان، وأثناء ذلك كشف عن نفسه للنقيب عيد. لقد كان بإمكانه أن يكتب اسمه ببساطة على لوحة بيضاء ويعلقها خارج مقر قوى الأمن الداخلي.
وقد قاد غباء غملوش في نهاية المطاف عيد إلى شقيقين يدعيان حسين ومعين خريس، وكلاهما عنصران من حزب الله. أحدهما كان في الواقع في موقع الانفجار.
ومجدداً، واصل النقيب عيد المضي قدماً، وحدد المزيد والمزيد من الهواتف المتصلة بنحو مباشر أو غير مباشر مع الفريق الذي نفذ الاغتيال. وقال إنّه وجد نواة شبكة ثالثة، هي شبكة فريق مراقبة طويلة الأمد، سيطلق عليها في نهاية المطاف اسم الشبكة «الصفراء».
وقد أدت التحقيقات التي أجراها عيد إلى اكتشاف آخر: كلّ شيء كان له صلة، مهما كان وجيزاً، بالخطوط الأرضية لمستشفى الرسول الأعظم، جنوبي بيروت، وهو قطاع من المدينة يسيطر عليه حزب الله بالكامل.
وقيل منذ فترة طويلة إنّ المقاتلين الأصوليين يشغلون مركزاً للقيادة في المستشفى.
وفي نهاية المطاف، حددت شرطة الاتصالات شبكة أخرى مكوّنة من أربعة هواتف سُمّيت «الهواتف الزهرية»، كانت تتواصل مع المستشفى، ومع الشبكات الأخرى بنحو غير مباشر.
وقد تبيّن أنّ هذه الهواتف بالغة الأهمية، فقد اتضح أنّه أصدرتها الحكومة اللبنانية نفسها. وعندما استفسرت وزارة الاتصالات عن أصحاب هذه الهواتف، جاء الجواب على شكل سجل حكومي.
وقد حصلت «سي بي سي» على نسخة من هذا السجل المقدم إلى اللجنة. وبناءً عليه، سلّط أحدهم الضوء على أربعة بيانات ضمن عمود طويل من أرقام هاتفية من ستة أرقام. وإلى جانب الأرقام التي رُكِّز عليها، كتبت كلمة «حزب الله» باللغة العربية.
إنّ لدى حزب الله عدداً من المقاعد في البرلمان اللبناني، وفي ذلك الوقت كان الحزب جزءاً من الائتلاف الحاكم، وبالتالي أصدرت له الحكومة هواتف.
أخيراً، حصل عيد على دليل من أفضل مصدر ممكن: لقد جرى الاتصال به من حزب الله نفسه وقالوا له إنّ بعض الهواتف التي كان يطاردها استخدمها عناصر من الحزب لإجراء عملية مكافحة تجسّس للموساد الإسرائيلي، وإنّ عليه التراجع عن ملاحقتها. لم يكن ممكناً أن يكون الإنذار أكثر وضوحاً.
الجدير بالذكر أنّ مدير عيد، الكولونيل شحادة، كان قد استهدفه مهاجمون في أيلول من عام 2006. وقد قتل الانفجار أربعة من حراسه الشخصيين وكاد يودي بحياة شحادة، الذي أُرسل إلى كيبيك لتلقي العلاج الطبي.
بحلول ذلك الوقت، كان النقيب عيد قد أرسل تقريره إلى تحقيق الأمم المتحدة وانتقل إلى عملية أخرى.
وقد أدرج تقرير عيد داخل قاعدة البيانات التابعة للأمم المتحدة من شخص، إما أنّه لم يفهمه، أو أنّه لم يهتم بما فيه الكفاية لتقديمه إلى مرؤوسيه. وهكذا اختفى التقرير.
بعد عام ونصف عام، في كانون الأول من عام 2007، عندما عاود تقرير عيد الظهور أخيراً، كان رد الفعل الفوري لفريق الاتصالات للأمم المتحدة هو الشعور بالحرج، ثم الشك.
لقد ادّعى عيد أنّه أجرى تحليله باستخدام جداول البيانات «إكسل» فقط، فيما قال الخبير البريطاني إنّ هذا كان مستحيلاً.
وقال الخبير البريطاني إنّه لا أحد يمكنه إنجاز شيء من هذا القبيل من دون مساعدة جهاز كمبيوتر قوي والقيام بالتدريب اللازم. ولا يمكن هاوياً، وهذه هي الطريقة التي ينظر بها المتخصصون إلى عيد، أن يخوض في الملايين من التبديلات الممكنة لسجلات الهاتف ويستخرج شبكات فردية.
ويعتقد خبراء الاتصالات أنّه لا بد من أن يكون النقيب عيد قد حصل على العون، وأنّه لا بد من أنّ شخصاً ما قد أعطاه هذه المعلومات. ربما كان متورّطاً بنحو ما!
نصل إلى كانون الأول من عام 2008. عيّن حينها مفوض جديد للأمم المتحدة، وهو مسؤول قضائي كندي يدعى دانيال بلمار. وكان المحققون قد توصلوا أخيراً إلى الاعتقاد بأنّهم أحرزوا نتيجة ما.
أرسل وفد من خبراء الاتصالات للاجتماع بالنقيب عيد. استجوبوه، وعادوا مقتنعين بأنّه، بطريقة أو بأخرى، قد حدّد الشبكات بنفسه.
لقد بدا عيد أنّه أحد أولئك الأشخاص الذين يمكن أن يستشعروا الأنماط الرياضية، من النوع الذي يفكر بتحركات عدّة مقبلة خلال لعبة الشطرنج. وأفضل من ذلك، لقد كان على استعداد للمساعدة مباشرة. لقد كان يريد أن يواجه قتلة الحريري العدالة، ضارباً بتحذير حزب الله عرض الحائط.
لقد كانت فرصة مثيرة لفريق الأمم المتحدة. فهنا كان محقق لبناني فعلي، برؤى واتصالات لم تتمكن الأمم المتحدة من مضاهاتها.
بعد أسبوع، التقى فريق أكبر من الأمم المتحدة النقيب عيد، ومرة أخرى، جرت الأمور على خير ما يرام.
ثم، في اليوم التالي، أي 25 كانون الأول 2008، أي بعد ثمانية أيام من لقائه الأول مع محققي الأمم المتحدة، لقي النقيب وسام عيد مصير الحريري نفسه. فالقنبلة التي استهدفت سيارته قتلت أيضاً حارسه الشخصي وثلاثة من المارة الأبرياء.
ولأنّه لم يكن هناك أدنى شك في ذهن أي عضو من أعضاء فريق الاتصالات لماذا قتل عيد، فقد استنتجوا أنّ حزب الله قد اكتشف تقرير النقيب عيد، وأنّه التقى محققي الأمم المتحدة، وأنّه وافق على العمل معهم.
وعلى الفور، جمع فريق الاتصالات سجلات الأبراج الخلوية بالقرب من موقع انفجار عيد، استناداً إلى منطق أنّ القتلة قد يتركون مرة أخرى بصمات رقمية يمكن تتبعها.
غير أنّهم لم يجدوا شيئاً. فهذه المرة قام القتلة بما كان ينبغي أن يفعلوه منذ البداية: استخدموا أجهزة الراديو، لا الهواتف المحمولة. فأجهزة الراديو لا تترك أي أثر.
وبالتالي تركوا فريق الأمم المتحدة مع مشكلة واضحة، هي أن خصمهم كان يعرف بوضوح ما يفعله محققو الأمم المتحدة. وأكثر من ذلك، لقد كان يعرف ذلك بقدر كبير من التفاصيل.
لقد مر الآن ما يقرب من ست سنوات على اغتيال الحريري. وقد وُسِّع تفويض الأمم المتحدة في نهاية المطاف ليشمل تسعة تفجيرات، و11 هجوماً واغتيالاً مستهدفاً. وأشرف دانيال بلمار على تحوّل اللجنة إلى محكمة خاصة بلبنان، وهو يقيم في لاهاي، وقد أصبح الآن المدعي العام. ويتحفظ بلمار على التقدم الذي أُحرز، كما كان براميرتس.
بدوره، أنتج فريق اللجنة للاتصالات في نهاية المطاف سلسلة من الرسوم البيانية المعقدة التي تصوّر شبكات الهاتف للمسؤولين عن مقتل الحريري. وقد حصلت «سي بي سي نيوز» على نسخة عنها حديثة نسبياً.

الشهيد وسام عيد اثار اعجاب خبراء المعلوماتية في بريطانيا باعتماده على برامج عادية بسيطة لحل لغز الاتصالات الخلوية وكشف الشبكات قبل مقتله
في الأشهر الأخيرة، أرفق المحققون أسماء بعض الهواتف الحمراء التي كان يحملها الفريق الذي نفذ اغتيال الحريري.
لكن المشكلة الأكبر، وفقاً لمصادر عدّة، هي تحويل تحليل معلومات الاتصالات السلكية واللاسلكية إلى أدلة من شأنها أن تكون صلبة في محكمة قانونية.
هذا يعني أنّه ينبغي لشخص ما أن يجد سجلات مالية، أو شهوداً أو أدلة أخرى، لإثبات أنّ سجلات الهواتف تعود فعلاً للجناة المزعومين. وابتداءً من منتصف عام 2009، تقول المصادر إنّ اللجنة لم تفعل ذلك.
ويقول أحد المطلعين على بواطن الأمور: «لم يكن هناك دليل [مساعد] على الإطلاق». وأضاف: «لم يكن هناك أي أمل في الحصول على أي دليل، فمن الذي سينزل على الأرض في الضاحية الجنوبية لبيروت للبحث عن الأدلة؟ لا يمكنك أن تضع أي شخص على الأرض. إنّه أمر مستحيل».
والأكثر من ذلك، لم تستخدم اللجنة قط التنصت على المكالمات الهاتفية، حتى بعدما حددت بعض الهواتف في الشبكات التي لم ينقطع استخدامها.
وفي جميع الاحتمالات، إنّ أي طلب رسمي إلى السلطات اللبنانية للاستفادة من الهاتف كان من شأنه أن يصبح معروفاً لحزب الله في وقت قصير، نظراً لارتباط الاثنين. ولم يكن بلمار ليسمح لمحققيه بشراء تكنولوجيا التنصّت من تلقاء أنفسهم واستخدامها.
لكنّه على الرغم من ذلك، ذهب إلى واشنطن، سعياً إلى طلب مساعدة من وكالات استخباراتها. هناك، التقى مستشار بوش للأمن القومي ستيفن هادلي، ووزيرة الخارجية في ذلك الوقت كوندوليزا رايس.
لكن طلبه قوبل بالرفض. فبلمار لم يكن موضع اختيار واشنطن للمنصب، وهو لم يكن محل استحسان المسؤولين الأميركيين. لقد كانوا على علم بأنّه كان يمضي الكثير من وقته ملاحقاً هوسه بزخارف مكاتب الأمم المتحدة، وطلب الملابس على القياس، متباهياً بشجاعته وتصميم معطف للأسلحة الشخصية.
وقد شاهده مرؤوسوه مرتبكاً، فيما كان يرسل موظفي الأمن إلى أسواق بيروت للاستفسار عن نقش صورة العائلة على قطعة من المجوهرات.
وقال أحد مسؤولي بلمار السابقين: «لو كنت أصدق نظريات المؤامرة، لاعتقدت أنّه وضع هناك عمداً حتى لا يحقق شيئاً».
لا يمكن استخدام التنصّت السري من وكالات الاستخبارات مثل وكالة الاستخبارات المركزية أو وكالة الأمن القومي في محكمة مثل المحكمة الخاصة للأمم المتحدة. وبسبب معرفتهم بالتسريبات وغيرها من المشاكل في لجنة الأمم المتحدة، لم تكن أي وكالة استخبارية في الغرب مستعدة لتسليم مواد حساسة من هذا القبيل.
في 2009، وقبل أن تحزم لجنة التحقيق للأمم المتحدة أمرها وتتجه إلى لاهاي، زارت مدعية عامة أوسترالية اسمها رالين شارب عائلة عيد زيارة مفاجئة. بكت أمام العائلة قائلة إنّه بدون ابنهم لن تصل اللجنة إلى أي مكان.


بلمار: التقرير يعرّض حياة أشخاص للخطرقرار مكتب المدّعي العام عدم التعليق على المسائل المتّصلة بالتحقيق لن يتغيّر. ويرتكز هذا القرار على اعتبارات ناجمة عن قلقه الشديد حيال نزاهة التحقيق وسلامة المتضرّرين والشهود والمشتبه فيهم والموظّفين. ويرى مكتب المدّعي العام أنّ الحفاظ على السريّة ضروري لضمان نجاح التحقيق.
وعلّق المدّعي العام، بلمار، على الموضوع قائلاً: «إن أخطر أثر يمكن أن تخلّفه تقارير قناة «سي بي سي» هو أنّ بثها قد يعرّض حياة بعض الأشخاص للخطر».
وأضاف قائلاً: «يعود إلى القضاة، والقضاة وحدهم، تقويم الأدلّة والتوصّل إلى نتائج مستندين إلى الوقائع التي ستُثبت من خلال المحاكمة و القانون».
في هذه الأثناء، يقوّم مكتب المدّعي العام الأثر الذي خلّفته هذه التقارير على التحقيق. ويفيد المدّعي العام قائلاً: «مهما كانت التحديّات التي نواجهها في خلال هذا التحقيق الذي أجري في ظلّ ظروف صعبة للغاية، يبقى الموظّفون في مكتب المدّعي العام ملتزمين بإنجاح التحقيق».