حسام كنفانيعلى هذا الأساس، فإن الولايات المتحدة باتت عالقة في الأزمة التفاوضية وطرفاً مباشراً فيها. وهي، بحسب مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في واشنطن، تحاول جاهدة لمنع المحادثات الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية من الانهيار، ولا سيما بعد بروز خيارات رئيس السلطة محمود عبّاس كبدائل من فشل المفاوضات.
لم تدم الفرحة الأميركية كثيراً بإطلاق المفاوضات المباشرة، والتي جاءت بعد الكثير من الجهود والضغوط التي أوصلت أولاً إلى المفاوضات غير المباشرة أو مفاوضات التقارب، قبل أن تختتم بقمة واشنطن للتسوية. غير أن الأمور ما لبثت أن تعقدت بالنسبة إلى الإدارة الأميركية مع نهاية شهر أيلول الماضي بعد انتهاء فترة الأشهر العشرة من التجميد المؤقت التي أعلنها بنيامين نتنياهو، والرفض الفلسطيني للعودة إلى طاولة المفاوضات في ظل مواصلة عمليات الاستيطان.
ومنذ ذلك الحين، تجد الولايات المتحدة نفسها عالقة في المأزق التفاوضي، ولا سيما مع الرفض الإسرائيلي لـ«التوسّلات الأميركية»، بحسب تعبير المصدر، لاستئناف تجميد الاستيطان، ولو جزئياً.
ومع ذلك، لم تتوقف الجهود الأميركية التي تؤكد المصادر أنها باتت في عهدة المفاوض الأميركي في عهد إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، دينيس روس، الذي يجري اتصالات دورية مع مبعوث نتنياهو لعملية السلام، المحامي إسحق مولخو.
المباحثات الأميركية ـــــ الإسرائيلية، بطابعيها السري والعلني، تسير على وقع تهديدات القيادة الفلسطينية المحبطة باللجوء إلى خيارات لمواجهة العقم التفاوضي. خيارات منها سلوك «الطريق الدولي» لإعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد بغياب أي اتفاق مع إسرائيل على الحدود أو الانتشار الأمني أو غيرها من معطيات تعريف الدول بحسب القانون الدولي.
واشنطن مستعدة لقبول ما رفضته سابقاً: إطلاق جوناثان بولارد
الولايات المتحدة غير متحمسة لما يخطط له الفلسطينيون، على عكس ما تسعى السلطة إلى إيهام نفسها به. فبحسب الخطة الفلسطينية، التي لا تستسيغها واشنطن، فإن السلطة تعتزم المطالبة باعتراف دولي بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، مع ما يعنيه ذلك من بقاء عشرات آلاف الإسرائيليين في مستوطنات القدس المحتلة والضفة الغربية داخل حدود الدولة الفلسطينية الجديدة.
وبحسب المصادر الأميركية، فإن إدارة الرئيس باراك أوباما صارمة في معارضتها للتوجه الأحادي الفلسطيني. وترى أن مثل هذا التوجه في مجلس الأمن «من المؤكد أنه سيواجه بنقض (فيتو) من الولايات المتحدة» في مجلس الأمن الدولي.
وعلى هذا الأساس، فإن المصادر الوثيقة الاطلاع ترى أن الفلسطينيين سيتراجعون في النهايه عن هذه الخطوة، كما أنهم لن يلجأوا إلى الخيار الذي لا تستطيع الولايات المتحدة منعه، وهو التوجه بطلب الاعتراف إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لا أحد يمتلك حق النقض «فيتو» على إعلان قيام الدولة الفلسطينية، إلا أن القرار يبقى في الحال هذه غير ملزم، على عكس قرارات مجلس الأمن.
بناءً على هذه القناعة الأميركية، التي تُظهر استخفافاً بالخيارات الفلسطينية، فإن المسؤولين في إدارة أوباما لا يزالون يراهنون على قدرة روس، والمسؤولين الآخرين العاملين على الملف، للحصول على تعليق مؤقّت لمشاريع الاستيطان الإسرائيلية الجديدة. وكما هو واضح من حديث المصادر الأميركية، فإن واشنطن تدرك أن التجميد الجديد لن يكون بلا ثمن، وهي مستعدة لدفع «ثمن عال» للحصول على «إذعان إسرائيلي».
وفي حديثها عن الأثمان، تشير المصادر إلى الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، المحكوم بالسجن المؤبد، والذي سعى نتنياهو أكثر من مرة إلى إطلاق سراحه. ففي الفترة الأولى لتوليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية، منتصف تسعينيات القرن الماضي، حاول نتنياهو تأمين إطلاق سراح بولارد في مقابل «تنازلات سياسية إسرائيلية». غير أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» في ذلك الحين، جورج تينيت، منع عملية التبادل، مهدّداً بالاستقالة في حال موافقة الإدارة الأميركية على صفقة بولارد.
ما رُفض سابقاً، تبدو الإدارة الأميركية على استعداد لتقديمه حالياً، إضافة إلى إغراءات أخرى، على غرار زيادة الدعم العسكري لإقناع نتنياهو بإحياء اتفاق تجميد الاستيطان. اتفاق، بغضّ النظر عن الفجوات التي ستكون فيه، ستعمد الإدارة إلى دفع الفلسطينيين على القبول به.
لكن، ماذا بعد تأمين مثل هذا الاتفاق؟ لا يملك المسؤولون الأميركيون إجابة واضحة. بالنسبة إلى الكثير من المسؤولين داخل الإدارة الذين يتابعون الملف عن قرب، ليس هناك خطة طويلة الأمد للمسألة التفاوضيّة. كل ما في الأمر، بحسب مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، هو «إبقاء كرة التفاوض في الهواء»، ومنعها من السقوط.