محب نادر شانه ساز*الاستحقاق الكبير، أمام من يقود الحراك، هو في استيعاب ضحايا الوضع القائم (شبيبة المجتمع الأهلي الأكثر فقراً وفقداناً للأمل) من قبل الياقات البيضاء في ما يسمى «مجتمعاً مدنياً»، حتى لا ينقلب هؤلاء الشبان الذين ليس لديهم ما يخسرونه، سوى رتابة حياتهم وبؤسها، بوجه كل تحرك يقصيهم من الشارع، وهم أبناؤه، لا بل أسياده.

الشارع سلوتهم ومقهاهم، والمكان المجاني الوحيد الذي يجمعهم، هو مكان لعبهم ومرحهم، فيه ينوجدون ويتوحدون وبالنار التي يضرمونها فيه، أو في نفاياته المكدسة، يشعرون بقوتهم وتفوقهم وربما «بنضجهم وبلوغهم ورشدهم»!
النار في الشارع «لعبة» كل مسحوق ومنبوذ. التوجه المحب والمتفهم باتجاه هؤلاء ضرورة، لا بل واجب ومسؤولية. يستحيل على «المجتمع المدني» أن يرى النور إن لم يثبت جدارته في استيعاب وكسب تلك القوة الهائلة المكبوتة المقموعة التي ولدها الوضع السائد، وإمكانية تسخيرها ضد الحراك المدني واردة جداً، إن شعر هؤلاء بأن المنافذ تقفل في وجههم، الأمر الذي يدعوهم إلى نوع من الانتحار الجماعي على قاعدة «عليّ وعلى كل أعدائي».
هؤلاء غير منقادين كلياً بإمرة زعمائهم، لا بل عندهم من الحس النقدي ما يكفي للتفلت، أقله المؤقت، لكن حين توصد كل المخارج بوجههم يعودون مجدداً إلى القمقم الذي يعلم أصحابه جيداً كيف ومتى يخرجونهم منه وضد من! الفقراء في بلادنا وفاقدو الأمل قوة لا يستهان بها! ومن غير المستطاع تحريك الشارع للانطلاق نحو «الأفضل» بمعزل عنها، فكيف بإقصائها والتطهر منها!؟ أمام «نخب» «المجتمع المدني» امتحان عسير وتحمّل عال للمسؤولية التاريخية في استيعاب ضحايا المجتمع الأهلي والشرائح الدنيا فيه. فلا تضيعوا البوصلة ولا الفرصة! وإلا فلتتنحوا عن «لعبة» الشارع وابقوا في صفحاتكم الافتراضية...
الأمر يشبه إلى حد كبير، في المضمون، ما حصل في بلدان الجوار، (مع أخذ كل الفوارق في الاعتبار) لا يستطيع المجتمع الانتقال «خطوة كبيرة إلى الأمام» بدفع من ظروف وشروط خاصة وموضوعية، تاركاً خلفه ومتجاهلاً قواعده الأكثر تضرراً، إنها أوتاد من العيار الثقيل سترتد بك إلى الخلف ما لم تعرف كيف تحررها معك.
* أستاذ جامعي