«فُلانٌ تلقّى الجُرعتين من اللقاح لكنّه أُصيب بكورونا». بات هذا الهاجس الجديد ينتقل بين الناس كالفيروس نفسه، ويثير معه القلق والتوتّر، وأحياناً التساؤلات حول اللقاح نفسه والجدوى منه.

صباح اليوم، نشرت «واشنطن بوست» تسريبات من تقرير سرّي من مركز مكافحة الأمراض الأميركيّ (Center for Disease Control –CDC) يُظهر قلقه إثر تزايد ما يُسمّى بحالات «الإصابات المُخترِقة» (breakthrough infections)، أي الإصابات بفيروس كورونا لدى أشخاص أتمّوا الجُرعتين من اللقاح. فما هي هذه الإصابات؟ وما المثير للقلق في ما يخصّ التقرير الأخير؟ وما تبعات كُلّ هذا على مسألة اللقاحات؟

ما هي الإصابات المُختَرِقة (Breakthrough COVID infections)؟

هي باختصار الإصابات التي «تخترق» الشخص الملقّح. وبما أنّ الشخص يُعدّ ملقّحاً بشكلٍ تام (fully vaccinated) بعد أسبوعين من إتمامه الجُرعة الثانية من اللقاح، فإنّ أيّ إصابة تحصل بعد ذلك تُعدّ «إصابة مُخترِقَة» بحسب تعريف CDC.

ووفق CDC أيضاً، فإنّ هذه الإصابات ليست غريبة، ولا تُقلّل من أهمّيّة اللقاح، بل هي متوقّعة نظراً لعدم إمكانيّة الوصول إلى لقاح فعّال تماماً بنسبة 100 في المئة.

وحتّى الآن، لا يبدو أنّ هنالك فئة عمريّة معرّضة أكثر من غيرها للإصابات المُخترِقة، فالشباب كما كبار السنّ معرّضون لهذه الإصابات رغم تلقّيهم اللقاح. ولكنّ عوارض هذه الإصابات تتفاوت بحسب العمر، إذ إنّ فئة كبار السّنّ معرّضة أكثر من غيرها لعوارض أكثر حدّة.

تقرير مركز مكافحة الأمراض (CDC):

في 30 تموز 2021، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركيّة تقريراً مُسرّباً من CDC، كان قد عُرض داخل المركز من أجل التخطيط لاستراتيجيات وتوصيات المرحلة المُقبلة. يضمّ التقرير أحدث المعلومات في ما يخصّ نسب الإصابات، وفعاليّة اللقاحات والإجراءات الوقائيّة في المرحلة المقبلة.

الفرق في نوعيّة الإصابات بين الملقّحين (جرعة أو جرعتين من لقاحات الـmRNA أي «فايزر» أو «موديرنا») وغير الملقّحين (المعلومات بحسب معطيات بين شهر 12-2020 وشهر 4-2021):

- الحمولة الفيروسيّة viral load (أي عدد نسخ الفيروس) عند الإصابة هي أقلّ بنسبة 40 في المئة لدى الملقّحين إذا أُصيبوا بالفيروس مقارنةً بغير الملقّحين.

- الملقّحون أقلّ عرضةً للعوارض المتعلّقة بارتفاع الحرارة مقارنة بغير الملقّحين المُصابين بالفيروس، كما أنّ معدّل مدّة العوارض هو أقلّ لدى الملقّحين المصابين بالفيروس.

مدّة المناعة بعد تلقّي اللقاح:

حتّى الآن، لا تزال مدّة المناعة التي يمنحها اللقاح غير معروفة، إلّا أنّ هنالك بعض الدراسات التي تظهر وجود نسب مناعة عالية بعد 20 أسبوعاً من الجرعة الثانية.

كيف تغيّرت فعاليّة اللقاحات Vaccine Effectiveness (VE) منذ إنتاجه حتى اليوم؟

بالرّغم من أنّ الأرقام الأوّليّة لفعاليّة لقاحات الـmRNA المبنيّة على نتائج التجارب السريريّة والنتائج الأوّليّة في الدول بعد البدء بالتطعيم مرتفعة، إلّا أنّ الأرقام اليوم هي أقلّ من ذي قبل.

استناداً إلى التقرير المُسرّب عن ـCDC، وبحسب معطيات من دور المسنّين، الأرقام التقريبيّة لفعاليّة لقاحات الـmRNA هي على الشكل الآتي:

- الفعاليّة في الحماية من أيّ إصابة (ضمناً الإصابات من دون أي عارض asymptomatic): 61 في المئة.

- الفعاليّة في الحماية من الإصابة مع عوارض معتدلة: 75 في المئة.

- الفعاليّة في الحماية من الإصابة مع عوارض حادّة: 80 في المئة.

ماذا عن متحوّر «دلتا»؟

لمتحوّر «دلتا» حصّة كبيرة في تقرير CDC نظراً لاحتمال مسؤوليّته عن الكثير من هذه التغيّرات في فعاليّة اللقاحات. بحسب المعطيات في هذا التقرير، فإنّ هنالك دراسات تشير إلى أنّ خطر الإصابة بمتحوّر «دلتا» عموماً هو أكبر من خطر الإصابة بمتحوّر «ألفا» (البريطاني). إضافةً إلى ذلك، هنالك معطيات من سنغافورة تشير إلى نسب أعلى في دخول المستشفيات، وحاجة أكبر إلى أوكسجين أو إلى دخول إلى العناية المركّزة مع متحوّر «دلتا» مقارنةً بسائر السلالات.

هنالك أيضاً مؤشرات من دراسات في ولاية ماساتشوستس إلى أنّ لا فرق في الحمولة الفيروسيّة بين الملقّحين وغير الملقّحين الذين يصابون بمتحوّر «دلتا»، ممّا قد يثير القلق لناحية تجنّب «دلتا» للأجسام المناعيّة.

والجدير بالذكر أيضاً أنّ التقرير اختُتم بمُلخّص حول متحوّر «دلتا» بأنّه أكثر عدوى وأكثر قدرة على «اختراق» الملقّحين، وأنّ الإشارات الأوّليّة تظهر احتمال أن يكون أكثر خطراً من السلالات السابقة.

الخطوات اللاحقة لـ CDC:

في ختام التقرير سلسلة توصيات لكيف يجب أن تتعامل المنظّمة مع الرأي العام بشأن هذه المعطيات الجديدة، وتبدأ هذه التوصيات بالقول: «نعي أنّ الحرب تغيّرت».

يشدّد التقرير على أهمّيّة التركيز على فاعليّة اللقاحات في تخفيض احتمال المرض الحاد والوفاة من الفيروس، وإن لم يكن هذا الهبوط في النسبة تاماً كما نأمل. إضافةً إلى ذلك، أوصى التقرير بالعودة إلى فرض الكمامات حتى على الملقّحين، خصوصاً في الأماكن المغلقة. كما عرض إمكانيّة توصية بعض قطاعات العمل بجعل التلقيح إلزامياً لجميع العاملين فيها.

ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للّقاحات وللسّيطرة على الوباء؟

من المهم في خضمّ كُلّ هذا أن نتذكّر أنّ الأولويّة كانت دوماً لتخفيض أعداد حالات الاستشفاء كي لا تفوق قدرة المستشفيات والقطاعات الطبّيّة على التحمّل. وبالفعل، تبدو اليوم نسب الاستشفاء والوفيات منخفضة للغاية في الدول والمناطق ذات نسب تلقيح مرتفعة مقارنةً بالأعداد في بداية الوباء قبل إنتاج أيٍّ من اللقاحات، بالرّغم من تشاؤم نسبي حول مستقبل كُلّ هذا.

ولكن، تُشير كاثلين نيزيل، وهي أخصّائيّة في اللقاحات في كلّيّة «ماريلاند» للطّبّ، إلى أنّ المطلوب هو تحديد الهدف وهو منع حالات المرض الحاد بالكوفيد وليس تجنّب أصل الإصابة بالفيروس. تقول أيضاً أنّ هذا الأمر قد يكون صعباً إلّا أنّه ضروريّ لأنّ الواضح حتى الآن أنّ كورونا سيرافقنا لوقتٍ طويل.

في الختام، لا ينبغي لحالات الإصابات بكورونا لدى الملقّحين أن تثني الناس عن التوجّه لتلقّي اللقاح، فالنظرة الموضوعيّة لهذه الحالات ونسبها، إضافةً إلى فعاليّة اللّقاحات الموثّقة بالأرقام والتجارب وإن لم تكن مثاليّة، يجب أن تُحفّز الناس لتلقّي اللقاح أكثر من ذي قبل.

المصادر:
“Read: Internal Cdc Document on BREAKTHROUGH Infections.” The Washington Post, WP Company, www.washingtonpost.com/context/cdc-breakthrough-infections/94390e3a-5e45-44a5-ac40-2744e4e25f2e/.

Yasmeen Abutaleb, Carolyn Y. Johnson. “'The War Has Changed': INTERNAL Cdc Document Urges New Messaging, Warns DELTA Infections Likely More Severe.” The Washington Post, WP Company, 30 July 2021, www.washingtonpost.com/health/2021/07/29/cdc-mask-guidance/.

“COVID-19 Breakthrough Case Investigations and Reporting.” Centers for Disease Control and Prevention, Centers for Disease Control and Prevention, 15 July 2021, www.cdc.gov/vaccines/covid-19/health-departments/breakthrough-cases.html.

Gilmerm. “Covid-19 Vaccine Breakthrough Cases: What You Need to Know.” Cleveland Clinic, Cleveland Clinic, 27 July 2021, health.clevelandclinic.org/breakthrough-covid-cases/.