احتلّت منطقة بعلبك الهرمل المرتبة الثالثة على صعيد لبنان، من حيث توزّع الإصابات بفيروس «كورونا» المستجّد. وبحسب تقريرٍ لوزارة الصحّة، فقد سجّلت المحافظة 336 إصابة جديدة، في الساعات الـ24 الماضية، و1870 خلال الأسبوع. واقعٌ تُفَسِرُهُ نسبة إيجابية الفحوصات المخبرية التي وصلت، بحسب معلومات «الأخبار»، إلى 40% في مستشفى «دار الأمل» الجامعي. وفي مؤشّرٍ مثيرٍ للقلق، تُعَدّ نسبة الإقبال على التلقيح في المنطقة من النسب الأقل على الصعيد الوطني، وفق ما أشارت مصادر وزارة الصحة لـ«الأخبار». وما بين غياب الدولة الاعتيادي في تلك البقعة الجغرافية المنسية، وقلّة المسؤولية، باتت الطرق سالكة أمام الموت الجماعي.
الرقم مرعب!
يتخوّف عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» ونائب بعلبك الهرمل، علي المقداد، من الأصعب، مع تسجيل المحافظة لنحو 45 حالة وفاة أسبوعية. «الرقم مرعب، ولا أمل في فرض الدولة للإجراءات المطلوبة منها»، يقول. ويطالب أهالي المنطقة بالالتزام بالحلول البسيطة، كوضع الكمامة وعدم الاختلاط في الأشهر الثلاثة المقبلة، وإن سمحت الخطة الوزارية بعكس ذلك.
ينتقد المقداد فتح البلد «بطرق غير مقبولة»، كاختصار المرحلة الثالثة بأسبوعٍ واحد بدل أسبوعين، متوقّعاً «كارثة صحية كبيرة في بعلبك الهرمل»، ما دفعه إلى لقاء وزير الصحة حمد حسن قبل يومين. الجهود المحلية المبذولة من فرق الأطباء والممرّضين التي تنفِّذ 1200 زيارة ميدانية إلى منازل مصابين بالجائحة، لم تعد كافية للسيطرة على الوضع الذي يزداد تأزّماً مع عدم قدرة مستشفيات المنطقة على استقبال المزيد من المرضى؛ فالاتصالات تجري يومياً لإدخال نحو 20 مصاباً، وإن في قسم الطوارئ. يخلص المقداد إلى أنّ «المسؤولية مشتركة. الدولة متخلّية عن دورها في الخطط العلمية وحسن تنفيذها وتحديداً في بعلبك الهرمل، كما في بعض المناطق اللبنانية، والناس لا تلتزم».

«العرف يطغى على القانون»
يشكو رئيس اتحاد بلديات الهرمل، نصري الهق، من المناسبات الاجتماعية التي تُقام كأن لا وجود للجائحة. «لا إمكانية لإلغاء مراسم العزاء على سبيل المثال، وإن كان القانون واضح في هذا الصدد، فالعرف يطغى في منطقتنا»، يقول الهق، متأسّفاً لانقطاع السبل. بناءً عليه، ينحصر دور البلديات في محاولة تخفيف الضرر الواقع حتماً.
خلافاً لبقية المناطق، لا تشهد قرى بعلبك الهرمل أي تسطير لمحاضر ضبط للمخالفين لإجراءات الوقاية والحماية، باستثناء مدينة الهرمل بنسبة متدنّية، علماً بأنّ حياة الأهالي لم تخرج يوماً عن طبيعتها. قبل أشهر، ومع بداية الانتشار المحلّي للفيروس، حاولت البلديات - التي تعاني في الأصل من نقص في العديد البشري والإمكانيات المادية، شأنها شأن بلديات لبنان أجمع - استباق الأزمة، فشكّلت فِرَقاً ضمّت الهيئات الصحية المحلية وأطباء وممرّضين تجنّدوا لمحاولة السيطرة. وبالتزامن، اعتمدت على منصّات التواصل الاجتماعي بغية نشر الوعي حول الجائحة وخطورتها وسبل الوقاية منها. أما اليوم، ووسط التفلّت الحاصل، فقدت تلك الوسائل فعاليتها.

إحجامٌ عن التلقيح
تشير مصادر وزارة الصحة لـ«الأخبار» إلى أنّ «نسب التسجيل على منصّة الوزارة لأخذ اللقاح، ونسبة الالتزام بمواعيد التلقيح، هي الأدنى وطنياً في بعلبك الهرمل»، إضافة إلى مناطق أخرى عديدة.
ومنذ 13 شباط 2021 لغاية تاريخه، وصل إلى لبنان نحو 100 ألف جرعة من لقاح «فايزر» الأميركي، استخدمت الوزارة 75 ألفاً في حملة التلقيح التي بدأت في 14 من الشهر عينه، بمعدّل 25 ألف جرعة أسبوعياً. وتلحظ المنصة ارتفاعاً في أعداد المُسَجّلين من 42 ألف تتخطّى أعمارهم الـ75 عاماً مع وصول الجرعة الأولى، إلى 100 ألف من الفئة العمرية ذاتها مسجلّة لغاية اليوم.
ويترقّب لبنان تسلّم ما يقارب 292 ألف جرعة من لقاح «استرازنيكا» البريطاني، خلال شهر آذار، على أن يتسلم الجرعات الإضافية بعد ثلاثة أشهر من موعد وصول الدفعة الأولى. ووفق أرقام وزارة الصحة أمس، وصلت أعداد المصابين بالفيروس في المُستشفيات إلى 2178، 886 منهم يُقيمون في العناية المركزة. المؤشرات المؤكدة لاستمرارية الواقع الوبائي الحرج، دفعت مدير مستشفى بيروت الحكومي، فراس الأبيض، إلى الإشارة إلى خطورة تجاهل عشرات حالات «كورونا» الجديدة الوافدة يومياً عبر المطار، مذكّراً بأنّ «مراقبة الحدود عنصرٌ أساسيٌ في سياسة الصحة العامة الوطنية في زمن الأوبئة، خاصةً أنّ متحوّرات كورونا الجديدة والأكثر خطورة تنتقل من بلد إلى آخر من خلال المسافرين». وأضاف: «الحجر الصحي للمسافرين القادمين في أماكن مخصصة، أو الإشراف عليهم بشكل صارم إذا كانوا في المنزل، هو المطلوب، وخلاف ذلك، لن يحترم الكثير من الناس العزلة الذاتية الطوعية».