التنافس السعودي ــ القطري في الغوطة: الجمعيات الخيرية أدوات عمل

  • 0
  • ض
  • ض

غالباً ما يشار اليوم إلى عمل الجمعيات الخيرية في الغوطة الشرقية لدمشق، كواحدة من أولى أدوات «شراء ولاءات السكان» فيها. ففي قرى الغوطة وبلداتها، ينعكس التجاذب السياسي الإقليمي، تنافساً حاداً بين «جمعيات إغاثة» سعودية، وأخرى قطرية

بعيداً عن حدود الاستثمار الأهلي الضيّق لعمل «الجمعيات الخيرية» في الغوطة الشرقية، تتسع سياسة هذا النوع من المنظمات لتطاول مروحة واسعة من الأهداف. «يستخدم سلاح الإغاثة والمعونات أداة قمع لأهالي المنطقة، ففي الوقت الذي يرتفع فيه صوت السكان ضد سياسة بعض الفصائل العسكرية، يجري التحكم في كمية ونوع الإغاثة المقدمة للناس، للتضييق عليهم والتحكم في آرائهم»، يقول أحد المتطوعين السابقين في جمعية «غراس الخيرية» العاملة في بلدة بيت سوى. ويعقب في اتصال مع «الأخبار»: «كما تقوم هذه الجمعيات بالتحكم في عملية صعود أو هبوط هذا التنظيم أو ذاك، في الوقت الذي تحتاج فيه الدول الإقليمية لاعتماد بدائل عن التنظيمات التي كانت تدعمها سابقاً في الغوطة». «الأخت الفاضلة» أم عمر، هو الاسم الموسوم خلف كل «معونة قطرية» تدخل إلى الغوطة الشرقية عن طريق جمعية «البنيان المرصوص». الجمعية التي تعرِّف عن نفسها بأنها «جمعية خيرية تنموية إنسانية علمية تعمل لإغاثة الشعب السوري»، تعتمد منذ نشأتها في عام 2012 على الدعم القطري والكويتي، وفيما توسم «المعونات» القطرية باسم «الأخت الفاضلة أم عمر»، يقف خلف «المعونات» الكويتية «الأخ الفاضل أبو ناصر». أم عمر وأبو ناصر، بحسب بعض الناشطين الإغاثيين في الغوطة، هي «مسميات تقبع خلفها أجهزة الاستخبارات القطرية والكويتية»، حيث ترصد «البنيان المرصوص» مشاكل الغوطة الشرقية بشكل دوري، ليجري بعدها الإعداد لمشاريع صغيرة يحتاجها الناس بشدة، وهو ما يمهد الطريق للتحكم في آرائهم. من إحدى قصص الجمعية، أنها بدأت - مع اشتداد أزمة المياه في بلدة مديرا عام 2014 - بحفر آبار مياه داخل أراضي البلدة. ومع ارتفاع حدة النزاع داخل «المجلس القضائي الموحد في الغوطة الشرقية» بين «الإخوان المسلمين» - المدعومين من قطر و«السلفية الجهادية»، المدعومة سعودياً، عمدت الجمعية بحجة نقص التمويل إلى إيقاف تشغيل الآبار عن بعض أحياء مديرا، لتظهر بعدها «معونة مالية مفاجئة» قدمّها جناح «الإخوان» الممثل في «المجلس القضائي»! وإلى جانب حضورها في الغوطة الشرقية، وافتتاحها للمعاهد الدينية وتحكمها في المناهج المقررة للأطفال، وعملها على الجانب «التربوي الإعدادي» المتجسد في نشر تعاليم معينة، ونمط لباس محدد، تستثمر «البنيان المرصوص» في جبهة أخرى، هي بلدة عرسال اللبنانية التي تقيم في مخيماتها دورات تأهيل مستمرة، وتوزع فيها مساعدات عينية ومالية دورية. في وقتٍ تواجه فيه الجمعية اتهامات بمحاولة تجنيد بعض السوريين والفلسطينيين واللبنانيين، وإرسالهم إلى سوريا عن طريق تركيا بشكل أساسي، والأردن بصورة أقل. في المقابل، لا تضع السعودية بيضها في سلة واحدة. مئات الجمعيات التي تحمل مسميات إغاثية وتعليمية ودينية مدعومة من السعودية تعمل في الغوطة الشرقية، وبوجه خاص في بلدات دوما ومسرابا وجسرين، وهي البلدات التي تشهد حضوراً كثيفاً لمقاتلي «جيش الإسلام». وخلافاً للجمعيات المدعومة من قطر، لا تقوم الجمعيات السعودية بالإعلان عن «شخصيات فاضلة» تقف وراء الدعم، إذ تكتفي هذه الجمعيات بشكر «المملكة» على «المساعدات» التي تقدمها. من مئات الجمعيات المدعومة سعودياً، تبرز جمعية «عطاء الرحمن» في معظم بلدات الغوطة الشرقية لدمشق، وتفرد الأولوية للدعم المالي المقدم إلى أهالي الغوطة. وعلى التتالي من حيث الحجم والانتشار، تقوم جمعيات «نور»، و«تكافل الخيرية»، و«غراس» بالدور ذاته، فيما تتوقفت هذه «المساعدات المالية» غالباً لتتزامن مع ساعة الحنق الأهلي من ممارسات «جيش الإسلام» في بلدات الغوطة. في هذا السياق، توجهت «عطاء الرحمن» بـ«مساعدات موقَّتة» إلى أهالي المعتقلين في سجون «جيش الإسلام»، حيث قدمت لهم مواد عينية هم بأمس الحاجة إليها، في الوقت الذي ارتفع فيه احتجاجهم ضد الاعتقال. وبهدف ضمان الاستمرار في عملية التجنيد لمصلحة «جيش الإسلام»، تقدم الجمعية مبالغ طائلة، وصلت في بعض الحالات إلى 3 ملايين ليرة سورية، كتعويض مادي لذوي قتلى التنظيم. إلى ذلك، ينعكس التنافس الإقليمي في خلاف حاد بين الجمعيات المختلفة المشارب. ففي حالات المسارعة إلى استثمار حدث نوعي على جبهة الغوطة، كثيراً ما ارتفع منسوب «الشجار» بين «إغاثيي قطر» و«إغاثيي السعودية»، ابتداءً من الضرب المبرح بين الجانبين، وانتهاءً بالاستهداف الذي يقال إنه مقصود لسيارات المساعدات.

0 تعليق

التعليقات