في اواخر ايلول الماضي، بدأ سعر برميل النفط مسيرته التراجعية في الأسواق العالمية. الأسباب عديدة، منها السياسي والاقتصادي والأمني... الحصيلة أن سعر الذهب الأسود تهاوى بنسبة تخطت 30% عالمياً. ومما لا شك فيه، أن الدول المصدرة للنفط ستكون الأكثر تضرراً، فيما يصبّ هذا الهبوط في مصلحة الدول المستوردة.
ولكن، هل يستفيد المستهلك اللبناني من هذا التراجع، أم سيكون ـ كالعادة ـ "كبش المحرقة" الذي يتأثر بارتفاع الأسعار عالمياً ولا يستفيد من هبوطها؟ وهل ينعكس هبوط أسعار "الزيت الأسود" إيجاباً على موازنة الدولة، وبالتالي على القوة الشرائية للمواطنين، وما تأثير هذا الانخفاض في الدورة الاقتصادية في البلد؟
كما في كل مسألة اقتصادية، تتضارب الآراء والاجتهادات. ولكن، في هذه الحالة، هناك إجماع بين المستهلكين اللبنانيين على التشاؤم من إمكان أن تكون لانخفاض أسعار النفط تأثيرات إيجابية في المواد الاستهلاكية لأسباب ومحسوبيات كثيرة وضيقة.

الدولة والمواطن يستفيدان

يرى الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان، "أن النفط، لكونه مادة تدخل في غالبية الصناعات، لا بد أن يؤثر سعرها صعوداً أو هبوطاً في أكثرية السلع. لكن للأسف، اعتدنا في لبنان غلاءَ الأسعار فقط. علماً بأن المؤشرات العالمية تشير إلى أن تراجع الأسعار سيتواصل ليصل سعر البرميل مع نهاية العام إلى نحو 55 دولاراً أميركياً". ويضيف: "يدخل النفط في صناعة معظم السلع والمواد الاستهلاكية، وبنسبة كبيرة تتخطى 30%، من هنا تزداد التكاليف التي تتكبدها المصانع، عندما يرتفع السعر بما أن تكاليف الطاقة هي الأكبر، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر على الأسعار".
في المقابل، من الطبيعي أن تنخفض أسعار سلع كثيرة جراء انخفاض أسعار النفط، ولا سيما المواد الاستهلاكية من مأكولات وأطعمة مصنعة ومعلبة، التي تتطلب طاقة لتصنيعها. "غير أن هذا الأمر صعب في لبنان، لأن الرقابة مغيبة، ومصلحة حماية المستهلك لا تضع تسعيرة معيّنة لتشرف على الأسعار التي تحددها الوزارة، ما يفسر التفاوت في الأسعار" يتابع أبو سليمان. ويضيف: "لاحظنا أن أسعار صفيحة البنزين والمازوت واشتراكات مولدات الكهرباء قد انخفضت قليلاً، وهذا ما لمسه المواطن وانعكس إيجاباً على المستهلك. ولكن هذا الأمر غير كافٍ، إذ يجب تطبيق الأمر نفسه على المواد الاستهلاكية".
وعلى الصعيد العام، يؤثّر انخفاض سعر النفط إيجاباً في خزينة الدولة كما يرى بو سليمان، "ففاتورة العجز في مؤسسة كهرباء لبنان تتخطى ألفي مليار ليرة، وهذا العجز معظمه لتمويل استيراد الفيول، فيما حجم الواردات من الضرائب لا يتخطى 500 أو 600 مليون دولار سنوياً. لذا سيكون التأثير إيجابياً، لأن عجز الكهرباء أكبر بكثير من واردات الضرائب، وبالتالي يجب أن تنخفض فاتورة العجز إذا ما انخفضت هذه الأسعار".

ارتفاع مجدداً؟

تأثير الأسعار لا يحدث فرقاً
كبيراً إلا على مستوى المحروقات، أما التجارة فلا تتأثر
وتختلف الآراء في ما إذا كان سعر النفط سيستمر في الهبوط أو سيعاود الارتفاع مجدداً. فالخبير الاقتصادي الدكتور الفريد رياشي، يستبعد "تراجع السعر أكثر مما وصل إليه حالياً، لأن الطلب عاد وتحسن مقارنة مع الأشهر الماضية. لذلك، من المتوقع أن يرتفع سعره مطلع عام 2015". ورأى "أن لانخفاض سعر النفط تأثيرات متعددة، أهمها تحسين القدرة الشرائية وتعزيزها لدى المستهلك اللبناني. لكن ليس بالضرورة أن تتراجع أسعار السلع التي ارتفعت جراء ارتفاع النفط، ففي لبنان عندما ينخفض سعر مادة اساسية في الصناعة، لا ينخفض معها سعر السلع، لأن التجار يكونون قد اعتادوا تحقيق نسبة أرباح معينة".

الصناعة

وعن تأثير تراجع أسعار النفط في الصناعة الوطنية باعتباره العامل الأهم في حلقة الإنتاج، يؤكد عميد الصناعيين اللبنانيين جاك صراف أنه "حتى الآن، ورغم تراجع سعر برميل النفط نحو 35%، إلا أن تأثير هذا الانخفاض لم يتضح بعد. وإذا ما استمر بالانخفاض سيعود ذلك بالفائدة على الصناعيين وعلى الإنتاج من خلال انخفاض أكلاف مواد الطاقة، وبالتالي انخفاض فاتورة الدعم التي تصدرها الدولة".
وحول انخفاض أسعار السلع جراء تدني سعر النفط، رأى صراف أنه "عندما ارتفعت أسعار النفط لم ترتفع معها كل الأسعار، وبالتالي ليس بالضرورة أن يؤدي انخفاضها إلى انخفاض أسعار كل السلع". ولفت إلى أن "كلفة فاتورة الطاقة في بعض الصناعات تؤثر بنسبة عالية، لكن انخفاضها ليس بالسهل، لأن الأعباء والتكاليف ازدادت، ولم يواكبها ارتفاع للأسعار بسبب حدة المنافسة"، مؤكداً "أن قرار خفض أسعار السلع قرار سياسي بامتياز".

التجارة لا تتأثر

وعن مدى تأثر السوق التجارية بالأمر، يلفت رئيس جمعية تجار الأشرفية طوني عيد، إلى "أن الدراسات التي أُجريت في الولايات المتحدة بينت زيادة القيمة الشرائية للطبقة الوسطى جراء انخفاض أسعار النفط. غير أننا في لبنان لم نستفد من هذا الانخفاض العالمي كما في الدول الأخرى، والسبب عائد إلى الضرائب التي فرضتها الدولة. فسعر برميل النفط انخفض بنسبة 30 أو 40%، ولكن سعر صفيحة البنزين أو المازوت لم ينخفض بالنسبة عينها. من هنا، فإن تأثير الأسعار لا يحدث فرقاً كبيراً إلا على مستوى المحروقات. أما التجارة فلا تتأثر". بدوره، أكّد داني قوديشو، رئيس لجنة أصحاب المولدات في المتن، "أن التسعيرة انخفضت من 405 ليرات إلى 360 ليرة في الساعة، مع انخفاض سعر النفط، وستنخفض أكثر، إلا إذا كثرت الأعطال في شركة كهرباء لبنان وكثر الانقطاع في التيار الكهربائي".

حماية المستهلك

مع كل هذه "الإيجابية المفترضة" لتراجع أسعار المحروقات، يبقى السؤال: أين تكمن الإفادة على الصعيد المعيشي للمواطن العادي؟
رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، رأى أنه "في كل أنحاء العالم يتأثر الوضع المعيشي بارتفاع سعر النفط وانخفاضه إلا في لبنان، لأن المواطن يتاثر ويتضرر فقط بارتفاع هذه الأسعار ولا يستفيد من تراجعها". وعزا السبب إلى "تركيبة الاقتصاد اللبناني المشوه الذي تسيطر عليه الاحتكارات بنسبة تتجاوز 80%. إذ تُسعَّر السلع بحسب مصالح الصناعيين والتجار ومطامعهم لتتوافق وأرباحهم، وليس بحسب العرض والطلب.

تذبذب أسعار النفط من سبتمبر 2010 حتى ديسمبر 2014

من هنا، إن أي انخفاض لسعر النفط لا يؤثر في الوضع المعيشي ولا في انخفاض الأسعار، لأن نظامنا الاقتصادي مقيد بالاحتكارات، وليس ليبيراليا كما يزعم البعض، ولا يعتمد على المنافسة التي تؤدي إلى خفض الأسعار. وفي ظل غياب المنافسة سترتفع الأسعار حكماً".
وشدّد برو على أن "من واجب" المجلس الوطني لحماية المستهلك الذي أُسّس عام 2005 ويضم الصناعيين والتجار والوزارات المعنية والجمعية، "أن يتابع النقاشات والدراسات والحوارات لتحديد الأسعار والضغط لخفض أسعار السلع المرتبطة بأسعار النفط، وأن يؤدي دور المراقب للأسعار ويحدد السلع التي ينبغي خفضها وبأية نسبة. وعليه أيضاً أن يجد حلولاً بحسب وضع حالة السوق غير الطبيعية ووضع حد للاحتكارات. ولكن كل هذا غير موجود"!
ومع تأكيده لأهمية دور جمعية حماية المستهلك، "إلا أن أحداً لا يمكن أن يحل مكان الدولة التي إذا ما فقدت دورها ينهار المجتمع. لا الجمعيات ولا النقابات ولا الهيئات الاقتصادية يمكن أن تقوم بعمل الدولة، ومجتمعنا معطل بفعل غياب دور الدولة، والمؤسسات مشلولة ومصادرة لأننا في نظام مرجعيات وطوائف وليس نظام مؤسسات". وأكّد برو أن "قانون حماية المستهلك يطبق منه ما يتماشى ومصالح الطبقة الحاكمة. فالمحكمة والمجلس وحتى مديرية حماية المستهلك تحولت إلى مديرية لحماية التجار والفساد..."!
وشدّد على أن المستهلك اللبناني استفاد من انخفاض سعر النفط عالمياً على صعيد البنزين والمازوت واشتراك مولدات الكهرباء "ولكن هذا غير كاف، إذ يجب أن تنخفض أسعار سلع كثيرة، غير أن القرار يبقى سياسياً بامتياز".
فإلى متى سيدفع اللبناني ثمن المحاصصات والمحسوبيات والهيمنة والاحتكارات، وغياب الوعي لمبدأ الحقوق والواجبات؟ أسئلة يكشفها انخفاض أسعار النفط من دون أن ينجح في تغيير واقعها على الأرض.