كلمة «كاكاو» مشتقة من كلمتين في لغة قبيلة المايا الهندية، وتعني العصير المر. أما كلمة شوكولا فتنحدر من كلمتين في لغة المايا وتعني الماء الحامض. صناعة الشوكولا بدأت بحبة الكاكاو التي كانت خلال قرون تُهرس ثم تؤكل، ويعود تاريخها إلى ألفي عام قبل الميلاد. يقال إنّه في عام 1519، تذوّق المكتشف الإسباني فيرناندو كوريتز الكاكاو الذي كان الشراب المفضّل للمنتزوما الثاني، آخر الأباطرة الأزتكيين. وقد لاحظ كورتيز أنّ الأزتكيين يعاملون حبات الكاكاو التي يصنعون منها شرابهم المفضّل وكأنها مجوهرات ثمينة. إذ كانوا يستخدمونها لإعداد مشروب ساخن يعدونه لزعمائهم ويطلقون عليه إسم «الشوكولا» (الشراب الدافىء). ولأنّ طعمه مرّ أضاف إليه كورتيزورجاله بعض السكر، قبل أن يعودوا به إلى إسبانيا.
كولومبوس والشوكولا

وصل الكاكاو أوّلاً إلى إسبانيا على يد كريستوفر كولومبس. فبعد رحلته الرابعة إلى العالم الجديد، اكتشف الأخير أميركا عام 1542، وأحضر معه عدداً من نباتاتها ومحاصيلها الزراعية، بينها حبات داكنة اللون من المكسيك. لكن نظراً لأنّ سفينته كانت مكتظة بالأغراض، أُهمل جوز الكاكاو آنذاك ولم يُعرف شيئاً عن كيفية استعماله حتى سنة 1599. يومها، أُخفيت طريقة صنع الشراب منها حتى تتمتع طبقة النبلاء وحدها بالمشروب اللذيذ، واحتفظ الإسبان بسرّ «الشوكولا» لأكثر من قرن، قبل أن تتوسّع شهرته في البلدان الأخرى. هنا، كشف بعض الرهبان الإسبان عن سرّ هذه الحبات، ولم يمض وقت طويل حتى انتشر هذا المشروب في كل أنحاء العالم.
في منتصف القرن السادس عشر، اشتهر شراب الشوكولا في فرنسا، وافتتح أحد التجار أوّل محل لبيع الشوكولا الحار في لندن. وبحلول القرن السابع عشر، صارت محلات الشوكولا في إنكلترا تنافس محلات القهوة. وفي عام 1765، افتتح أوّل مصنع للشوكولا في مستعمرة ماساشوستس.
بالإنتقال إلى عام 1847، إبتكرت شركة إنكليزية فكرة تصنيع الشوكولا الصلبة للأكل كما نعرفها اليوم. وقد تولّى الكيميائي الهولندي كونارد فان هوتن هذه المهمة، من خلال اختراع معصرة كاكاو، مما مكن مصنعي الحلوى من صنع حلويات الشوكولا. كيف؟ عبر خلط زبدة الكاكاو مع بودرة السكر.

الحليب يتدخل

لم يضف الحليب إلى الشوكولا إلا في عام 1876 في مدينة فيفي السويسرية. هناك، طوّر أحد مصنعي الحلوى السويسريين صناعة شوكولا الحليب، وذلك بإضافة الحليب المكثف لسائل الشوكولا، ليستحصل على سائل الشوكولا هذا كمنتج ثانوي غير متخمّر من اللحم الداخلي لحبة الكاكاو. السويسريون أضفوا أيضاً قواماً ناعماً على الشوكولا بواسطة عملية تصنيعية تسمى Conching، وهي تعني الشكل المحاري لأوعية التخمر القديمة، حيث كانوا يخلطون أجزاء الشوكولا حتى يصير القوام ناعماً. قد يكون من المفيد هنا استعراض أنواع الشوكولا سريعاً. فهناك الشوكولا المرّة، والشوكولا بالحليب، والشوكولا البيضاء، والشوكولا المركّبة (مصطلح فني يجمع الكاكاو بالدهون النباتية). من دون أن ننسى أن كل هذه الأنواع تدخل إليها إضافات عبارة عن نكهات مثل النعناع، والفانيلا، والقهوة، والبرتقال، والفراولة، وغيرها. وقد تحتوي الشوكولا على مكوّنات مضافة مثل الفول السوداني، والجوز، الكراميل، والأرز... هكذا، تطوّرت صناعة الشوكولا على أيدي السويسريين، وقد يكون فضلهم عليها هو سبب شهرتهم الواسعة حول العالم في هذا المجال.

بحر من الأسرار

بعد المرور سريعاً على تاريخ تطوّر صناعة الشوكولا، لا بد من السؤال عن السرّ وراء السعادة والراحة النفسية اللتين تغمران المرء إثر تناوله ولو كميات قليلة من الشوكولا. بغض النظر عن الوزن الزائد الذي يمكن أو يسببه تناول كميات كبيرة منها، إلا أنّ الدراسات أثبتت أنّه مهما يكن نوع الشوكولا فهي تحتوي على نسبة من السكر تساعد في رفع مستويات هرمون السيروتونين المسؤول عن تنظيم مزاج الإنسان.
مستخلصات عشبية
من الكاكاو أفادت في رفع
القـدرة الجنسيـة


أظهرت دراسات أجريت في جامعة سكرانتون في ولاية بنسيلفانيا الأميركية أنّ الشوكولا المتناولة باعتدال لا تزيد الوزن، إنّما تكون مادة أساسية تساعدنا على القيام بوظائفنا بشكل أفضل وتزيد من حيوية جسدنا. وشبّهت هذه الدراسات الشوكولا ببعض أنواع الفاكهة والخضار التي تحتوي على عناصر مضادة للأكسدة، فضلاً عن أنّ أبرز فوائد الشوكولا هي أنّها تمنع أكسدة الكوليسترول المضرّ بالجسم بسبب احتوائها على بودرة الكاكاو.
بعض أنواع الشوكولا تعود بالفائدة على الجسم والنظام الغذائي أكثر من غيرها، خصوصاً الداكنة. وهذا ليس حال الشوكولا الصناعي.
من فوائد الشوكولا السوداء أنّها لا تعرّضنا لمخاطر السمنة لأنّها لا تحتوي على الحليب أو كميات كبيرة من الزبدة أو مواد أخرى تُضاف إلى الشوكولا البنيّة لإضافة نكهات صناعية عليها. فاللون الأسود للشوكولا يعمل على خفض ضغط الدم المرتفع، ومن يتناول هذا النوع باستمرار تقل نسبة الكوليسترول في دمه إلى ما يقارب الـ10%. كذلك، هي معروفة بأنّها مضاد طبيعي للاكتئاب، وتحفّز هرموني الإندورفين والسيروتونين، مما يخلق شعوراً بالسعادة.
هنا، تجدر الإشارة إلى أنّ الشوكولا تحتوي على مركّبين محسنين للمزاج. الأوّل يترك تأثيراً مشابهاً للذي يتركه المورفين على مركز السعادة في العقل، والثاني يؤدي من خلال إفراز نسبة مرتفعة من الدوبامين إلى مزاج جيّد، كما إن شم رائحة الشوكولا يمكن أن يعطي تأثيراً إيجابياً. إلى جانب هذا، تعمل الشوكولا بطريقة مشابهة لعمل الأسبرين، إذ تنقص من إنتاج الصفيحات الدموية، أي تساعد القلب.
والمعلومة غير الشائعة، هي أنّ الشوكولا الأسود يحتوي على مادة الثيوبرومين التي تحمي الأسنان من التلف من خلال قتل نوع معيّن من البكتيريا التي تعيش في الفم. وفيما يُعتقد بأنّ الشوارد الحرّة تقف وراء هرم الخلايا قبل الأوان وقتها، يساعـد «البوليفينول» الموجود في الشوكولا على إبعادها ومنع تأثيرها. وللرجال الذين يبحثون عن بدائل طبيعية للفياغرا، إعلموا أنّ مستخلصات عشبية من الكاكاو أفادت جداً في رفـــع القـدرة الجنسيـة بشكل ملحوظ، وفق دراسة أجريب في جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة. وأكدت هذه الدراسة أنّ الشوكولا التي تحتوي على أكثر من 60% من الكاكاو تؤثر إيجابياً في مشاكل الضعف الجنسي.
وبغض النظر عن نوع الشوكولا، يبقى الأهم أنّه على محبي الشوكولا ألا يحرموا أنفسهم منها، بل فقط التحكّم بالكميات المتناولة!
على الشاشة الكبيرة
نظراً لأهميتها بالنسبة للبشر، والعلاقة المميّزة التي تجمعهم بها، لجأ الكثير من صنّاع السينما إلى إستخدام الشوكولا في أفلامهم، ولو في العناوين فقط. الأفلام المتعلقة بالشوكولا كثيرة. Willy Wonka & the Chocolate Factory (ويلي ونكا ومصنع الشوكولا)، واحد من الأمثلة البارزة. الفيلم الذي صدر عام ١٩٧١ يروي قصة تشارلي باكيت (بيتر أوستروم) وهو صبي فقير يعيش مع أمه وأجداده الأربعة طريحي الفراش. ناضل الصبي بشجاعة من أجل إطعام أسرته، قبل أن يصمم على خوض تجربة فريدة من نوعها. فكرة راودت «تشارلي» عندما سمع أنّ الناسك الشهير المنعزل عن العالم «مستر ويلي ونكا» (جين وايلدر) وضع تذاكر ذهبية داخل خمس قطع من شوكولا، سينال من يجد إحداها رحلة إلى مصنع حلويات «ونكا» الشهيرة، ويزوّد بحصة من الشوكولاتة مدى الحياة. العمل يستند إلى كتاب للأطفال بعنوان «تشارلي ومصنع الشوكولا» للبريطاني روالد دال، وهو من إخراج ميل ستيوارت. وفي عام ٢٠٠٥، أنجز المخرج الشهير تيم بورتون نسخة فيلم آخر مستوحى من الرواية نفسها وحمل إسمها، قام ببطولته جوني ديب في دور ويلي ونكا، وفريدي هايمور في دور تشارلي باكيت. عام ١٩٨٨، صدر فيلم بعنوان The Chocolate War (حرب الشوكولا) المستوحى من رواية بالإسم نفسه للكاتب روبرت كورمير، وصوّر بكاميرا كيث غوردن الذي تولّى أيضاً مهمة كتابة السيناريو. أما لائحة الأبطال فتضم جون غلوفر، وإيلان ميتشيل سميث، ووالاس لانغهام، ودوغ هاتشيسون. يغوص العمل في دهاليز إحدى مدارس النخبة الكاثوليكية، متطرقاً إلى قصة تلميذ متمرّد على التراتبية الإدارية «الرجعية» فيها. فيلم Chocolat الذي خرج إلى الجمهور في ٢٠٠٠، يعتبر واحداً من أشهر الأعمال المتمحورة حول هذا الصنف اللذيذ. إنّه فيلم رومانسي يستند هو الآخر إلى رواية. هذه الأخيرة تحمل إسم Chocolat أيضاً لجوان هاريس، وقد حملت في السينما توقيع السويدي لاس هالستروم. يحكي «شوكولا» قصة أم تلعب تُدعى «فيان روشيه» (الفرنسية جولييت بينوش) تصل في شتاء عام ١٩٥٩ إلى بلدة فرنسية مقموعة مع ابنتها «أنوك» (فيكتوريا ثيفيسول) ذات الستة أعوام، وتفتح محلاً صغيراً لبيع الشوكولا. أنواع الشوكولا التي تبيعها تبدأ سريعاً بتغيير حياة أهل البلد، قبل أن تجد «فيان» نفسها معجبة بقرصان إيرلندي يُدعى «روكس» (جوني ديب). وهناك أيضاً الفيلم الكندي الرومانسي Better Than Chocolate (أفضل من الشوكولا ــ ١٩٩٩) للمخرجة آن ويلر. الشريط الذي صوّر في فانكوفر يتناول قصة «ماغي» و«كيم» المثليتين اللتين تعيشان قصة حب، فيما تضطر الأولى إلى إخفاء الحقيقة عن أمّها وشقيقها. صحيح أنّه ينتمي إلى فئة الوثائقيات، غير أنّ The Dark Side of Chocolate (الجانب المظلم للشوكولا ــ ٢٠١٠) يتمتع بشهرة كبيرة. شهرة العمل لا ترتبط بالشوكولا فحسب، بل تعود أيضاً إلى أنّه يتناول موضوع إستغلال الأطفال الأفارقة في زراعة الشوكولا. الشريط من إنتاج الصحافي الدنماركي ميكي ميستراتي، وإخراج يو. روبيرتو رومانو. التصوير بدأ في ألمانيا، لينتقل إلى مالي وثم ساحل العاج، قبل أن ينتهي في سويسرا حيث يقع مقرّا «منظمة العمل الدولية» (ILO) وشركة «نستلة». علماً بأنّ The Dark Side of Chocolate صوّر بواسطة كاميرا خفية. ولأنّ القائمة قد تطول كثيراً، لا بد من التعريج على أبرز الأفلام التي ارتبطت بالشوكولا، وعلى رأسها: The Chocolate Soldier (جندي الشوكولا ــ ١٩٤١) للأميركية روي ديل روث، وLike Water for Chocolate الصادر عام ١٩٩٢ للمخرج ألفونسو أراو، إضافة إلى Romantic Anonymous (٢٠١١) للفرنسي جان بيار أميري، وغيرها.




نجوم Chocoholics

كلّنا يعلم أنّ المشاهير أكثر المهتمين بمظهرهم والمحافظين على أوزانهم، ما يعني أنّهم حريصون على اتباع حميات غذائية متوازنة تبتعد قدر الإمكان عن المأكولات التي تحتوي على سعرات حرارية عالية. لكن هناك من لا يستطيع كبح شغفه بالشوكولا! العالم يحتفل بـ«اليوم العالمي للشوكولا» الذي يصادف في ٢٨ تشرين الأوّل (أكتوبر) من كل عام، ونجوم الغرب أوّل المشاركين في هذه المناسبة. لا بل إن بعضهم يقول أنّه يحتفل بهذا الطعام اللذيذ يومياً. الأسماء كثيرة، غير أنّه بين أكثر المجاهرين بحبّهم للشوكولا الممثلة والمغنية الأميركية جنيفر هادسون التي تقول: «الشوكولا هو ما أحب. أتناوله يومياً»، وزميلاها طوم هيدلستون، ولايك لايفلي التي أكدت مراراً أنّه «لا أستطيع بدء نهاري من دون كوب من الشوكولا الساخن والحليب، أو أن أنهيه من دون تناول بعض مكعبات الشوكولا. إنّه جيّد لروحي المعنوية». وهناك أيضاً النجمة الأميركية بيونسيه، ومواطنها الممثل جيم كاري، ومغنية البوب الأميركية تايلور سويفت، فضلاً عن المغنية والممثلة الأميركية ديمي لوفاتو، وجنيفر لوبيز، وكايتي بيري، وبريتني سبيرز، وعارضة الأزياء البرازيليلة أدريانا ليما التي تعشق «الكيك الذي يجمع بين الشوكولا وجوز الهند»، وآخرين.