دبي | ليس الاستثمار اللبناني في دبي بالأمر المستجد. منذ سنوات، ومع بدايات "صعود الإمارة"، كان للقطاع الخاص اللبناني حضوره اللافت في مجالات اقتصادية عدة. الجديد اليوم أن الاستثمار في دولة الامارات العربية المتحدة، وفي دبي تحديداً لم يعد خياراً، بات "بالقوة" إلى حد ما. لماذا؟
صعوبة الوضع الاقتصادي والأمني في لبنان، وانسداد الأفق أمام تغييرات مرتقبة في المدى المنظور، يضاف إليهما عدم الاستقرار في بيئة الاعمال في المحيط العربي، لم تترك خياراً أمام رجال الاعمال والمستثمرين اللبنانيين إلا البحث عن فرص آمنة تعوض بعضاً من الخسائر التي تتكبدها الكثير من القطاعات الاقتصادية، لا سيما القطاع السياحي في لبنان، لذا تبدو الوجهة اليوم... دبي.
في الإمارات، يحدثك العديد من رجال الاعمال والمستثمرين اللبنانيين عن ارتفاع الأكلاف الاستثمارية للمشاريع التي يفتتحونها، وعن اشتداد المنافسة في السوق المحلية، وعن صعوبات قانونية وإجرائية تعرقل الكثير من الأمور، ومع ذلك يؤكد هؤلاء أنه، في أسوأ الأحوال، لا يزال الوضع أفضل من لبنان بكثير.

منذ فترة، شكّل إقليم كردستان العراق، ومدينة أربيل على وجه الخصوص، وجهة فضلى أمام الاستثمار اللبناني في شتى القطاعات. إلا أن الأحداث التي شهدها العراق أخيراً، أثرت في هذا المنحى، ما أدى إلى تراجع وتيرته التصاعدية لصالح دبي التي لا تزال حتى الآن، مقارنة بباقي الإمارات، الأكثر تساهلاً لناحية شروط التسهيل أمام الاستثمار الأجنبي الوافد.

مطاعم ومقاه

يمتد "بوليفار محمد بن راشد" على طول نحو 3 كيلومترات لا أكثر، يقع في الوسط الجديد لمدينة دبي في محاذاة "برج خليفة"، المبنى الأطول في العالم. بحسب مصادر اقتصادية مطلعة، يعد هذا الجزء من دبي اليوم أغلى رقعة استثمارية في العالم، لناحية القيمة التأجيرية والشروط التجارية. ليس تفصيلاً عابراً أن تجد أن أكثر من 11 مطعماً لبنانياً يتمركز في هذا الشارع وبجوانبه.

ليس تفصيلاً أن تجد أكثر من 11 مطعماً لبنانياً تتمركز في أغلى شارع في العالم بدبي

من "عبد الوهاب" و"كافيه نجار" إلى حلويات "الحلاب" و"البابا"، ومطعم "أم شريف" و"كرم بيروت" و"ليلى" و"برج الحمام" و"سكوزي" و"الصفدي" و"نابوليتانا"، وصولاً إلى "زعتر وزيت" و"بي تو بي"... أسماء لبنانية باتت تتقاسم اليوم مساحات مختلفة من دبي، وتفرض حضوراً لا يمكن تجاهله في القطاع السياحي.
هجرة القطاع الخاص اللبناني إلى الامارات العربية المتحدة، وخصوصاً دبي، ظاهرة تنامت في السنوات الثلاث الأخيرة. الاسباب عديدة بحسب متابعين للموضوع، أبرزها أن دبي لا تزال حتى الآن تمثل، مقارنة ببلدان أخرى كالسعودية وقطر والكويت، البيئة الاستثمارية الأنسب والأكثر استقراراً. ومن الاسباب الأخرى ان تأزم الوضع الاقتصادي والأمني في لبنان، وتراكم المشكلات التي تعظمت في السنوات الثلاث الأخيرة، دفعا برجال الاعمال والمستثمرين اللبنانيين إلى "النزوح اقتصادياً" في اتجاه دبي.

الاستثمار اللبناني أولاً

أين تتمركز الاستثمارات اللبنانية في دبي بشكل رئيسي؟ تقول مصادر اقتصادية مطلعة إن أغلب الاستثمارت اللبنانية تتمركز بشكل كبير في القطاع العقاري، يليه مباشرة قطاع السياحة والترفيه، فالقطاع التجاري والخدمات والبرمجيات، مع تسجيل حضور طفيف في قطاع الصناعات التحويلية.
وبحسب تقرير صدر حديثاً عن دائرة الأراضي والأملاك في دبي "Dubai Land Department DLD" للفصل الأول من عام 2014، فقد احتل الاستثمار اللبناني في القطاع العقاري في دبي المرتبة الأولى عربياً، إذ استثمر نحو 180 لبنانياً أكثر من 274 مليون دولار في هذا القطاع، تلاه الاستثمار الأردني. وكان الاستثمار الهندي في المرتبة الأولى بين الاستثمارات الاجنبية في الإمارة.
وبين مواطني بلدان "الربيع العربي" حل المصريون في المرتبة الأولى في السوق العقارية في دبي باستثمارات زادت على 223 مليون دولار أميركي ، تبعهم السوريون باستثمارات بلغت نحو 174 مليون دولار، فاليمنيون باستثمارت بلغت 70 مليون دولار.

السوريون ينافسون

قبل أيام، وبحسب إحصائيات غير رسمية، بلغ عدد السوريين في دولة الإمارات العربية المتحدة نحو 700 ألف، ليشكلوا بذلك ثاني أكبر جنسية وافدة إلى البلد بعد الهندية التي يتمركز العدد الأكبر منها في العمالة الرخيصة الأجر.
إذا صحت التقديرات، فستكون الإمارات أول بلد عربي يفوق عدد الوافدين إليه من جنسية عربية واحدة، عدد السكان الأصليين.
في دبي اليوم لا يمكنك إلا أن تلتقي برجل أعمال أو مستثمر سوري، اضطر إلى ترك بلده بسبب الأحداث، ويبحث بالتالي عن فرصة استثمارية جديدة. تقول مصادر اقتصادية متابعة إن معظم الاستثمارات السورية خلال السنوات الثلاث الأخيرة تمركزت في القطاعات السياحية والعقارية والصناعية بشكل رئيس. وقد انعكس ذلك جلياً في العدد الكبير من المطاعم والمقاهي السورية التي افتتحت أبوابها أخيراً وباتت تنتشر في معظم أرجاء دبي، لتشكل المنافس الأبرز للبنانيين في هذا القطاع.
وإلى السياحة، عمد العديد من الصناعيين السوريين (لا سيما الحلبيين) إلى نقل رؤوس أموالهم وخبراتهم بعد تدمير مصانعهم أو توقفها عن الانتاج إلى دولة الإمارات. واليوم هناك عدد لا بأس به من المصانع السورية دخل في شراكات مع صناعيين محليين في مجال صناعة الزجاج والجلديات والبلاستيك.
على ما يبدو، إنه زمن دبي الاقتصادي. الخروج السريع من الأزمة المالية التي عصفت بها خلال عام 2008، والمؤشرات الإيجابية التي تسجلها على أكثر من صعيد، والاستفادة من تداعيات "الربيع العربي"، كلها أمور تجعل من الإمارة اليوم الفرصة الأنسب للاستثمار أقله في المدى المنظور. القطاع الخاص اللبناني لحق بالركب، فهل تخبئ الأيام فقاعة جديدة؟ الكثيرون يتساءلون. لكن يبدو أن الخيارات ليس كثيرة.