مونتريال | نوافذ كثيرة تُفتح وتُغلق أمام الاستثمارات في لحظة حول العالم. تشريعات تحفّز رأس المال الأجنبي للقدوم والمغامرة، أخرى تفرض الإجرات الحمائية وإن كان ذلك يفرض بحدود معينة الاستغناء عن رأس المال الأجنبي.
كيف يُمكن رصد الفرصة المؤاتية لتنفيذ الاستثمار في إطار هذا النظام العالمي الشرس؟ هناك طرق ومعايير متعددة يُمكن الركون إليها، ولكن أهمها اليوم هو التطلع إلى الفرص الاستثمارية من منظور عالمي يفتح آفاق المستثمرين على ما يدور في خلد المبتكرين في أصقاع الأرض، ويُمكنهم من تطوير التجارب القائمة أو نسخها إلى الوطن الأم بتعديلات عادية.
يتساءل كثيرون عما إذا كان المستقبل القريب سيشهد تطوراً قياسياً في سعر سهم بضعة شركات، تماماً كما حدث مع سهم شركة «آبل». (يُشار هنا إلى أنّ ملكية بنسة الثلث في الشركة الأميركية منذ انطلاقتها كانت لتؤمن 190 مليار دولار، وفقاً لسعر السهم الحالي.)
يراوح معدل فشل عربات المأكولات بين 10% و20% فيما يرتفع إلى 90% في حالة الاستثمار العادي في مطعم


من كان يعتقد أن تطبيقاً مثل WhatsApp سيدر على مؤسسيه أكثر من 20 مليار دولار (بين أسهم ودفعات نقدية)،ـ وهذه الشركة بالكاد تضم 50 موظفاً يديرون الدردشات الكونية بناء على شبكة إنتاج فاعلة؟
من كان يتصوّر أن شركة Oculus Rift – المختصة بأجهزة محاكاة الواقع - وبعد أقل من عامين على انطلاقتها، ستبلغ قيمتها ملياري دولار في إطار العقد الموقع مع Facebook لشرائها؟
ربما كثيرون فكّروا بهذه الأسئلة والمنتجات التي تفترضها، ولكن لباقي المجتمع فإنّ الابواب لا تزال مفتوحة، إمّا لطرح منتج جديد في السوق أو تطوير منتج قائم فعلاً وجعله مطلوباً من الشرائح العمرية كافة.
إذاً، من المستحيل تحديد من هي الشركة التي ستكون «غوغل» الثانية، ولكن ليس صعباً على الخبراء والمحللين رصد الانماط الأساسية التي ستحكم عملية الابتكار وبالتالي درّ الارباح.
عموماً، تستند التقديرات المختلفة حول الأنماط الاستهلاكية المقبلة إلى واقع أن الطبقى الوسطى في العالم إلى ازدياد على الرغم من اتساع الهوة بين أصحاب المداخيل المرتفعة وأولئك الموجودين على أسفل سلم الدخل. من هنا تُطوَّر الأفكار الخاصة بمنتجات الرفاهية متوسطة السعر إنما ذات الفوائد المرتفعة والقيمة الابتكارية العالية.
أخيراً كشفت الشركة السويدية Hovding النقاب عن خوذتها المبتكرة الخاصة بقيادة الدراجات الهوائية: هي فعلياً الخوذة الخفية، فهي ليست خوذة بالمعنى التقليدي بل عبارة عن كيس دفاع هوائي (Airbag) يرتديه سائق الدراجة حول عنقه وويتحول إلى إطار يحمي رأسه من الصدمات في حال وقوع الحادث.
لا يلائم هذا المنتج كلّ شرائح المستهلكين، غير أن الفئة التي يُصنّف فيها – وهي أكسسوارات الهواية أو التكنولوجية التي تأسر شباب الطبقى الوسطى – إلى توسّع وتشمل أدوات وابتكارات اضحى من الصعب مقاومتها في حال أراد المرء ممارسة الهواية أو الاستمتاع بنشاط بدرجات عالية.
وبالانتقال من أكسسوارات الطبقى الوسطى إلى الاجهزة التي تحكم حياتنا اليومية: لا شك في أن الهاتف الذكي أضحى محور الحياة التكنولوجية، الاجتماعية والعملية. لذلك فإنّ الاستثمار المبتكر لا يُمكن أن يتجاهله. من بين الانماط الكثيرة اللافتة المتعلقة بهذا الجهاز الذي يتفوق على الحاسوب التقليدي بالقوة والأداء ويصغره أضعافاً، يبرز اتجاه تأسيس الشركات الاستثشارية لتقديم حلول لمختلف الشركات للتركيز أكثر على الأجهزة النقالة؛ أكان على مستوى التسويق، الدعاية أو حتّى ابتكار المنتجات.
بحسب جايمس ترنر، وهو مؤسس شركة الاستشارات «التسويق في 60 ثانية» وصاحب كتاب Go Mobile (أي التحول إلى الحياة النقالة)، فإنّ أبحاث شركته توصلت إلى أنّ «عدد الأشخاص في العالم الذين يملكون جهازاً نقالاً (أكان خلوياً أم حاسوباً لوحياً...) يفوق عدد الذين يملكون فرشاة أسنان». بعد معطى كهذالا يُمكن سوى الجزم بأنّ المستقبل هو صنيعة الأجهزة النقالة، وأن الاستثمار الذكي في بيئتها المتكاملة من الصعب أن يخيب.
ومن التكنولوجيا التي تُصبح مملة في كثير من الأحيان وتفرض العودة إلى الجذور وإلى ملذات الحياة المادية، إلى الموضة. في لندن، وتحديداً في شارع كارنابي، يُمكن للمستهلك العادي أن يصمّم القميص الذي يرغب به مباشرة في المتجر حيث يُحدّد الرسم والألوان التي يهواها لتتم طباعتها مباشرة على كنزته الجديدة. ما اعتمد عليه القيمون على متجر YrStore الذي يُقدّم هذه الخدمة هو مفهوم لتحقيق انخراط أكبر للمستهلك في تصميم الثياب التي سيرتديها، ويبدو أن هذه الفكرة تكتسب مزيداً من الحماسة وتبدو إيراداتها محصنة نظراً لحماسة مستهلك القرن الواحد والعشرين لكل مشروع يضمن مشاركته في صنع المنتج النهائي.
وعلى المستوى الإداري أيضاً يبرز مجال إدارة الموارد البشرية إذ يرتسم نمط لا يُمكن تجاهله. بنهاية العام المقبل، سيبلغ عدد الموظفين الجوالين - أي غير المستقرين بشكل روتيني نهائي وراء مكتب معين في مبنى معين إنما يخدمون شركتاهم وهي في حركة مستمرة – 1.3 مليار عامل. عدد هائل يساوي بالحد الادنى خِمس البشرية مجتمعة.
من بين الأفكار والتطبيقات الاستثمارية المباشرة في هذا المجال، البرامج والتطبيقات التي تتيح لرب العمل أو لوحدة إدارة خلايا العمال مراقبة أداء موظفيها عن بعد وقياس الإنتاجية وصولاً إلى صوغ التوجيهات لرفعها.
ومن إدارة الموارد البشرية إلى قطاع المطاعم والضيافة، حيث يُمكن الحديث عن أنّ النمط هو الاستثمار في عربات مأكولات الرصيف أي المأكولات السريعة التي تُحضّر وتُقدّم عبر تلك الشاحنات الصغيرة. يشهد هذا المجال من خدمة المطاعم نمواً مطرداً تحديداً في أميركا الشمالية حيث ثقافة المأكولات السريعة، ولكن حتّى في بعض شوارع باريس تجد النسخ المنمقة عن مأكولات أميركا.
باختصار من المتوقع أن تنمو سوق هذه المطاعم النقالة إلى 2.7 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها. ولكن الأهمّ من النموّ الخام هو مستوى المخاطرة المنخفض مقارنة بالمطعم التقليدي. بحسب خبراء القطاع فإنّ معدّل الفشل يراوح بين 10% و20% في الأوّل فيما يرتفع إلى بين 60% و90% في الثاني.
إذاً، كيف سيستقر الاختيار بين هذه العوامل وربما اجتراح أخرى للوصول إلى استراتيجية استثمارية صحية في المدى المتوسط؟ الجواب لا يكمن فقط حركة سعر السهم بل في الرؤية التي تحكم شركته وفاعليتها نسبة إلى بيئتها ومحيطها. وهذا ما يجب أن يتنبه إليه المستثمر العربي.




ركز على الغذاء وعلى التكنولوجيا الشخصية


مهما يشهد العالم من تغيرات هناك خمسة أنماط أساسية يجب دوماً التنبه إليها في تطوير الأفكار الاستمارية. هذا ما يجزمه تقرير أعدّته إدارة العمليات الاستثمارية في المصرف الأميركي العملاق «بنك أوف أميركا – ميريل لينش».
أوّلاً، محدودية الموارد الطبيعية مثل الغذاء والطاقة والمياه. ثانياً، لا يُمكن إنجاز الخدمات النوعية في المجالات التكنولوجية المتقدجمة من دون الابتكار عبر شركات تكسر التقليدي والبليد في السوق. ثالثاً، ستتأثّر القرارت الاستثمارية مستقبلاً باتساع هوة الدخل في العالم، بارتفاع معدل أعمار سكان الأرض إضافة إلى السعي لتحقيق عدالة اقتصادية أكبر بين الرجال والنساء. رابعاً، ستبقى الحكومات – أي القطاع العام – قوة فاعلة في الأسواق وفي المفاصل الاقتصادية بأشكال مختلفة لذا من المهم رصد إدارتها لتدفق رأس المال وكيفية تفاعلها مع القطاع الخاص. خامساً، الأسواق بحدّ ذاتها تحتاج إلى مراقبة دقيقة لرصد نمط التحول ربما من الاستثمار في الأصول الثابتة إلى الأسهم.
في الخلاصة يتحدّث محللو المصرف الأميركي عن آفاق قوية لازدهار شركات الهندسة الغذائية التي تعتمد على التعديلات البيولوجية للتوصل إلى محاصيل تقاوم الجفاف والعوامل الطبيعية الأخرى، أو يكون عائدها أكبر من المعتاد. كذلك يشيرون إلى مستقبل مزدهر لشركات التكنولوجيا الخاصة بالتصنيع وبالطاقة، لشركات الخدمات الطبية المشخصنة – أي التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة لتقديم النصح والعلاج لكل فرد وفقاً لوضعيته.