وركزت الرابطة غالبية نشاطاتها الأكاديمية على تطوير الجوانب الثقافية مع الصين، التي شملت الآداب، والفنون، والسياحة، والبيئة، والشباب، والنظم السياسية والمالية والإدارية، وتدريس اللغة الصينية، والترجمة المباشرة بين الصينية والعربية، وغيرها. وأنجزت جميع مؤتمراتها الأكاديمية ونشاطاتها الأخرى بالتعاون مع سفارة جمهورية الصين الشعبية في لبنان، والجامعة اللبنانية، وجامعة سيدة اللويزة، وجامعات صينية، وجمعية الصداقة للشعب الصيني مع الشعوب الأجنبية، وجمعية الصداقة الصينية - العربية. وتوزعت النشاطات الأكاديمية ضمن حقول معرفية متنوعة، أبرزها تبادل الأساتذة، والمنح الطلابية، والمؤتمرات الشبابية، والحوارات الفكرية، ووفود من كليات السياحة، والترجمة، والفنون، والاقتصاد، وإدارة الأعمال، والصحة العامة، وتوأمة المدن، والندوات السياسية، وغيرها.نشرت الرابطة كتابين، الأول بعنوان: «العلاقات اللبنانية – الصينية»، الذي تضمن أعمال المؤتمر الأكاديمي الأول الذي عقد في فندق البريستول في بيروت بتاريخ 9 أيار 2005، وصدر عن دار الفارابي في العام نفسه. والثاني بعنوان: «الاستثمارات المتبادلة بين لبنان وجمهورية الصين الشعبية»، وتضمن أعمال المؤتمر الأكاديمي الثالث الذي عقد في جامعة سيدة اللويزة بتاريخ 16 تشرين الثاني 2007، وصدر عن منشورات الرابطة ببيروت عام 2008. ولدى الرابطة عدد كبير من المقالات الأكاديمية المتميزة التي قدمت إلى مؤتمراتها.
نشير هنا إلى حدث أكاديمي بارز تجلى بافتتاح معهد كونفوشيوس في جامعة القديس يوسف ببيروت عام 2006 بدعم من سفارة الصين في لبنان، وبمشاركة جامعة صينية. فكان له دور أكاديمي رائد في تدريس اللغة الصينية، وتقديم نماذج من ثقافات الصين التقليدية المتنوعة.
في عام 2013، عقدت الجامعة اللبنانية، بمشاركة فاعلة من الرابطة ومن سفارة الصين في لبنان، اتفاقيات أكاديمية مع أربع جامعات صينية، هي: جامعة بكين، وجامعة الدراسات الأجنبية في بكين، وجامعة اللغات الأجنبية والسياحة في بكين، وجامعة شانغهاي للدراسات الدولية. فتزايد حضور الأساتذة الزائرين والبعثات الطلابية في لبنان والصين. واعتمدت اللغتان الصينية والعربية في الحوار بين الجانبين. ونجحت الجهود في استقدام أساتذة صينيين لتدريس الصينية في مركز اللغات والترجمة بالجامعة اللبنانية منذ عام 2014. وبدأ إرسال المتفوقين من طلاب اللغة الصينية في دورات تدريبية إلى معهد كونفوشيوس في الصين. ويستقبل المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الاجتماعية بالجامعة اللبنانية سنوياً عدداً من طلبة الماستر والدكتوراه من جامعات شانغهاي وبكين.


نشط التبادل الأكاديمي بين لبنان والصين على نطاق واسع، وشهدت الترجمة المباشرة بين الصينية والعربية مرحلة واعدة في لبنان عبر ترجمات أكاديمية من المصادر الصينية إلى العربية. فنشرت مؤسسة الفكر العربي في بيروت نماذج مختارة ومتميزة منها. وباتت المؤلفات الكلاسيكية الصينية معروفة لدى الأكاديميين العرب، ويجري نقل بعضها مباشرة عن الصينية إلى العربية، وأبرزها: كتاب الحوار لكونفوشيوس، وكتاب منشيوس، وكتاب تشوانغ تسي، وكتاب لاو تسي، وكتاب فن الحرب لسون تسي، وكتاب التحولات، وقصائد تشو، وقصة حب في المقصورة الغربية، وأبطال على شاطئ البحيرة، ورحلة إلى الغرب، وحلم القصور الحمراء، ومختارات من حكايات لياو تشاي العجيبة، وغيرها.
تضمنت تلك المؤلفات مقولات نظرية مهمة وتأملات حول ذهنية الشعب الصيني منذ القدم في نظرته إلى الإنسان والطبيعة، وتفسير الأبعاد الثقافية بطريقة صحيحة، وتحليل الثقافة الصينية انطلاقاً من لغتها الأصلية. وتبرز بوضوح دور الكونفوشيوسية، والطاوية، والبوذية لأنها تشكل مجتمعة النواة الصلبة للثقافة الصينية التقليدية. ولم يقتصر التبادل الأكاديمي بين الجامعات اللبنانية والصينية على التعريف بالأعمال الأدبية والفنية والفكرية، بل تعداه إلى المعارف العلمية والتقنية والطبية. فالصين اليوم في مرحلة متقدمة في بناء مجتمع المعرفة الصيني الذي يشكل نموذجاً يحتذى في مجال إقامة التوازن الدقيق بين الأصالة والمعاصرة.
وبالتعاون بين الرابطة اللبنانية - الصينية للصداقة والتعاون ومركز اللغات والترجمة بالجامعة اللبنانية من جهة، وجامعات وروابط صينية من جهة أخرى، عقد الملتقى الأول للترجمة بين العربية والصينية أولى جلساته في كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين بتاريخ 31 أيار 2016. ثم استكمل الملتقى جلساته بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية في مؤتمر «التبادلات الثقافية والإنسانية بين الجانبين الصيني والعربي» خلال يومي 4 و5 حزيران 2016، بمناسبة إحياء ذكرى مرور ستين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية. وقدم الجانب اللبناني أبحاثاً عدة تبرز آفاق التفاعل الثقافي بين العرب والصينيين، ودور الترجمة في المثاقفة بين الحضارتين العربية والصينية، وترجمة العلوم ودورها في التبادل المعرفي، وفي التواصل الثقافي بين الشعوب.
حشد الجانب الصيني عدداً كبيراً من الأكاديميين الصينيين، توزعت أبحاثهم ضمن محاور ثلاثة: أبحاث الأساتذة والخبراء والدبلوماسيين الصينيين المشهود لهم في مجال الترجمة بين العربية والصينية، ومنتدى المترجمين الصينيين لطلبة الدكتوراه، ومنتدى المترجمين الصينيين لطلبة الماجستير. فشكل المؤتمر نقلة نوعية في العمل الأكاديمي في مجال الترجمة.
عام 2013، عقدت الجامعة اللبنانية، اتفاقيات أكاديمية مع أربع جامعات صينية


عقد المؤتمر الأكاديمي الثاني للترجمة المتبادلة بين الصينية والعربية في مركز اللغات والترجمة بكلية الآداب في الجامعة اللبنانية خلال يومي 25 و26 تشرين الأول 2017، وقدمت إليه أبحاث أكاديمية مهمة أسهمت في تعزيز العلاقات الثقافية بين الصين ولبنان.
أخيراً، تداعت جامعات لبنانية وصينية إلى تفعيل العلاقات الأكاديمية فيما بينها وفق برامج مدروسة، فدخلت العلاقات الأكاديمية مرحلة نوعية تميزت بانعقاد ملتقيات سنوية تجمع أكاديميين، وفنانين، وطلاباً جامعيين من الجانبين. وشهد عام 2019 لقاءات مكثفة بين مسؤولين أكاديميين صينيين ولبنانيين، لإعداد طلبة الماستر والدكتوراه في مركز الدراسات الصينية في كلية الحقوق والعلوم السياسية بالجامعة اللبنانية. ومن المتوقع أن يمنح المركز شهادة الماستر في الحقوق والعلوم السياسية بمساعدة أكاديميين صينيين من جامعة شنغهاي للدراسات الدولية. وبدأت الصين مرحلة بناء المعهد الوطني للموسيقى والتعليم العالي في لبنان بهبة صينية كبيرة ليشكل صرحاً ثقافياً للبنان والمنطقة العربية. يضمّ المشروع قاعة كبيرة للحفلات، وقاعة للأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية، وقاعات للمحاضرات، والأرشيف الموسيقي، ومكتبة موسيقية.
ختاماً، أسهم الحوار الأكاديمي اللبناني - الصيني في تحليل الأبعاد الثقافية، والإعلامية، والفلسفية، والحضارية. وقدمت الأبحاث الأكاديمية رؤية ثقافية معمقة حول دور المؤتمرات الأكاديمية في تعزيز التفاعل الثقافي بين لبنان والصين. وهناك حاجة ماسة لتعزيز العلاقات الأكاديمية ونشر المعرفة المتبادلة عبر دراسات علمية رصينة تعالج قضايا التراث، والثقافة، والتاريخ، والعلوم، والفنون، والآداب وغيرها. وبات التواصل المستمر عبر الحوار الأكاديمي بين الجامعات اللبنانية والصينية قاعدة صلبة لتوليد جيل من الباحثين الأكاديميين الشباب، ومترجمين أكفياء يتقنون العربية والصينية. وهم بحاجة إلى الرعاية، والدعم المالي، والمنح البحثية، ونشر ترجماتهم. وذلك يتطلب إعداد رؤية أكاديمية معمقة لتنشيط المؤتمرات المتبادلة التي تعزز التفاعل الأكاديمي. وما زالت الرابطة تُسهم سنوياً في تطوير الحوار الأكاديمي بين جامعات لبنانية وصينية. ويستضيف لبنان سنوياً عدداً متزايداً من الأكاديميين والطلبة الصينيين، وتستضيف الصين كذلك المزيد من الأكاديميين والطلبة اللبنانيين ضمن برنامج التبادل الأكاديمي. وانتشر تعليم اللغة الصينية على نطاق واسع في السنوات العشر الماضية عبر مركز كونفوشيوس في جامعة القديس يوسف، ومركز اللغات والترجمة في الجامعة اللبنانية، بالإضافة إلى نشاطات أكاديمية مع الصين تقوم بها الجامعة الأميركية في بيروت، وجامعة الجنان في طرابلس، وجامعات ومؤسسات أكاديمية أخرى في لبنان والصين.
* رئيس الرابطة اللبنانية - الصينية للصداقة والتعاون