من هواة إلى محترفاتتقول ليال (ثلاثينية ووالدة لطفلتين) إنها استغنت عن زيارة الصالون بنسبة 70%، كونها تعتمد على اليوتيوب وعلى نفسها لتطبيق مكياج متميّز أغلب الوقت، ما خلا المناسبات المهمة التي تقصد لأجلها مزينين محترفين. وتؤكد أن مهاراتها تطوّرت كثيراً بحكم مشاهدتها الفيديوهات، وفي كثير من الأحيان لا تجد فرقاً بين ما تقوم به وما يقوم به المزينون المحترفون، خصوصاً أن من يتابع بعض الفيديوهات سيكتشف أن بعض الخدع التي تُستخدم والتقنيات مبهرة فعلاً ومن يقومون بها يعطون شرحاً مفصّلاً لكيفية تطبيقها مما يسهل المهمة. بالمختصر، يكفي شراء المواد وقضاء الوقت في المشاهدة والتعلم واكتساب المهارات رويداً رويداً. وتضيف ضاحكةً: «أساساً البسيط هو الدارج ولم يعد المكياج الكثيف رائجاً أو جذاباً».
من جهتها تعتبر ديانا (عشرينية، والدة لطفلة واحدة) أن من منافع «المكيجة» المنزلية توفير الوقت وعدم اضطرارها إلى الالتزام بمواقيت محددة يفرضها في كثير من الأحيان المزيّن وفقاً لجدول أعماله. وبالتالي، باتت تشعر براحة أكبر في المنزل وتكتفي بزيارة الصالون خصوصاً عند الحاجة إلى صبغ الشعر. أما يارا (عشرينية، عزباء) فتؤكد أن الحاجة للصالون أصبحت تنحصر بالخدمات التي تحتاج إلى المعونة كطلي الأظافر والواكس، فيما المتطلبات البسيطة كالمكياج العادي والعناية اليومية بالشعر وتمليسه يومياً ليست سوى مصاريف إضافية يمكن التخلي عنها لقاء مجهود شخصي بسيط.

الإعلانات التقليدية تفقد جاذبيتها
لا يمكن حصر قوة وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً اليوتيوب وتأثيرها الهائل على النساء في مجال التزيين بالنواحي المادية فقط. صحيح أن تعلم كيفية «التمكيج» بطريقة احترافية وبسيطة يوفر الكثير من الأموال، إلا أن المسألة أكثر تعقيداً وتضرب قطاع التسويق التقليدي في الصميم. وبحسب خبير التسويق العالمي بي جاي كيتو، فإن اليوتيوب أغلق الباب على المسوّقين التقليديين الذين اعتادوا تسويق المنتجات من خلال جلسات تصوير احترافية تتضمن عارضات أزياء عالميات أو مشاهير في عالم السينما والرياضة. وإضافة إلى معرفة النساء بأن الفيديو والصور النهائية المعروضة يتم التلاعب بها عبر تقنية الفوتوشوب فإنهن أيضاً على دراية بالمبالغ الطائلة التي يتقاضينها لقاء المشاركة في الإعلان وهو ما يفقد المنتج الكثير من المصداقية. في هذا السياق فإن الإعلانات الترويجية التقليدية فقدت الكثير من جاذبيتها لدى النساء بصفتهن مستهلكات، إذ لم يعدن يتأثرن بما يعرض عليهن وبات يصعب خداعهن بسهولة.
3% يشاهدون المحتوى الذي تنشره الشركات العالميّة المصنّعة لمواد التجميل، مقارنةً بـ 97% يفضلون مشاهدة الفيديوهات التي ينشرها المؤثرون


ميزة ما يقدمه «المؤثرون» في مجال التجميل عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو قدرتهم على تطبيق المكياج عبر فيديو مباشر وإظهار النتائج على صورتها الحقيقية من دون تزييف، خاصة أنهم ملزمون بالكشف إن كانوا قد تلقوا أموالاً أو خدمات مجانيّة في فيديوهاتهم لقاء استخدام منتجات معيّنة، وهو ما يزيد من مصداقية ما يعرضونه. أضف إلى ذلك الأسلوب الأكثر حميمية الذي يعتمدونه من خلال مخاطبتهم للجمهور والذي يمكن تشبيهه بالتواصل من فرد لفرد، مقارنةً بأسلوب التواصل الذي تنتهجه الشركات العالميّة في إعلاناتها والتي تقوم على الخطاب مع الجمهور على قاعدة شركات لأفراد. أما أحد أبرز أسباب جاذبية هؤلاء المؤثرين فهو قدرتهم على تعليم المشاهدات تقنيات احترافية مذهلة بطريقة سهلة وسلسة بإمكان أيٍّ كان تطبيقها من خلال اتباع الخطوات المفصّلة بدقة. ولمن يستصعب الأمر في البداية يكفي إعادة الفيديو مراراً وتكراراً...

هيمنة الـ Vloggers
تكشف الإحصائيات أن عدد مشاهدي فيديوهات تعنى بالتجميل والتزيين على يوتيوب شهرياً يتخطّى 700 مليون مشاهدة، فيما يتجاوز عدد الفيديوهات التي تتناول هذا القطاع عبر هذه المنصة الـ 50 مليار فيديو! اللافت هو أن 3% من مجمل مشاهدي هذه الفيديوهات يشاهدون المحتوى الذي تنشره الشركات العالميّة المصنّعة لمواد التجميل، مقارنةً بـ 97% يفضلون مشاهدة الفيديوهات التي ينشرها المؤثرون والأفراد العاديون. أما الأبحاث المرتبطة بالتجميل على يوتيوب والتي تستخدم كلمات مفتاحية مرتبطة بالشركات العالميّة فلا تتخطى نسبتها 2.5% فقط. كما يصل عدد القنوات المتخصّصة بالتجميل والمكياج على يوتيوب إلى 45 ألف قناة ذات منشأ خاص مستقل لا يرتبط رسمياً بشركات التجميل.
في السياق عينه يبيّن موقع Statista أن عدد مشاهدات فيديوهات التجميل عبر يوتيوب قفزت إلى أكثر من 110 مليارات مشاهدة إضافية بين عامي 2016 (59 مليار مشاهدة) و2019 (169 مليار مشاهدة).
تظهر هذه الأرقام أن المؤثرين أو الأفراد الذين ينشرون فيديوهات على يوتيوب والمعروفين بـ Vloggers أصبحوا فعلياً هم من يتحكمون بمستقبل العلامات التجارية والمنتجات وبقطاع التزيين بأسره، وذلك من وراء شاشة هاتفهم ومن داخل غرف نومهم! وقد بلغ تأثيرهم حدّاً فرض على الشركات العالميّة التعاقد مع الكثيرين منهم لتسويق منتجاتها. أما بعضهم ممن بنوا شهرة هائلة فوصل الحال بهم إلى إطلاق منتجاتهم التجميلية الخاصة، عوض القيام بمراجعة منتجات الشركات وتقييمها وهو ما سمح لهم بتحقيق ثروات طائلة وحتى فرض في الكثير من الحالات على شركات عالميّة إما شراء حصص في العلامات التجارية التي أطلقوها أو شرائها بمبالغ طائلة.