زحلة | إن كان ظاهر الحرب الأسطورية في طروادة اليونانية قديماً، خطف الحسناء هيلين، فإن حقيقتها كانت الطمع بالسيطرة الاقتصادية والمالية على مقدرات تلك المملكة الناجحة. في زحلة اليوم قصة مشابهة، بطلاها ميشال ضاهر وأسعد نكد، لا "أجاممنون" و "هيكتور".يطمح النائب ضاهر إلى أكثر من الـ "كهرباء" في زحلة. هناك من أقنع الثري القادم من صفقات الخارج، بأنه قادر على أن يكون "زعيم الكواتلة" الأول في البلد.
قبل الانتخابات الأخيرة، يسّر ضاهر لعدد من الحلقة الضيقة المحيطة به أن خسارة ميشال فرعون المرتقبة في قلب بيروت، ستكون الفرصة الذهبية التي قد لا تتكرر كي ينصّب هو نفسه الزعيم الأقوى للكاثوليك في لبنان. يرى ضاهر أنه لا ينقصه شيء من "عدة الشغل" المطلوبة للنجاح في اللعبة السياسية المحلية. المال، النفوذ، الحصانة النيابية، العلاقات، الشركات، المصانع... يبقى ملف حيوي في المنطقة التي ينتمي إليها يريد أن يضع يده عليه، إنه ملف "كهرباء زحلة"، لماذا؟

شخصنة متوترة
لفهم الصراع المندلع اليوم بين ضاهر وشركة كهرباء زحلة، في الشكل والتوقيت، لا بد من فهم العلاقة الشخصية التي تحكم الرجل بمدير عام "كهرباء زحلة" أسعد نكد. لا يخفي ضاهر منذ سنوات كرهه لنكد الذي بنى مجده على نجاح تجربة الكهرباء 24/24 وكادت أن توصله إلى قبة البرلمان. كثيراً ما احتدت الأمور بين الرجلين حتى حين كانا يلتقيان في حضرة جبران باسيل نفسه، وهما المرشحان على اللائحة ذاتها.
بحسب عارفين، يرى الضاهر في نكد ونجاح كهرباء زحلة تهديداً شعبوياً لزعامته المستجدة، يريد إقفال هذا الباب الذي يأتيه منه الريح. الآن هو الوقت المناسب لذلك.
قبل أيام قليلة، تلقت شركة كهرباء زحلة كتاباً، عادة ما تتلقى مثله في شكل دوري من وزير الطاقة سيزار أبي خليل عبر شركة كهرباء لبنان. يذكّر الكتاب إدارة كهرباء زحلة بأنها تعمل في شكل غير شرعي وعليها التوقف عن العمل وإعادة الترخيص لشركة كهرباء لبنان أواخر العام الحالي.
ليس الأمر غريباً، فقد درج أبي خليل منذ تسلمه منصبه على إرسال كتاب كهذا كل فترة لكهرباء زحلة. اللافت أن الشركة تلقت الكتاب في شهر تموز الفائت، وهو مؤرخ بتاريخ شباط 2018. هنا يبرز تفسير لتوقيت حملة الهجوم على الشركة، إذ إن هناك من "جمد" إرسال هذا الكتاب إلى أسعد نكد للاستفادة منه ومن حيثيته في فترة الانتخابات النيابية، ثم غدر به، وأعطى الضوء الأخضر للانقضاض عليه.
هكذا تتحكم الشخصنة في بلد كلبنان، بالاقتصاد وتؤثر في قطاعاته كلها، ودوماً ما يكون المتضرر الأكبر المواطن العادي. أما السؤال الكبير في زحلة والبلدات المحيطة بها اليوم فهو، ماذا لو امتثلت الشركة لطلب وزارة الطاقة وتوقفت عن العمل في شكل مباشر؟ ما هو البديل المتوافر اليوم، وهل سيكون قادراً على إكمال المسيرة بالطريقة نفسها؟ في قطاع الكهرباء في لبنان، تبدو الإجابة كارثية، فالأدلة ماثلة أمام الجميع من دير عمار إلى بواخر الطاقة، مولدات الأحياء. الأكيد أن زحلة مقبلة على مشكل سيعيدها إلى حضن الوطن، ولكن من دون 24/24 هذا المرة.

المطران درويش
في حديثه لـ "الأخبار" يحيي رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك، المطران عصام درويش، "شجاعة وقوة وتصميم أسعد نكد الذي عانى كثيراً ليؤمن الكهرباء لمدينة زحلة وجوارها 24/24".
ويوضح: "ما يهمنا هو المحافظة على الوضع القائم والمكتسبات من حيث ساعات التغذية، وفي حال لم تتمكن الدولة من تأمين الكهرباء على مدار الساعة – وهو ما يبدو أنها غير قادرة عليه – فإنني سأسعى وبكل قوتي للتجديد لأسعد نكد لحين ما تصبح الدولة قادرة. فأنا أخاف أنه في حال لم يتم تجديد الامتياز وعدم إيجاد البديل أن نعود إلى الفوضى التي كانت سائدة".
وفي ما يختص بالجدل القائم بين النائب ميشال ضاهر وشركة كهرباء زحلة، يكشف درويش أنه قد "دعيت كل من سعادته والأستاذ أسعد نكد للاجتماع في 8 الشهر الجاري وقد تجاوب الطرفان، وكنت أتمنى لو أن الأمور لم تصل إلى هذا الحد ويستخدم فيها الإعلام إذ إنني ولو كنت على علم بما قد يجري لكنت دعوتهما للاجتماع مسبقاً. لكن في النهاية فالجميع يريد مصلحة زحلة والمنطقة، وهذا ما يتفق عليه الجميع ولا أحد يبحث عن مشكل.
ويختم: "أتمنى من جميع الفعاليات الاجتماع والتعاون مع بعضها البعض لخدمة المدينة وقضاء زحلة، كما أدعو جميع المناطق للتمثل بتجربة كهرباء زحلة لحين تصبح الدولة قادرة على تولي المهمة وتوفير الكهرباء 24/24".

ليعتبروا نكد تركيا
من جهته، يؤكد رئيس بلدية علي النهري أحمد المذبوح أنه "في حال عدم تجديد الامتياز أو تأمين بديل يضمن المحافظة على الوضع القائم من حيث ساعات التغذية الكهربائية 24/24 فنحن حتماً مقبلون على كارثة. وبدل أن ينصب تفكير المعنيين في كيفية إيجاد مخرج لأزمة الكهرباء التي تستنزف الاقتصاد والمواطنين على مستوى الوطن فإنهم يبحثون عن كيفية جر منطقة - أمنّت حلاً لمشكلتها- نحو الكارثة الكهربائية من جديد".
ويسأل: "ما هي الخيارات البديلة التي يقدمونها لنا؟ هل من نموذج واحد ناجح في لبنان يمكن الركون إليه لنطمئن؟ والسؤال الأكبر هو طالما أن الحكومة تعاقدت مع الشركة التركية لتأمين بواخر لإنتاج الكهرباء فلماذا لا يتم تجديد امتياز كهرباء زحلة وتستفيد شركة لبنانية من الموضوع؟ فليعتبروا أسعد نكد تركياً في هذه الحال".
من جمّد إرسال كتاب التوقّف عن العمل إلى نكد حتى إنتهاء فترة الإنتخابات؟


ويرى المذبو ح أن "المسألة يجب أن تتخطى إطار تجديد امتياز كهرباء زحلة نحو تعميم هذا النموذج في كل لبنان. فتجربتنا كأبناء للمنطقة مع شركة كهرباء زحلة ممتازة سواء على صعيد المنازل أو المعامل والمتاجر وغيرها. الخطير في الموضوع أن القضية ليست قضية كهرباء فقط، فأي مس بالنظام القائم حالياً سيؤدي إلى الإضرار بقطاعات أخرى وأبرزها المياه، إذ إنه وحتى مع توفير الكهرباء على مدار الساعة كما هي الحال الآن والمياه تؤمن على "القد"، فكيف في حال التقنين؟؟؟".

الرئيس وعدنا
بدوره، يؤكد رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب "لسنا على استعداد للعودة إلى الوراء ونحن لن نقبل بأي دقيقة أقل من 24/24 أياً كان من سيؤمن الكهرباء. وقد قابلنا فخامة الرئيس وهو وعدنا بأنه ستتم المحافظة على الوضع القائم في زحلة من حيث ساعات التغذية الكهربائية، بغض النظر عن الطريقة".
ويوضح: "في حال سيتم تجديد الامتياز لشركة "كهرباء زحلة" سنطالب بأن يوضع في كل منزل عدادان للكهرباء، واحد لكهرباء الدولة وآخر للموتور أو الشركة التي ستؤمن الكهرباء ونحن بالتالي نريد فاتورتين وليس فاتورة واحدة، هكذا تكون الأمور واضحة، نعلم ما هو سعر الدولة وما هو السعر المقدم من الشركة أياً كانت ومهما كان السعر الذي تريد وضعه. هكذا يكون للمواطن حرية الاختيار".

خطوات تصعيدية
يكشف نائب رئيس بلدية سعدنايل محمد خير الدين أن "الكهرباء هي حديث الساعة اليوم، خصوصاً ما ستؤول إليه الأمور، إذ إن هناك تخوفاً كبيراً من العودة إلى الوضع السابق، ما سيشكل مصيبة بكل معنى الكلمة. ونحن في حال كانت هناك خطوات تصعيدية من قبل البلديات المعنية فسنكون ضمن المشاركين في التحركات لنحافظ على المكتسبات".
أما عن فاتورة "كهرباء زحلة" مقارنة بغيرها، فيقول: "أتحدى من يتحدث بهذا المنطق. فالتسعيرة أقل بكثير مما كنا ندفعه للمولدات، وفي النهاية ألسنا كمواطنين المعنيين بالقضية، فليقوموا إذاً باستفتاء ويروا ما يريده سكان المنطقة".
من جهته يرفض رئيس بلدية النبي أيلا، السيد محمود أمين السيد "العودة إلى الوضع السابق، فأساساً البنية التحتية التي كانت قائمة والتي كانت تسهل عمل الموتورات لم تعد متوافرة منذ أن استلمت كهرباء زحلة. ما يهمنا هو تأمين الكهرباء 24/24 وأن نحافظ على الاستمرارية أياً كانت الوسيلة، وفي حال كانت كهرباء لبنان قادرة على توفير التغذية الكهربائية من دون انقطاع وبتسيعرة أفضل فنحن سنكون أول الداعمين والمشجعين. لكن ما هو البديل؟".
ويوضح: "في ما يختص بتسعيرة كهرباء زحلة والحديث عن أنها أغلى من تسعيرة الدولة يجب الأخذ في الاعتبار الخدمات التي ترافق تأمين الكهرباء. فجودة الكهرباء التي تؤمنها شركة كهرباء زحلة ممتازة إضافة إلى الصيانة المستمرة والسرعة في معالجة الأعطال فمتى أخذت هذه الأمور في الحسبان يصبح الحديث عن الفرق في التعرفة ثانوياً. لذلك نحن نشدد على أننا لا نطالب فقط بالكهرباء 24/24 بل بالجودة والخدمات عينها".
* [email protected]