بدأت تبرز أخيراً دراسات متعددة تتطرق إلى الدور الفاعل للأطفال في العائلة، وأنهم تخطوا مرحلة كونهم مجرد متلقين، إلى أن باتوا أصحاب قرار محوري ومؤثر في البيت لم يعد يمكن تجاهله، وخاصة في ما يتعلق بالقرارت الاستهلاكية.
أظهر استبيان قامت به شركة "يورومونيتور" لتحليل أنماط الاستهلاك عام 2015 على مستوى العالم أنه في ما يختص بشراء الألعاب، فإن 67% من الخبراء في الولايات المتحدة وكندا ومنطقة الكاريبي اعتبروا أن الأولاد ما بين عمر 3 إلى 11 سنة يملكون نسبة مهمة من القرار، إن لم يكن القرار بكليته في قرارات الاستهلاك في هذه الدول، لترتفع النسبة إلى 69% في منطقة آسيا ــ المحيط الهادئ، و 77% في أوروبا و 82% في أميركا اللاتينية.
بالمختصر، إن التقديرات تشير إلى أن مستقبل الاستهلاك سيحدده الأطفال. لكن كيف ولماذا؟ أحد التقارير عن استقلالية الأطفال في اليابان يصور كيفية تنقّل تلامذة مدارس يابانيين ذهاباً وإياباً إلى المدرسة وحدهم من خلال قطارات مكتظة وشوارع تعجّ بمئات الآلاف من الناس، فيما يراوح عمر بعضهم بين أربع وسبع سنوات. حين تسأل إحدى الأمهات عن كيفية سماحها لابنتها بالذهاب وحيدة، وإن كانت لا تخاف عليها من أن تتوه، تجيب الأم: "في المستقبل لن أكون موجودة معها. إذا أضاعت الطريق فسيكون عليها أن تجد الطريقة المناسبة للعودة إلى المنزل".
من ناحية أخرى، تفرض المناهج التربوية الحديثة تهيئة الأطفال لبلوغ مرحلة الرشد وهم متسلحون بالمعرفة. ما كان يُعَدّ في الماضي مواضيع محرمة كالجنس والدين ومسألة الهويات، أصبح في صلب التنشئة التعليمية. إضافة إلى ذلك، إن تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، وتنوع مصادر التواصل الاجتماعي، وضعا الأولاد والأطفال على تماس مباشر مع الأخبار على تنوعها، ولم يعودوا في حاجة إلى الأهل لأداء دور الوسيط الناقل "للمعرفة".
كذلك إن بروز دور الأم العاملة، والتداخل المتنامي في الحياة بين الحياة المهنية والخاصة، يدفع الأهالي إلى محاولة تعويض غيابهم من خلال القبول بمعظم ما يطلبه أولادهم لتعويض غيابهم واستشارتهم في الكثير من الأمور والمسائل، من أي سيارة يفضلون أن يشتري الأهل، إلى أي مطعم يريدون التوجه إليه.
بالنسبة إلى خبراء الأعمال، فإن الأطفال والمراهقين هم مفتاح الاستهلاك. فهم ليسوا مجرد مستهلكين، بل محفزو استهلاك إضافي بفضل تزايد نفوذهم وأخذ الأهل برغباتهم. لكن كل هذه المعطيات لا تخلو من بعد أخلاقي يبقى طاغياً حول كيفية التعامل مع هذه الفئة من المستهلكين وضرورة حمايتها من أساليب التسويق التي قد تشكل ضرراً عليها، كإعلانات الوجبات السريعة والمشروبات الغازية... وهو ما دفع بريطانيا إلى فرض قيود معينة على الإعلانات في ساعات ذروة مشاهدة الأطفال للتلفاز.
(الأخبار)