مونتريال | تماماً كأي سلعة ثمينة تحكمها الندرة ولها حيثيتها في السوق المالية العالمية، تبرز صناعة التعدين عن الذهب على أنها من أبرز المستفيدين من ارتفاع أسعاره، إلى جانب السماسرة والمستثمرين الكبار الذين يتلاعبون بمحافظهم ويخلقون العواصف العالمية كما يحرّك لاعبو الشطرنج بيادقهم.للذهب وضعية خاصة في الاقتصاد العالمي، نظراً لدوره التاريخي القائم في حفظ الأساسيات النقدية، وبالتالي فإن استخراجه من المناجم وتأمينه للصاغة، للمجمعات الصناعية وللمصارف المركزية حول العالم هو نشاط يعني الجميع، وتحديداً البلدان التي أنعمت عليها الطبيعة بهذا المعدن بكميات اقتصادية، وللشركات التي تغنم من هذه الثروة.

صناعة مربحة

وفقاً لبيانات محدّثة نشرها مجلس الذهب العالمي أخيراً، ساهمت صناعة تعدين الذهب بأكثر من 83 مليار دولار في الاقتصاد العالمي في 2013. ولدى احتساب قيمة النشاطات الاقتصادية الثانوية المتولدة عنها يكون تأثيرها الإجمالي بقيمة 171.6 مليار دولار، أي ما يوازي أربعة أضعاف الاقتصاد اللبناني برمّته.
ومن بين البلدان الثلاثين الاولى في التنقيب عن الذهب عالمياً، أكثر من 60% هي بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل تُعدّ بحاجة ماسة إلى المشاريع التنموية والمبادرات الاقتصادية الاجتماعية باستثمارات كريمة.

الشركات تتحكم

وتروج الشركات المسؤولة عن التعدين أن نشاطاتها في ثمانية بلدان من المجموعة المذكورة ــــ من تعدين مباشر أو تفويض في النشاطات الثانوية ــــ تولّد أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في تلك البلدان. وتقول إنه في بلدين من هذه المجموعة تفوق مساهمتها 25% من الناتج.
الحديث هنا طبعاً هو عن البلدان الفقيرة في أفريقيا، ومن هنا تجد الشركات مدخلا لتأكيد الفوائد الاجتماعية التي يؤمّنها وجودها الكوني. مثلاً، تحتسب تلك الشركات أن القيمة الاقتتصادية التي ولّدها نشاط تعدين الذهب على نحو مباشر أو غير مباشر على المستوى العالمي فاقت قيمة المساعدات التنموية التي مُنحت للبلدان الفقيرة سنوياً منذ عام 2010.
لا تحتاج الشركات إلى هذا الإخراج لتأكيد أهمية وضعيتها العالمية، فهي بداية العام الماضي، كانت تُشغّل أكثر من مليون عامل في مناجمها (العديد منهم يعمل في ظروف خطيرة وبإيرادات محدودة)، ولدى احتساب النشاطات الثانوية التي تولدها عبر التفويض، فإن عدد الوظائف الإجمالية يرتفع إلى ثلاثة ملايين.
ولكن هناك أهم من ذلك. طالما أن المصارف المركزية حول العالم، من لبنان وتركيا إلى الهند شرقاً وإلى البرازيل غرباً، تطلب هذا المعدن لتراكمه في خزناتها تحوطاً من التأثير السلبي للرساميل الحامية على اقتصاداتها ومن الأزمات النقدية عموماً، وطالما أن ندرته وخصائصه الكيميائية والجمالية تُعدّ مصدر جاذبية اجتماعية، فإن التنقيب عنه سيبقى نشاطاً ذا مردود اقتصادي للشركات وللبلدان التي تكتنزه.

بنهاية الأسبوع الماضي،
هوى سعر أونصة الذهب
إلى أدنى مستوى خلال ثلاثة أشهر نتيجة مؤشرات إلى انتعاش الاقتصاد الأميركي



يقول مجلس الذهب العالمي في دراسة بعنوان التأثير الاقتصادي والاجتماعي لصناعة تعدين الذهب نشرها أخيراً، إنّ المساهمة الاقتصادية لهذه الصناعة زادت سبعة أضعاف منذ مطلع الألفية، ومن هنا يخلص إلى نتيجة يتمحور فعلياً حولها بحثه: "النمط المتوقع في هذا القطاع خلال المدى البعيد هو النمو المستمر، على الرغم من حركة أسعار النفط المسجّلة خلال السنوات الماضية".

يبقى قويا

يعني المجلس بهذا الكلام أن صناعة الذهب ستبقى قوية رغم شبه الانهيار الذي سجّلته أسعاره خلال الأعوام الخمسة الماضية. ففي قمّة فورة أسعار السلع التي شهدتها الأسواق العالمية منذ عام 2005، وصل سعر أونصة الذهب إلى مستواه القياسي التاريخي في 6 أيلول عام 2011، حين بلغ 1869.9 دولاراً، أو بما يفوق 60 ألف دولار للكيلوغرام الواحد.
في الواقع هناك شبه إجماع كوني بأن الذهب يبقى الأصل الذي لا غنى عنه في المحافظ الاستثمارية وفي خزنات العائلات، كذلك هناك إجماع في أوساط الخبراء بأن هذا المعدن سيحافظ على مكانته في العولمة في ظلّ النظام النقدي العالمي القائم؛ بمعنى آخر، طالما أن الدولار الاميركي ــــ الذي تقوّم على أساسه أسعار المعادن، السلع والنفط ــــ هو المرجعية النقدية الكونية وأن لا عملة أخرى موجودة أو مبتكرة فرضت نفسها بفعل القوة أو التحولات الاقتصادية، فإن الذهب سيبقى رهاناً آمناً، بغض النظر عن تذبذبات أسعاره في السوق.
وقد أضحى التذبذب عند مستويات منخفضة السمة التي تحكم سعر الذهب في السوق العالمية. بنهاية الأسبوع الماضي، هوى السعر إلى أدنى مستوى له خلال ثلاثة أشهر ــــ حيث بلغ 1164.7 دولار قبل أن يرتفع إلى 1171.8 دولار ــــ وذلك نتيجة مؤشرات إلى انتعاش الاقتصاد الأميركي بمعدل أكبر من المتوقع.
فقد ولّد هذا الاقتصاد 280 ألف فرصة عمل جديدة في أيار الماضي، ما يعني أن النشاط الاقتصادي ماضٍ على طريق خلق الوظائف، وبالتالي فإنّ توجه المصرف المركزي الأميركي سيكون صوب رفع الفوائد خلال فترة لاحقة من هذا العام. ورفع الفائدة يُعد خبراً سيئاً للذهب، فمعه يتوجه المستثمرون صوب الأصول والأوراق المالية التي تولّد إيرادات أكبر ويبتعدون عن الذهب الذي لطالما حمته صفة الملجأ الآمن.
ولكن حتّى في هذا المجال يخفت بريق الذهب. إذ وفقاً لما تنقله صحيفة "وول ستريت جورنال" عن، فرانك ماكغيه، وهو أحد كبار تجار الذهب في شركة IBS في شيكاغو، فإنّ المعطيات الاقتصادية الإيجابية التي تُسجّل في الولايات المتّحدة تكبح الطلب على الذهب بصفته الملجأ الآمن. "سيستمرّ الذهب على هذا المسار المنخفض... ومع تحسّن الاقتصاد، لن يعود الخوف عاملاً إيجابياً في سوق الذهب".
علامَ ستُركز شركات التعدين في المرحلة المقبلة يا ترى؟ هل تبقى الفوائد الاجتماعية التي تروج لها عواناً جذاباً لنشاطها في مناجم العالم؟ أم أن نزعتها الرأسمالية البحتة ستدفعها صوب زيادة قيمة نشاطها إلى 100 مليار دولار بغض النظر عن النتائج البيئية والاجتماعية؟




الصين تطلق صندوقًا ضخمًا للاستثمار بالذهب

ذكرت تقارير إعلامية صينية أن بكين أطلقت صندوقاً استثمارياً ضخمًا في الذهب، بقيمة تبلغ 100 مليار يوان، أي 16 مليار دولار أميركي، للاستثمار في مشاريع تعدينية في المنطقة، وزيادة تأثيرها على سوق الذهب العالمي.
ومن المقرر أن يركز الصندوق الاستثماري الذي يحمل اسم "سيلك روود غولد فاند"، والذي ستديره بورصة "شنغهاي" للذهب، ومؤسسات أخرى، على الاستثمار في مشروعات خاصة بالمعدن الأصفر، ضمن خطة صينية لتعميق العلاقات الاقتصادية مع بلدان أخرى في المنطقة.
ونقلت صحيفة "شنغهاي سيكيوريتيز جورنال" المملوكة للدولة عن مصادر لم تسمها، أن الصندوق الاستثماري سيشتري حصصا في مشروعات للتنقيب عن الذهب، كما سيستثمر في أسهم شركات التعدين عن الذهب.