فبحسب مصادر اقتصادية مطلعة، وقّع رئيس مجلس إدارة «بنك بيروت» سليم صفير اتفاقاً لشراء «مارفن بنك» في رومانيا بقيمة 30 مليون يورو. وهي صفقة تثير الاستغراب نظراً إلى التدهور الملحوظ الذي شهدته العملة الرومانية في السنوات الماضية، ما قد يجعل المصرف اللبناني مكشوفاً على مخاطر كبيرة في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها أوروبا حاليا.وتُطرح، في هذا السياق، تساؤلات عدة، منها: ما الذي قد يدفع صفير الى اتخاذ قرار التوسع في رومانيا تحديداً، وهو بلد تثار حوله علامات استفهام كثيرة لناحية تحوله إلى معبر مفضّل لعمليات تبييض الأموال في أوروبا الشرقية بسبب هشاشة أوضاعه السياسية؟ وهل تنطوي هذه الخطوة على مخاطرة قد تنعكس سلبا على وضع البنك في السوق المحلية اللبنانية؟ وأين مصرف لبنان من قرارات كهذه؟
في الظاهر، قد تكون النتائج الإيجابية التي حققها الاقتصاد الروماني بعد رحيل فيكتور بونتا عن رئاسة الحكومة، وإلغاء كثير من العوائق أمام الراغبين في الاستثمار في ثاني أكبر الاقتصادات النامية في شرق أوروبا، من المغريات التي قد تدفع «بنك بيروت» الى التوسع في هذا البلد. إلا أن التجربتين التركية والقبرصية أثبتتا أن الأوضاع السياسية غير المستقرة في مثل هذه البلدان، كفيلة بقلب الطاولة اقتصادياً رأسا على عقب بين ليلة وضحاها.
وكان «بنك بيروت» قد أقرّ، قبل سنوات، استراتيجية تنطوي على التوسّع الخارجي. وبدأ تنفيذها عام 2011 حين استحوذ على 85% من أسهم Laiki Bank في استراليا بقيمة 104 ملايين يورو. يومها كان الهدف الحضور في بلدان فيها مغتربون لبنانيون للاستفادة من تحويلاتهم بصورة أساسية. وواصل المصرف هذه الاستراتيجية برغم كل التغيرات المالية والاقتصادية في العالم، وقرّر أن تكون خطوته التالية في أوروبا الشرقية؟
الإستثمار في السوق الرومانية تشوبه مخاطر التقلبات

ومنذ أشهر وقّع «بنك بيروت» اتفاقاً أولياً لشراء Marfin Bank في رومانيا بقيمة 30 مليون يورو. احتُسب السعر على أساس 1.3 مرّات الأموال الخاصة، وهي معادلة مرتفعة قياساً إلى الاسعار المعروضة في الأسواق العالمية. فالمعروف أن سعر العملة الرومانية تدهور خلال السنتين الأخيرتين بنحو 30%، فيما تشهد السوق الرومانية تقلّبات حادة في أسعار الصرف، ما يعني أن الاستثمار في هذه السوق سيعرّض المستثمرين لمخاطر التقلبات في الأسعار في بيئة هشة لا تعدّ جاذبة للاستثمار الأجنبي، بل يشوبها الكثير من الأسئلة لناحية ما يمر خلالها من عمليات تبييض أموال وإرهاب.
وفي حالة «بنك بيروت»، فإن المشكلة الاساسية تتعلق بأنه سيوظّف أمواله الخاصة باليورو أو بالدولار ليشتري مصرفاً يعمل بالعملة الرومانية (الليو). وتحويل هذه المبالغ من عملات أجنبية ذات نفوذ قوي، إلى عملات محلية ذات تقلبات كبيرة، يعرّض رأس المال الموظّف إلى مخاطر كبيرة في المستقبل.
وبحسب المطلعين، فإن هذا النوع من التوسّع ليس مرغوباً فيه لدى السلطات النقدية التي تحاول تقليص مخاطر التوسع على المصارف اللبنانية، ولذلك سيُدرس الملف بطريقة مشدّدة، وخصوصاً أن الصفقة بين الطرفين ليست الأولى من نوعها، إذ إن laiki bank في استراليا كان يملكه مارفن بنك أيضاً.
وبحسب مصادر مطلعة، لم يتلقّ مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف أي ملف عن الاستحواذ بعد، والموضوع لا يزال قيد البحث بين طرفي الصفقة، كما أن البنك المركزي في رومانيا لم يمنح موافقته على الصفقة بعد، وإن كان صفير قد كثف من زياراته الشخصية إلى بوخارست في الأيام الأخيرة، لوضع اللمسات الأخيرة على الملف.
ووفق المصادر، خمّن البنك المركزي الروماني قيمة مارفن بنك في رومانيا بنحو 27 مليون يورو، علماً بأن القيمة الدفترية للمصرف تبلغ 22.7 مليون يورو، اي اقل من ثلث قيمته الدفترية عندما استحوذ عليه laiki bank عام 2013.
وبحسب المعطيات، فإن مارفن بنك قبرصي يوناني أصلاً، لا استثمار روماني. وقد قرّرت المجموعة القبرصية الانسحاب من السوق الرومانية المتدهورة، فيما كان عليها أن تتخلى عن بعض وحداتها الخارجية في سياق الأزمة التي ضربت قبرص. ويملك المصرف في رومانيا 33 فرعاً، وأكثر من 35 جهاز صراف آلي.
بعض المراقبين فسّروا خطوة «بنك بيروت» المستغربة، في إطار سعي المصارف اللبنانية للخروج من لبنان بغية توزيع فائض السيولة لديها وتوظيفه في الخارج، لكن هذا التفسير لا يجد صدى له بين المصرفيين الذين يعتقدون بأن رومانيا ليست الدولة التي تفتح مجالات واسعة للمنافسة المصرفية، ولا سيما أن القوانين المالية هناك أقل تشددا من تلك المطبّقة في لبنان والدول الاوروبية الاخرى. والمعروف ان القطاع المصرفي في رومانيا لا يحقق ارباحاً تذكر، فيما يسجّل القطاع العقاري تراجعاً مستمراً بلغت نسبته 40% عام 2015 بسبب الركود الاقتصادي في البلاد.
(الأخبار)