استعادت شركة GM Architects تاريخ لبنان الجيولوجي المذهل، واخرجته من طيات الماضي عبر اطلاق النموذج الأولي لمشروع "متحف الحضارات" المصمم خصيصاً لاستعراض الطبقات الجيولوجية والأثرية التي بنيت فوقها مدينة بيروت المعاصرة، والحضارات المختلفة التي اتخذت من هذه المدينة موطناً لها.
وكان مشروع "متحف الحضارات" عُرِض للمرة الأولى العام الماضي في Venice Biennale International Architecture Exhibition، حيث لفت انتباه مجتمع الهندسة المعمارية الدولي، كما حاز المشروع جائزة Architectural Review MIPIM Future Projects لعام 2015 عن فئة التنشيط الثقافي.
برأي جلال محمود، مؤسّس شركة GM Architects: "على الهندسة أن تخدم محيطها، وليس العكس. وبناء على هذا الافتراض، تم خلق مشروع يتيح للناس اختبار ثقافتهم التي تتخطى الهيكل الخارجي وتتعمّق في طيات الماضي. من خلال "متحف الحضارات"، الذي يهدف إلى تعريف اللبنانيين إلى هويتهم الحقيقية عبر استحضار آلاف الأعوام الغابرة التي تحمل الكثير من الذكريات التي لا يجب نسيانها، كما يهدف الى اتاحة فرصة اكتشاف هذه الطبقات الاثرية".
ويشرح: "ان تاريخ لبنان يكمن في البنية التحتية والمعالم الجغرافية، ويشكل هذا الموطن كل ما هو ثمين وجدير بأن يبقى في الذاكرة، ولكنه اليوم اندثر في صفحات النسيان. من هنا كانت فكرة "متحف الحضارات" الذي يأتي بمثابة تذكير بهذا التاريخ العظيم الذي يزيد عمره على 6000 سنة، وهذه الحضارة موجودة في ارض بيروت، وما علينا الا اظهارها للناس في الوقت الذي يمحى فيه تراث المدينة تدريجياً".
ويوضح: "انه من المفترض ان يكون المتحف في وسط بيروت حيث هذه الطبقات موجودة. ومن المتوقع ان ينتهي العمل به في عام 2020، غير أن عامل الوقت ليس مضموناً في المشاريع السياحية التي غالباً ما تتأثر بالاكتشافات الجديدة التي تتم اثناء عملية الحفر، فهذا المفهوم جديد وتطور آلية العمل مرتبط بعوامل عدة".
يمثل المتحف مرجعاً للراغبين بالتعرف أكثر إلى تاريخ لبنان الموجود في هذه الطبقات. لهذا، فإن الأمل كبير في خلق هذا النوع من المشاريع بخاصة في هذا الوقت حيث بدأت المباني الجديدة تبتلع الارث المعماري لمدينة بيروت. وقد انطلق المشروع بالتعاون مع وزارة السياحة، كما ان خطة العمل مع وزارة الثقافة اشرفت على الانتهاء.
اما بالنسبة إلى تمويل المشروع، "فهناك اهتمام كبير من قبل عدد من الجمعيات، اضافة الى منظمات عالمية تمول هذا النوع من المشاريع الثقافية، ولا ينقص لبنان لتنفيذ مشروع كهذا الا الدعم السياسي"، بحسب ما يكشف محمود.
الثقافة والارث التاريخي من أبرز الثروات التي تتمتع بها البلدان عادة، ولبنان يتميز بأهم واعرق الثقافات المتعاقبة بين دول المنطقة، والمطلوب اليوم ان يجرى استثمار هذا الواقع. صحيح ان بلداناً ودولاً عديدة تتميز بحضارات قديمة، غير ان لبنان غني بالتنوع والتعدد في الحضارات التي مرت عليه، وهي الحضارات التي أوجدت النموذج اللبناني لذلك من الضروري للبنانيين معرفة تاريخهم الخاص.