خلال عام 2014 حققت مجموعة مصارف "ألفا" أرباحاً صافية بلغت 1.87 مليار دولار بارتفاع نسبته 9.1% مقارنة بالعام السابق. جاء هذا النمو بعدما كانت الأرباح قد سجلت ثباتاً عام 2013، وهو ما عدّه المصرفيون "إنجازاً" في ظلّ البيئة التشغيلية الصعبة التي نتجت عن الأحداث في بلدان الانتشار المحيطة. غير أن الأرباح لا تختصر الأداء الذي يطبع نشاط تلك الشركات التي تُعدّ عصب النموذج الاقتصادي اللبناني بشقيه العام والخاص، إذ أن مؤشرات كثيرة تُعدّ حيوية في هذا المجال.

إيرادات وأصول

البداية، مع العائد على الأصول وهو المؤشر الذي يُستخدم لتقويم فاعلية الإدارة في استثمار الأصول المتوافرة بها. هنا سجّلت المجموعة تراجعاً من 1.02% إلى 1.01%. هذا التراجع وإن كان بسيطاً إلا أن أهميته تكمن في تضاربه مع حركة الأرباح: صحيح أن الإيرادات الصافية تكبر ولكن ليس بنفس نمو الأصول، وبالتالي فإن حسن استخدام الموارد المتاحة يضعف.
لا يعني هذا الأمر أن مهارات المصرفيين تضمحلّ، فهي لطالما اقتصرت على إعادة توزيع الودائع على القطاعين العام والخاص، بل يعود إلى معطيات موضوعيّة خاصّة بمحدودية السوق المحلية كما تراها المصارف، وبضعف الأسواق الإقليمية وغرق بعضها بالفوضى الكاملة.
المهمّ في هذا المجال هو أن يُشكّل هذا التراجع حافزاً لإدارات المصارف للبحث عن مصادر دخل جديدة بعد انتهاء الظروف الاستثنائية التي تسيطر على البيئة التشغيلية.
وبغض النظر عن الواقع الاستثنائي هناك نقاط محددة يجب أن تعمل عليها المصارف اللبنانية لتحسين فاعليتها، وبحسب دراسة لصندوق النقد الدولي نُشرت عام 2011، تحت عنوان "كيف يُحسّن أداء المصارف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟"، فإنّ "تعزيز أداء المصارف يرتبط بالسياسات التي يجب أن تُوجّه لتأمين حوافز لتحسين إدارة المخاطر وتقنيات إدارة المحافظ. كذلك فإنّ التحسينات على مستوى الأنظمة القانونية، الرقابية والإدارية من شأنها المساهمة في تعزيز الفاعلية".

ما بعد الحرب السورية

بغض النظر عن المعطيات التقنية، وبهدف تعزيز الفاعلية التي تشهد ضعفاً ملحوظاً، تراهن المصارف على لعب دور محوري في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب السوري عبر تمويل النشاطات اللوجستية ومشاريع إعادة الإعمار، وربما تأسيس شراكات تخوض غمارها مباشرة من دون أن يقتصر دورها على التمويل.

تراهن المصارف على لعب دور محوري في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب السورية عبر تمويل النشاطات اللوجستية ومشاريع إعادة الإعمار

ويُمكن أن تلعب المصارف "ألفا" هذا الدور بموازاة نشاطها التقليدي المتمحور حول التمويل التقليدي للاقتصاد. حالياً تبلغ قيمة أصولها الإجمالية 195 مليار دولار ــــ ما يوازي أربعة أضعاف حجم الاقتصاد اللبناني برمّته ــــ وذلك بعدما نمت بنسبة 10.4% في عام 2014. وتُشكّل ودائع الزبائن النسبة الأكبر من الأصول المتوافرة إذ بلغت 158.1 مليار دولار بعدما نمت بنسبة 9.5%.
أما المؤشر الآخر الذي يُعوّل عليه لتقويم أداء المصارف فهو العائد على الأسهم، وقد سجّل تراجعاً أيضاً وبلغ 11.55%، وذلك مع العلم أن حصة المساهمين شهدت نمواً بنسبة 12.3% إلى 17.2 مليار دولار.

تحفظات

وفي هذا المجال تحديداً لطالما كانت للقيمين على المصارف "ألفا" تحفّظات على أداء السلطات اللبنانية، وتحديداً المصرف المركزي، كونها تكبح ازدهار المصارف وتُقيّد إمكانية تعزيز عائداتها على الأموال الخاصة (مع العلم ان هذا الزعم بعيد عن الصحة، كون المصارف والدولة شركاء في لعبة واحدة، في معظم الاحيان كانت الدفة فيها لصالح اللوبي المصرفي).
على أي حال، فإنّ كلّ المؤشرات التي يمكن دراستها تتعلّق بمسألة حيوية: أن تكون المصارف قادرة على تحقيق الإيرادات في الأساس. من أين إذاً تتولّد إيرادات تلك المصارف في الأساس؟ الجواب المباشر هو "من الفوائد"، ولكنها ليست الوحيدة.
يوضح تقرير بنك "بيبلوس" عن مجموعة المصارف ألفا، والتي ينتمي إليها المصرف المذكور، أنّ العائد التشغيلي الصافي الذي حققته المصارف بلغ 4.9 مليارات دولار العام الماضي، بعدما نما بنسبة تفوق 10%.
ويعود هذا النمو بالدرجة الأولى إلى نمو الإيرادات الناتجة عن الفوائد حيث ارتفعت 12.5% وبلغت 3.3 مليارات دولار. أما الإيرادات غير الناتجة عن الفوائد ــــ وهي الرسوم والعمولات ــــ فقد تراجعت حصتها من الإيرادات الإجمالية نقطة كاملة وبلغت 33.3%.
اللافت هو أن مؤشرات فاعلية المصارف تتراجع على الرغم من أن إيراداتها الناجمة عن الفوائد ترتفع وليس فقط كمياً. فهامش الفوائد الذي كان متاحاً في عام 2014 ــــ وهو الفارق بين الفوائد المفروضة على القروض الممنوحة للدولة والمستهلكين على حد سواء، وبين الفوائد الممنوحة على الودائع – بلغ 1.92% مرتفعاً من 1.88%.
كل ذلك يعني أن فاعلية المصارف تتراجع على الرغم من تسجيل مختلف مؤشراتها الكمية نمواً ملحوظاً؛ حتّى القروض التي بدت المصارف خلال لحظات كثيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية مستعدة لكبحها نظراً الى ضيق هامش المناورة على القروض المتعثرة، سجّلت نمواً معيناً إذ أن معدّلها إلى الودائع الإجمالية زاد إلى 37.5% بعدما كان 36.7%.
إلى أي مدى ستستمرّ الفاعلية التشغيلية بالتراجع هو سؤال برسم إدارات المصارف، وجزء كبير منه يتعلق بالتطورات المحلية والإقليمية. المهمّ هو أن يحدّد المصرفيون بوصلتهم بعد هدوء العاصفة لكي تكون خططهم متوائمة مع الاحتياجات الاجتماعية ويكون نموهم بالتالي مستداماً وليس وليدة فقاعات طارئة.