في وقت يتصاعد فيه حجم استهلاك القهوة في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، يروي التاريخ أن تناول ثمرة النبات، المعروفة باسم كرزات البن أو توت البن، نشأ في السودان، قبل أن تنتقل هذه الممارسة إلى اليمن والجزيرة العربية.من هنا، يمكن القول إن الشرق الأوسط هو المكان الذي بدأت فيه ممارسة شرب القهوة كما نعرفها اليوم. ومنذ تناول أول فنجان من القهوة قبل أكثر من 600 سنة، ظل استهلاكها ماثلاً في قلب ثقافة هذه المنطقة من العالم.

يعود انتشار القهوة على المستوى العالمي، إلى حد كبير، إلى الهولنديين الذين ظلوا يتاجرون بهذا المنتج على طول المراكز التجارية الممتدة على خليج عدن في أوائل القرن السابع عشر، وذهبوا أبعد من ذلك عندما أقاموا مزارع للبن في الهند وأندونيسيا. وبعدما أصبحوا المورد الأساسي للقهوة إلى أوروبا، يعود الفضل لهم أيضاً في انتشار حبوب القهوة في أميركا الوسطى والجنوبية.

بعد النفط

على مدى السنوات الخمسين الماضية، شهدت سوق البن العالمية تحولاً كبيراً. ونما الاستهلاك العالمي بمعدل سنوي بلغ 1.9 في المئة، مرتفعاً من 57.9 مليون كيس (الكيس = 60 كيلوغراماً) في عام 1964 إلى 142 مليون كيس في عام 2011. وباعتبارها واحدة من السلع الأكثر تداولاً في العالم، تأتي القهوة في المرتبة الثانية بعد النفط في القيمة التجارية.
وقُدّرت القيمة الإجمالية لهذا القطاع عام 2012 بنحو 173.4 مليار دولار، وفقاً لمنظمة البن العالمية، إذ وصل الإنتاج العالمي عامي 2012 و2013 إلى 145 و145.2 مليون كيس على التوالي. وفي عام 2014، قدّرت وزارة الزراعة في الولايات المتحدة الإنتاج العالمي بنحو 149.8 مليون كيس.

تأتي القهوة في المرتبة
الثانية بعد النفط في القيمة التجارية
وهناك ما يصل إلى 70 بلداً منتجاً للبن في العالم، فيما تضم قائمة كبار المصدرين العالميين لهذه السلعة البرازيل وفيتنام وأندونيسيا وكولومبيا وإثيوبيا والهند والمكسيك، وجميعها دول أعضاء في منظمة البن العالمية، المسؤولة عن إنتاج 97% من الناتج العالمي.
وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان كانت تقليدياً أكبر مستوردي البن، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية تحولاً في الطلب، إذ وصلت اقتصادات الدول المتقدمة إلى نقطة التشبع، وشهدت الدول المنتجة للبن والأسواق الناشئة زيادة في الطلب والاستهلاك. وأدّى تحسن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع مستويات الدخل ومستويات المعيشة، وتزايد أعداد السكان، إلى ظهور مذاقات جديدة للقهوة، كما برزت توقعات بأن تسهم هذه الأسواق إسهاماً كبيراً في نمو الاستهلاك العالمي في السنوات المقبلة.

الإمارات تقود

خلال الفترة بين 2005 و2008، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من بين خمس دول رئيسية في إعادة تصدير البن (بحسب وزارة التجارة الخارجية الإماراتية)، كما ازدادت صادرات البن في دبي بمعدل سنوي قدره 57%، من 5.9 إلى 22.4 مليون دولار بين عامي 2010 و2013، وفقاً لأحدث الإحصاءات الصادرة عن جمارك دبي ومركز دبي للسلع المتعددة. كذلك ارتفعت في الفترة الزمنية نفسها واردات البن في دبي بمعدل سنوي قدره 72%، من 29.7 في 2010 إلى 131.1 مليون دولار في عام 2013. ووصف تقرير صادر عن "يورومونيتور العالمية" عام 2013 دولة الإمارات بأنها "أسرع أسواق البن نمواً في العالم"، إذ وصل النمو في إجمالي حجم مبيعات البن إلى 80% بين 2009 و2014، بمعدل نمو سنوي قدره 12%. ويأتي هذا النمو على رغم أن أكثر من 50% من سكان الإمارات ينتمون إلى شرق آسيا وشبه القارة الهندية، المنطقتين اللتين تشكلان قاعدة من المستهلكين الذين يفضلون تقليدياً تناول الشاي على القهوة.
ويشير ارتفاع واردات البن إلى أن السوق المحلية في الإمارات تشهد أيضاً طفرة في استهلاك القهوة، ولا سيما في السنوات القليلة الماضية. كما تجذب ثقافة تناول القهوة المزدهرة الأجيال الشابة، إذ ازداد التركيز على المقاهي المستقلة، وأنواع البن النادرة أو المتميزة بمذاق خاص. وفي ضوء تصاعد الاستهلاك العالمي للقهوة، من المتوقع أن يظل النمو في قطاع القهوة واعداً نظراً الى ثلاثة عوامل رئيسية هي: زيادة الطلب في البلدان المصدرة مثل البرازيل وأندونيسيا وإثيوبيا والمكسيك والفيليبين والهند وفنزويلا وفيتنام، وزيادة شعبيتها في الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا، والتوسع في الأسواق المتخصصة في البلدان المستهلكة التقليدية مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان.
ومن المتوقع أن يزداد استهلاك القهوة إقليمياً، إذ أشارت غرفة التجارة العربية البرازيلية إلى زيادة بنسبة 75% في أكياس القهوة التي تم شحنها من البرازيل إلى الدول العربية في الفترة بين كانون الثاني وحزيران 2014، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2013.