يقصد بالقروض الاستهلاكية Retail Loans القروض الشخصية كافة بما فيها قروض السيارات، وقروض الطلاب وقروض التعليم والقروض الاستهلاكية الاخرى، اضافة الى القروض السكنية، وقروض الائتمان المتجددة، بما فيها قروض الائتمان والقروض الشخصية غير المرتبطة بهدف مهني او تجاري.
مع استمرار الازمة السياسية في البلاد وعدم استقرار الاوضاع الامنية، وبعدما أصبحت "القروض الشخصية" تقتطع نحو 50% من مدخول العائلات والأشخاص الذين استلفوا من المصارف، أصدر مصرف لبنان قراراً فرض بموجبه على المصارف قيوداً متشدّدة بالنسبة إلى "قروض التجزئة" او "القروض الاستهلاكية" وخاصة قرضي الاسكان والسيارة، وذلك بعد ملاحظة ارتفاع كبير في مديونية الاسر تخطى الـ 50% من مجمل مدخولها، وارتفاع مديونية القطاع الخاص من شركات وأفراد، وأسر إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
السؤال اليوم، إلى أي مدى سيؤثر هذا الواقع في نسب الإقراض والتسليف؟ وهل ينذر الوضع الاقتصادي في البلد بخطورة مرتقبة؟

سياسة احترازية

عن السياسة التي اتبعها مصرف لبنان، يشير مصدر مسؤول في البنك المركزي الى ان "المصرف اتبع سياسة احترازية وعمل بحسب التوجهات الدولية. فهذا القرار اندرج في اطار تنظيمي احترازي من ضمن إطار سياسة الحيطة والحذر، ولكي تبقى ثقة المستهلك بالمصارف اللبنانية قائمة، ويظل القطاع المصرفي في المنزلة الموجود فيها".
اذاً، ليس الهدف من هذه الخطوة وضع عراقيل أمام الاشخاص او الاسر التي تحتاج الى قروض وتسليفات، انما هو إجراء لحماية المستهلك وحماية أوضاع المصارف في آن معاً، تجنباً لأي ازمة مالية قد تحدث في المستقبل مثلما حدث في دول عدة كالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، فقد أدّت الاستدانة التي فاقت قدرة الاسر وطاقتها على السداد الى نشوب الازمة المالية.

اصبحت "القروض الشخصية" تقتطع نحو 50% من مدخول العائلات والاشخاص


ويشرح المصدر "قام المصرف بفرض نسبة من الدفعة الاولى على الزبون ليشارك بقيمة القرض، كما وحدد سقفه، وتدخل بتحديد قيمة القسط الشهري آخذا في الاعتبار مدخول العائلة والنسبة التي ستقتطع من الراتب الشهري. هذا القرار جاء خوفاً من تدهور الوضع فجأة، ما قد يؤدي الى عدم قدرة المستدين على التسديد، وخصوصاً بعد ملاحظة ان عدد الذين تعذروا عن الدفع الى تزايد، وان ما فرضه على المصارف هو لكي تكوّن مؤونات وتستطيع الاستمرار في حال اي خسارة مستقبلية".
التعميم اذاً يضع سقفاً مقبولاً لجهة تحديد نسب الاستدانة بحسب مدخول الاسر، بعدما باتت مديونيتها للمصارف تتجاوز 50% من ايراداتها. لذلك جاء قرار مصرف لبنان بوضع ضوابط للعمل بالتجزئة للاسر ما يعني الا تتجاوز قيمة القرض نسبة 75% من قيمة المنزل او السيارة على ألا تتجاوز مجموع التسديدات الشهرية لقروض التجزئة نسبة 45% من راتب الاسرة منها نسبة 35% كحد اقصى للقروض السكنية و10% للقروض الاخرى كقروض السيارات والسفر والتعليم وبطاقات الائتمان وما شابه.

لبنان والمهجر

في هذا الإطار، توضح المديرة العامة المساعدة ومديرة صيرفة التجزئة في بنك لبنان والمهجر جوسلين شهوان "ان القروض الشخصية شهدت رواجاً في الآونة الأخيرة، وقد ساهمت عدّة عوامل في ازدهارها منها: معدّلات الفائدة، والدفعة الأولى، والحدّ الأقصى، وشروط تقديم القرض وغيرها...". وتتابع: "المنافسة القويّة في القطاع المصرفي أدّت إلى تنوّع كبير في الخدمات المصرفية الممنوحة، التي تستهدف كافة فئات المجتمع اللبناني. نتيجة لذلك، اتّجهت المصارف لتقديم تسهيلات عدة للزبائن تتناسب واحتياجاتهم من دون أن تثقل كاهلهم. فلا شكّ أنّ كثرة العروض تؤدّي إلى زيادة الاستهلاك إلاّ أنّها تسهّل جوانب عدة من حياة المستهلكين، وذلك من خلال برنامج التقسيط الشهري المعتمد لهذه القروض، بحيث تسدَّد وفقاً لإمكانات كل مقترض، كما أنّ الدعم الذي يقدّمه مصرف لبنان على القروض ساهم بمساعدة جزء كبير من المجتمع على الاقتراض وبالتالي تلبية حاجاته".
وتوضح ان" بنك لبنان والمهجر يحظى بالمرتبة الأولى محلياً من ناحية خدمات التجزئة فتعتبر القروض التي يقدّمها المصرف من أكثر القروض نجاحاً في لبنان نظراً للأسعار التنافسية وإلى الخدمة السريعة في إعطاء الموافقة". وتتابع: "كما يشير الإقبال المتزايد على قروض الصيرفة بالتجزئة في السنوات الأخيرة إلى أنّ الناس باتوا يتمتّعون بالوعي أكثر حول مبدأ هذه القروض والتسهيلات التي تؤمنها، إضافة إلى الشروط المطلوبة. وقد ساعدت سياسة مصرف لبنان المتعلّقة بقانون الشفافية في إعلانات المصارف إلى زيادة الوعي لدى الأفراد".

بنك عودة

من جهتها ترى رئيسة دائرة المنتجات المجزأة في بنك عودة غريس عيد "أنّ القرض الشخصي هو من أقدم القروض التي يقدّمها المصرف، وهو يلبّي الاحتياجات الماليّة الأساسيّة للعميل. وهو أيضاً القرض الأكثر طلباً وانتشاراً إذ يسهّل للعميل تسديد دفعاته من أقساط مدرسيّة أو جامعيّة، أو ترميم منزله، أو غيرها من احتياجات الحياة الفرديّة أو الأسريّة".
وترى أن "من واجب المصرف أن يؤمّن الحلّ الأنسب للعميل، بما في ذلك تقديم الاستشارات اللازمة وفقاً لكلّ حالة على حدة وبحسب حاجات العميل ومتطلّباته. فمن خلال معرفة إمكانات هذا الأخير، يعرض المصرف المنتج الصحيح، أي القرض المناسب للعميل المناسب".
على سبيل المثال، يقدّم بنك عوده أنواعاً عدّة من القروض الشخصيّة: القرض الشخصي لموظّفي القطاع العام، والقرض الشخصي الخاصّ بالأطبّاء بفائدة تفضيليّة، وغيرها من القروض الشخصيّة. وتختلف مدّة القرض بحسب حاجات العملاء وقدراتهم على السداد. ومن الطبيعي أن تؤدّي كثرة العروض المدروسة بحسب إمكانات العميل إلى ارتياح هذا الأخير".

بلغت قيمة القروض
الشخصيّة 15.2 مليار دولار
حتّى نهاية آذار 2014

وتضيف "في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة الراهنة التي يجتازها لبنان والظروف التشغيليّة الصعبة للمصارف اللبنانيّة في بيئة لا نمطيّة تتّصف بنمو اقتصادي متواضع نسبيّاً، يبرز تحدٍّ رئيسي يتمحور حول مدى قدرة تلك المصارف على الحدّ من تضخّم محفظة التسليفات المشكوك بتحصيلها بعد توسّع المصارف في منح القروض، ولا سيّما القروض الشخصيّة التي بلغت قيمتها 15.2 مليار دولار حتّى نهاية آذار 2014 (وفق آخر الإحصاءات المتوافرة).
إلاّ أنّ المصارف اللبنانيّة استطاعت أن تسجّل نسباً مؤاتية على صعيد نوعيّة الموجودات في ظلّ تغطية متأنّية وإدارة مخاطر صارمة، وبالتالي لم تشهد المصارف فعليّاً تخلّفاً عن تسديد الديون من قبل العملاء بنسب كبيرة أو حجوزات لافتة لأملاكهم، إذ بلغت نسبة التسليفات المشكوك بتحصيلها إلى إجمالي التسليفات 3.2% في نهاية تشرين الثاني 2014 وفق إحصاءات مصرف لبنان، مقارنة بـ4.7% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و6.5% في الأسواق الناشئة على نحو عام. علماً أنّ هذه النسبة لم تتجاوز عتبة 3.5% خلال أعوام التباطؤ الاقتصادي في البلاد، أي الفترة الممتدّة بين 2011 و2013 بعدما كانت قد سجّلت انخفاضات لافتة في السنوات التي سبقتها.
وتؤكد عيد أن "المصارف اللبنانيّة دأبت من جهتها على تغطية صارمة للمخاطر من خلال تعزيز تخصيص المؤونات وزيادة نسبة تغطية التسليفات المشكوك في تحصيلها بالمؤونات، إذ وصلت هذه النسبة إلى 76% في تشرين الثاني 2014 وهو ما يتوافق مع المتوسّطات الإقليميّة والدوليّة الرائجة. إنّ الحرص على نوعيّة الموجودات من خلال نوعيّة محفظة التسليف يبرز بين أهمّ أولويّات المصارف في هذه الفترة الضبابيّة بالذات. بناءً عليه، فإنّ مؤشّرات المكانة الماليّة من نسب سيولة أو نوعيّة الموجودات أو ملاءة وغيرها من النسب التي تعبّر عن تغطية المخاطر على نحو عام، تشهد أنّ القطاع استطاع الحفاظ على مكانته الماليّة العالية في غضون مرحلة التباطؤ الاقتصاد الراهن.

بنك بيبلوس

من جهة اخرى، تشرح جورجينا دينار، مديرة قروض التجزئة في بنك بيبلوس، "ان نسبة الملتزمين تسديد الاقساط عالية جدّاً، وهذا مؤشّر يوحي بالثقة ويعطي المصارف دفعة إيجابيّة للمضي قدماً بالشروط والأحكام المتّبعة. أمّا في بعض الحالات الاستثنائيّة، فنشهد عند بعض العملاء حالات تأخّر عن الدفع يعود معظمها لنشوء مستجدّات طارئة كالمرض أو تغيّر ما في ظروف العمل، ولكن سرعان ما نستدرك الوضع مع العميل ونحاول معاً إيجاد البديل".
وتتابع: "بعد خبرة اكثر من 20 سنة، توصلنا الى ان القروض المتعثرة تتفاوت بين انواع القروض. فالسكنية هي الاقل لأن العميل متمسك بمنزله تليها قروض السيارات وفي المرتبة الاخيرة القروض الشخصية الاخرى. باختصار، ان الوضع العام جيد شرط ان يبقى الالتزام في تسديد السندات من قبل الزبائن".
وتشرح دينار "لا نظن ان القروض تثقل كاهل الزبون طالما هي مدروسة ولا تتخطى 30% من مدخول الزبون بل هي تحرك الدورة الاقتصادية. فمن الصعب لمن لديه دخل ثابت ان يدخر قسما لفترة زمنية معينة من اجل شراء منزل او سيارة... من هنا كانت القروض الشخصية لتريح الزبون مقابل اقتطاع جزء من راتبه حتى ايفاء قيمة القرض. وطالما ان الدراسات التي تقوم بها المصارف دقيقة، من النادر ان تتحول القروض الشخصية لاعباء تثقل كاهل العائلات والافراد. فالقروض لا تعطى على نحو عشوائي وهذا ما يؤمن استمرارية المصارف".
وفي ظل غياب الخطط التوجيهية من جانب الدولة، من حيث مشاريع الاسكان والتعليم والنقل، من الصعب ان يتقدم المرء ويستقر، والمصارف تقوم بعمل مهم على هذا الصعيد. فهي تساعد العميل ليؤمن منزلا ويشتري سيارة.
وتختم بالقول انه "قبل الموافقة على القرض الشخصي، يرتكز المصرف على معطيات عدّة، أهمّها معرفة العميل، والتزاماته، وقدرته على التسديد، ومدخوله، وهذا ما توجبه أصلاً تعاميم مصرف لبنان. كما يجب ألاّ يكون اسم العميل مدرجاً على اللائحة السوداء لمركزيّة المخاطر لدى مصرف لبنان وألاّ يكون لديه دعوة قضائيّة لدى المحاكم. أمّا على الصعيد المالي، فيجب ألاّ تتعدّى قيمة أقساطه الشهريّة المجمّعة ٣٥٪ من راتبه الشهري. كلّ ذلك يسمح للمصرف بتقييم وضع العميل المالي وبتلبية حاجاته من خلال تقديم القرض الأنسب له."
وعن الموضوع يشرح الخبير الاقتصادي لويس حبيقا معتبرا "ان القروض الاستهلاكية هي اساس الاقتصاد في اميركا واوروبا، غير ان هذا القطاع في لبنان لا يزال متخلفا. فهذه القروض مهمة خاصة بالنسبة للطبقة الوسطى شرط ان تتوافر درجة وعي لدى المقرض والمقترض. فمن دون القروض تتأذى الحركة الاقتصادية وخاصة في الاسواق العقارية واسواق السيارات والتعليم. من هنا لا ضرر في ان يقترض الناس من المصارف شرط الا يتعدى مجموع الدفعات 40% من الراتب الشهري". ويستبعد "ان تكون الفورة في عالم القروض الشخصية قد ادت الى تعثر الناس لانه عتدما يتعثر الاقتصاد ككل، تنعكس الازمة على كافة الاصعدة"، أما عن فرض مصرف لبنان نسبة 25% من الدفعة الاولى للقرض الشخصي، فيرى حبيقة "ان هذا القرار يقضي على الطبقة الوسطى وخاصة على صعيد شراء العقارات".