استطاعت "المرأة العربية" في عالم الأعمال أن تثبت وجودها وتتخطى العديد من التحديات والعراقيل التي لطالما واجهتها في مجتمعات اتسمت بالطابع الذكوري. عملت وثابرت وتحدّت ونجحت، لتؤكد أنها قادرة على تأدية دور الرائدة ليس فقط في قطاع المال والأعمال فحسب، بل في ميادين شتى، وما تألقها في القطاع الخاص إلا خير دليل على ذلك.
لكن على الرغم من هذا التحول الجذري الذي من خلاله فرضت المرأة العربية نفسها، لا يزال ينقصها في بعض الأحيان إيمانها بنفسها وثقتها أن بوسعها أن تكون سيدة أعمال خارقة، وزوجة ناجحة، وأماً مثالية، وابنة حنون في آن واحد، من دون أن يتطلب ذلك تقديم تنازلات على صعيد طموحها.
صحيح أن تمثيل المرأة في القطاع العام لا يزال خجولاً في المجتمعات العربية، غير أن القطاع الخاص الذي يعدّ اليوم الحاضن الأساسي للمرأة العربية، شكل رأس الحربة من حيث المبادرات الفردية والابتكارات في مجال الأعمال.
في هذا الصدد، تشير إحصاءات حديثة صدرت أخيراً الى أن عدد النساء العربيات الرائدات في القطاع الخاص تخطى 75%، فيما تبقى المرأة شبه مغيبة في الوظائف العامة، كما في الحياة السياسية. ومع كل هذا، قد تطول قائمة "رائدات الأعمال العربيات" اللواتي بلغن القمم.

ثورة استثمارات

من هنا، من المنتظر أن تشكل السنوات المقبلة، بحسب الخبراء، ثورة في عالم الاستثمارات في العالم العربي بسبب وجود طاقة الإبداع والابتكار لدى العديد من السيدات الرائدات. كما أن الأرقام الصادرة عن عدد المناصب التي تحتلها السيدات في ريادة الأعمال تعدّ مشجعة جداً، وتظهر تقدماً من حيث عدد الرائدات النساء في القطاع الخاص.
لذلك، فالقضية لم تعد تقتصر على المطالبة بالمساواة فحسب، بل أصبحت مسألة إيمان المرأة بنفسها، وقدرتها على قلب الموازين في عالم الأعمال.
يجمع كثيرون على أن اعتراف المجتمعات العربية بدور المرأة الريادي في الأعمال والاستثمارات لم يعد كافياً. بل الأهم من ذلك إيجاد حلول لكل العوائق التي تحدّ من قدرتها على تطوير المجتمع، ومساعدتها من أجل تنفيذ مشاريعها من خلال خطط تمويل جدية من قبل برامج خاصة، ولا سيما المصارف.

لبنان وفرص النساء

مع بداية عام 2013، نشرت مجلة "ذي إيكونوميست" تقريراً صنفت بموجبه لبنان في المرتبة 79 من حيث فرص النساء في مجال إدارة الأعمال، من أصل 128 دولة شملها التقرير.
28% فقط من سيدات لبنان ناشطات على الصعيد الاقتصادي، وهذه النسبة تعتبر متدنية نسبة إلى المستوى العلمي الإجمالي الذي يتمتع به سكان البلد. إضافة الى كون النساء في لبنان يشكلن حوالى نصف المجتمع. بالمقابل، تتخطى هذه النسبة الـ 55% في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية.
قد تعود هذه النتائج إلى الأوضاع الأمنية والسياسية السائدة في المنطقة، والتي دفعت بالكثير من السيدات الى التريث وعدم المخاطرة في مجال الاستثمار. لكن، على الرغم من ذلك، حاولت المرأة العربية أن تحدث خرقاً في مجال ريادة الأعمال، غير أنها في بعض الأحيان امتنعت عن تسلّم مهماتها بسبب الأوضاع العائلية.
قد لا تسعى المرأة أحياناً إلى الحصول على مركز معين مثلما يصرّ الرجل، بالرغم من أن العديد من السيدات تكون نتائجهن أفضل أحياناً، لكن بعضهن يفضلن عدم تحمل مسؤوليات كبيرة بسبب أوضاعهن العائلية.
في هذا الإطار، أظهرت دراسة أعدّتها الحكومة اللبنانية عام 2014 حول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحول قيادة الشركات، أن كل شركة تؤسسها سيدة، بعد 3 سنوات، تسلّم 4 من أصل 5 شركات إدارتها الى رجال، فيما شركة واحدة فقط تبقى تحت إشراف امرأة.
توضح الأرقام أكثر فأكثر أنه يجب معالجة هذه المشكلة من خلال إيجاد بيئة ملائمة للمرأة تمكنها من التوفيق بين مهماتها في العمل وواجباتها في المنزل، لكي تؤدي بالتالي دوراً أفضل على صعيد القدرة الإبداعية في الاقتصاد العربي ككل.
كل شركة تؤسسها
سيدة بعد 3 سنوات تسلّم 4 من أصل 5 شركات إدارتها الى رجال

من جهة ثانية، تشير إحصاءات في العالم العربي الى أن 80% من السيدات اللواتي يؤسسن شركات لا يبحثن عن أفكار جديدة، بل تكون الأفكار غالباً تقليدية. وللتميّز، لا بد من خلق أفكار جديدة مبتكرة ثورية وعصرية.
تظهر الدراسات الحديثة أن 15% من الشركات التي تم تأسيسها في السنوات الثلاث الأخيرة، لم يزد عدد موظفيها على 10، وأن 30% من الشركات التي تأسست تخطى عدد موظفيها الـ 50.
لهذه الأسباب، فإن الابتكار بالنسبة إلى السيدات الرائدات هو مفتاح التنافسية لأنه يحد من التقليد وسط عالم ومجتمع تخنقه الأوضاع الصعبة، والإبداع هو طريق الاقتصاد الجديد الذي تتبعه سيدات الأعمال، والذي يشكل حاجة لخلق مجتمع سليم.
فعالم الأعمال يعتمد على عامل الوقت. لذا، ولدى الحديث عن نجاحهن في إدارة الأعمال والاستثمارات، يتبين أن الرائدات اللامعات قد اتبعن طريق البراغماتية ليتمكّنّ من اتخاذ الدور الريادي دون منّة من أحد.
في هذا الصدد، تفيد نادين أبو زكي، الرئيسة التنفيذية لمنتدى المرأة العربية، "أن الأرقام تشير الى تقدم ملحوظ بالنسبة إلى المرأة على صعيد ريادة الأعمال، إذ أصبحت شركة من أصل أربع شركات تترأسها سيدات. كما لوحظ أن النساء اللواتي ينخرطن بمجال الأعمال يؤسسن شركات كبيرة وليست متوسطة أو صغيرة.
وتؤكد أبو زكي أن "الحكومات العربية اليوم باتت تتمتع بدرجة وعي لهذا الموضوع، وأصبح الكثير من الجمعيات والمؤسسات يقوم بمبادرات لدعم الرائدات وإبراز نجاحهنّ للرأي العام من خلال الندوات والمؤتمرات التي تُنظم".
إذاً أصبح من الممكن الجزم بأن المرأة العربية باتت جاهزة إلى حد ما لتحمل مسؤولياتها في مختلف المجالات، فهي ناضلت كثيراً في هذا الإطار، لذلك اكتسبت دوراً فعالاً في اقتصادات الدول العربية التي تزداد فعاليتها فيها يوماً بعد يوم.