كريستي قهوجيالاهتمام بالشريك أمر ضروري في كل أيام السنة. في 14 شباط من كل عام يصبح الاهتمام خاصاً واستثنائياً! يسارع "العشّاق" خلال الفترة التي تسبق هذه المناسبة الى شراء الهدايا لتقديمها الى شركائهم متأثرين بكل المنتجات التي تصنع حسب "الموضة" والتي تكتسح الأسواق كل عام بأعداد كبيرة، وهي بالتالي تدفع الناس الى الإقبال عليها ودفع ثمنها مهما كلف الأمر.
تتنوع المنتجات المخصصة لهذه المناسبة من عام الى آخر ويرتفع سعرها بحسب العرض والطلب في الأسواق، ويقوم التجار والشركات بحملات إعلامية وإعلانية لتجييش الناس لشراء تلك المنتجات طوال الفترة التي تسبق عيد "فالنتاين" بشكل كبير ومكثّف، الأمر الذي يجعل الإنسان يتأثر بهذه الحملات ويحوله إلى أداة لشراء الهدايا، رغماً عنه، أحيانا كثيرة.

استهلاك أكثر

يؤدي هذا الأمر الى زيادة في الاستهلاك (surconsommation)، كما يؤثر على وضع المواطن الاقتصادي بشكل سلبي، وخاصة بعد أن يكون قد تم ابتزازه بسبب الحملات الإعلانية المكثفة واشترى هدايا من الممكن أن تكون أسعارها فوق طاقته، وقد يسعى الى الاستدانة لتأمينها.
تبدأ أسعار الهدايا في السوق المحلية من دولارين (للوردة الحمراء) لتبلغ أرقاماً خيالية. منذ 20 عاماً كان المواطن يشتري هدايا بسيطة، غالبا ما كانت عبارة عن دب Peluche وباقة ورد، ومن ثم تطورت لتصل الى المنتجات الإلكترونية والأفكار الغريبة المبتكرة.
عن هذه الظاهرة، تقول أستاذة مادة الأنتروبولوجيا في كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ندى طويل طحشي "إننا نعيش اليوم في مجتمع تقوم أيديولوجيته على فكرة الرأسمالية الاستهلاكية بامتياز، وعلى مبدأ إذا لم يكن هناك شراء لهدية معينة أو لسلعة فلن نستطيع إسعاد الشريك الآخر".
نعيش اليوم في مجتمع تقوم أيديولوجيته على فكرة الرأسمالية الاستهلاكية بامتياز

وتضيف "الهدف الأساسي للرجل الرأسمالي في نظام كهذا هو الربح المادي وفقاً لمبدأ العرض والطلب، ولكن ليس العرض البسيط وإنما التوجه الى سياسة الزيادة في الاستهلاك حتى الوصول الى شراء ما هو أبعد من الكماليات، وعيد العشاق بات هكذا. إن هذه العملية بحاجة الى تسويق كبير لإنجاحها كي تستطيع أن تخلق لدى الناس في لاوعيهم تحفيزاً كي يشتروا منتجات ضمن رمزية معينة وهي العيد. الإعلام والإعلان هما وراء هذه الظاهرة، إذ إنهما الأداة التي من خلالها يتم تسويق منتجات هذا العيد وإلا فإن الزيادة في الاستهلاك لن تحصل ولن يربح الرأسماليون من هذه العملية".

التطور التاريخي

عيد العشاق المعروف بـ"فالنتاين" هو عيد مدني ليس له أي بعد ديني كما قد يظن البعض. تعود قصته الى عصرَي الإغريق والرومان اللذين أثّرا بشكل كبير في بداية الديانة المسيحية، وقد اضطرت الكنيسة الى الاحتفاظ ببعض العادات الوثنية من تلك الحضارتين. عند الإغريق، تعتبر الفترة الممتدة من 22 كانون الثاني حتى 20 شباط فترة Gamelion أي التزاوج عندما تزوج الإله زوس بشقيقته الإلهة هيرا، وكانت تقام في هذه الفترة أعراس كثيرة.
أما عند الرومان، فكان عيداً للخصوبة أطلق عليه اسم "لوتركال" يحتفل به بين 13 و15 شباط وهو إله شفيع للرعاة ويعتبر بأنه يكثر لهم من نسلهم حيث كانت العادة تقتضي قتل حمل ولبس جلده والركض به ولمس الفتيات به طلباً للخصوبة.
لم تستطع الكنيسة الكاثوليكية حذف الكثير من العادات التقليدية الوثنية وخاصة تلك التي تتعلق بالخصوبة، وبقي شهر شباط له رمزية خاصة في الكنيسة. ولكن سنة 494 ألغى البابا غاليليوس الأول آخر احتفال وثني في كنيسة اللوتركال واستبدله بعيد دخول السيد المسيح الى الهيكل في 2 شباط. لكن بعد فترة طويلة وبسبب سقوط الكثير من المدافعين عن الكنيسة يحملون اسم فالنتاين، قررت الأخيرة أن تخصص لهم 14 شباط لتكريمهم. بين هؤلاء الذين يحملون اسم فالنتاين، كان هناك "شهيد" مدفون في بريطانيا التي كانت تحتفل بعيد تزاوج الطيور. وبعد تداخل الأعياد، ألغت الكنيسة الأعياد الخاصة بعيد الحب وأزالت مدفن القديس فالنتاين، معتبرة أنها غير معنية بعيد الحب.

مكونات إنجاح الفكرة

لإنجاح الفكرة الاستهلاكية لعيد العشاق، لا بد من تضافر ثلاث تقنيات أساسية هي: الدعم الإعلامي، المقاربة النفسية والهدف الاقتصادي. وفي هذا الإطار توضح طحشي "أن هذه التقنيات ستؤدي بالزبائن الى الاستهلاك، ومن ثم الى الزيادة في الاستهلاك. فوسائل الإعلام في أيامنا ممسوكة من قبل رجال أعمال رأسماليين يقومون بالمستحيل للترويج لمنتجاتهم من خلالها ويزرعون في لاوعي المتلقين معلومات تبدو للأخيرين طبيعية وصحيحة عن المنتجات، تدفعهم إلى الإقبال على شراء منتجات عيد العشاق أو غيره من الأعياد".
لإنجاح الفكرة الاستهلاكية لعيد العشاق لا بد من تضافر ثلاث تقنيات: الدعم الإعلامي المقاربة النفسية والهدف الاقتصادي


من ناحية أخرى، تتكون المقاربة النفسية، بحسب طحشي، من 10 نقاط؛ أبرزها:
الشعور بعقدة الذنب، حين يأتي العيد ويشعر المرء بالذنب إذا لم يشتر هدايا العيد لحبيبه، أي أنه لم يقم بواجبه تجاهه في هذه المناسبة التي أصبحت واجباً مهماً في المجتمع. أضف الى ذلك الشعور بالدونية عندما يشعر الشخص بأنه لا يستطيع أن يشتري هدية لحبيبه، في الوقت الذي يقوم به آخرون بالعمل نفسه في مجتمع استهلاكي. ويؤدي هذا الشعور الى قيام الشخص بالاستدانة لشراء الهدايا، غير محتسب لقيمة المال الذي اشتراه بسبب برمجته على أساس أن الهدية أهم من المال الذي يدفعه في المقابل. شعور الاستعراض الذي يسمح لعيد العشاق بأن يضع الشخص تحت البذخ اللاواعي، وبالتالي نعود الى موضوع زيادة الاستهلاك والأمر الذي يؤدي به الى عدم السؤال عن سعر المنتج وإمكانية شراء أغلى منتج لإرضاء نفسه أولاً بأنه يقدم الأغلى لحبيبه أي إهداء قيمته الى الشريك الآخر. كما يدخل القمع الجنسي في هذه النقاط بسبب عيشنا في مجتمع محافظ إلى حد ما يدفع إلى التعبير عن المشاعر عبر تقديم الهدية. شعور الخجل حيث إنه لا يملك الشخص شعوراً بالذنب أو بالدونية وإنما يخجل من عدم مجاراته للعيد. وشعور الإهداء من أجل الحصول على حب الشريك الآخر، أي أنه يقوم بشراء حب الشريك الآخر.
موضوع الاستغلال الذي تقوم به وسائل الإعلام من خلال غسل الدماغ عبر إقناع المتلقي بأن المناسبة هي عيد يجب أن تشترى فيه الهدايا ولا يمكن أن تخرج من إطاره.
الشعور بالإحباط حيث إن الشعب يعيش في مرحلة كبيرة من الإحباط نتيجة الحروب والخوف والبيئة الاقتصادية ،وهي تؤدي الى أن يصبح الشخص shopaholic أي أن يشتري بكميات كبيرة، ما يجعل عيد العشاق لاعباً أساسياً في ذلك.
أما عن المقاربة الاقتصادية للموضوع، فتوضح طحشي "أنه يصار كل سنة الى إعادة برمجة الشخص في عيد العشاق كي يشتري هدايا بالمناسبة ويدفع ثمناً باهظاً، لذلك دخل النظام الرأسمالي في لعبة إنهاء موضة المنتج المبرمجة، أي أنه يتم إنتاج سلع بشكل كثيف وتذهب موضتها في السنة التالية، وفي كل سنة وعن قصد يعرضون في الأسواق مواضيع جديدة تنتهي موضتها في السنة التالية".

ارتفاع الأسعار

الى ذلك، ارتفعت أسعار الهدايا منذ 20 عاماً تدريجياً الى أن وصلت الى أرقام خيالية، حيث كان اللبناني في السابق يشتري باقة ورد ودب peluche الى أن وصل به الأمر إلى شراء منتجات إلكترونية جديدة خاصة بالعيد تتغير كل سنة.
في هذا الإطار، تشير مديرة التجزئة في محال Hallmark للهدايا نهاد خوري الى أنها بعد تجربة 16 سنة في مجال الهدايا، فإن الزبون كان يشتري في بادئ الأمر هدايا بسيطة وأساسية لعيد الحب غالباً ما كانت عبارة عن باقة ورد وبطاقة، ودب، peluche الى أن أصبح يشتري منتجات أكثر تعقيداً وأغلى ثمناً كالإلكترونيات وغيرها.
وتوضح خوري أن المبيع في فترة عيد العشاق لهذا العام كان جيداً جداً في محال Hallmark التي شهدت ارتفاعاً في حجم الأعمال، مقارنة مع السنوات الأخرى.




أبرز هدايا هذا الموسم

من أبرز الهدايا التي بيعت هذا الموسم، بحسب مديرة التجزئة في محال Hallmark للهدايا نهاد خوري، وسادات تحتوي على مكبرات للصوت يمكن للشريك أن يسمع بواسطتها أغاني الحب، إضافة الى وسادات أخرى تحتوي على مسجلات يمكن للشخص أن يسجل صوته عليها ويسمعها لحبيبته. ومن أبرز الهدايا التي اشتهرت خلال هذه الفترة أيضاً كانت فكرة الباندا والـPantoufle الذي يمكن أن يتصل بالكمبيوتر من خلال USB ليعطي دفئاً.