ظاهرياً، ومع كل الحديث عن علاقات وروابط تاريخية بين البلدين، قد تبدو العلاقة الاقتصادية بين لبنان والسعودية في أحسن حال. إلا أن الأمر ليس كذلك على الحقيقة، فحركة تحويلات المغتربين النقدية مهما بلغ حجمها، لا تصنع علاقة اقتصادية صحية بين بلدين بإمكانهما أن يفيدا بعضهما أكثر بكثير مما هو الوضع الحالي.
في المعايير العلمية لقياس متانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لا تعتبر العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين لبنان والمملكة بالمستوى الذي يجب أن تكون عليه. المؤشرات الاقتصادية بين البلدين في تراجع ملحوظ. نمو بطيء جداً في حجم التبادل التجاري، تذبذب واضح في الميزان التجاري، ضعف في حجم الصادرات والواردات، غياب للمشاريع المشتركة....
لبنان اليوم يمثل الشريك التجاري رقم 40 للمملكة في مجال الصادرات، والشريك رقم 47 في مجال الواردات. فالزيادة المحققة في التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة وتبادل الخبرات هي المؤشر الحقيقي لقياس التقدم في بناء الشراكة الاقتصادية بين البلدين، أمور ليست على أحسن ما يرام حالياً.
تكمن الأهمية الاقتصادية للبنان بالنسبة للمملكة العربية السعودية بحسب دراسة وضعها مجلس الغرف السعودية في كونه سوقاً قريبة لها يمكن الوصول إليها براً وبحراً، وهي تمثل عمقاً للسوق السعودية في مجالي التجارة والاستثمار، فهي سوق تمثل حوالى 5 ملايين نسمة بمعدل دخل فردي سنوي يبلغ حوالى 15 ألف دولار.
يعد لبنان من المنظور السعودي بوابة مهمة للمنتجات السعودية إلى دول الشام والمشرق العربي، كما يمكن أن يمثل نقطة انطلاق للمنتجات السعودية لدول شمال أفريقيا وأوروبا. للبنان كما يرى القطاع الخاص السعودي دور مهم ومؤثر في التطورات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، ويوفر فرصاً استثمارية مربحة لرجال الأعمال السعوديين في جميع القطاعات الاقتصادية، ويعتبر مورداً مهماً للمملكة للعديد من المنتجات الغذائية والصناعية ذات المزايا النسبية (السلع غذائية، محولات كهربائية، ذهب، وحلي، كتب).
أما الأهمية الاقتصادية للمملكة بالنسبة للبنان فتتمثل في كونها سوقاً لحوالى 28 مليون نسمة بمتوسط دخل فردي سنوي يبلغ حوالى 20 ألف دولار، وتستوعب نسبة كبيرة من العمالة اللبنانية التي تتجاوز 300 ألف نسمة تشكل مصدراً مهماً لتحويلات المغتربين إلى البلد.
وتشكل السعودية للبنان بوابة رئيسة لمنتجاته الى الأسواق الخليجية، وموّرداً مهماً للنفط الخام ومنتجاته والمنتجات البتروكيماوية للأسواق اللبنانية، كما أنها مصدر مهم للاستثمارات للبنان في مختلف القطاعات، وبخاصة القطاعين العقاري والسياحي، وتمثل المملكة مصدراً مهماً للدخل السياحي في لبنان، إذ يشكل السعوديون أكثر من 20% من السياحة الوافدة للبنان.
واردات المملكة من لبنان لا تمثل سوى حوالى 0.2% فقط من إجمالي وارداتها من العالم. صادرات المملكة للبنان لا تمثل سوى حوالى 0.3% فقط من إجمالي صادراتها للعالم. أما صادرات لبنان للمملكة فتمثل حوالى 7% من إجمالي صادرات لبنان للعالم.
لذا يبدو جلياً أن حجم وأهمية التبادل التجاري بين البلدين لا يتناسبان مع الإمكانيات الاقتصادية ونوعية المنتجات والأسواق في البلدين، ولا يُستفاد من ميزة القرب الجغرافي، وعناصر التكامل الاقتصادي بين البلدين (عمالة، أسواق، رؤوس أموال، فرص استثمارية، اتفاقيات تفضيلية).
خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، تأثرت العلاقات الاقتصادية بين لبنان والمملكة سلباً بالظروف العربية والدولية الحاضرة بقوة، وقد تجلى ذلك في التداعيات المصاحبة للأزمة المالية العالمية، كالسياسات الحمائية، وتقلبات أسعار الصرف، وارتفاع تكاليف النقل، وارتفاع تكاليف التأمين، وأخطار عدم السداد.
أثّرت الثورات العربية في بيئة الاستثمار في المنطقة، وتغير الوجهات الاستثمارية والسياحية للمستثمرين في المنطقة وفي العالم. أما التطورات الأخيرة في سوريا والوضع الأمني والسياسي في لبنان فقد رفع من معدل الحذر لدى المستثمرين السعوديين من السوق اللبنانية، وأوجد حالة من الترقب والانتظار لديهم.
يشكو القطاع الخاص السعودي، وهو محق، من مجموعة من المعوقات لدى الجانب اللبناني تعيق الكثير من تطوير وتقوية حجم تدفق الاستثمارات بين البلدين، كتحسين بيئة الاستثمار في لبنان، وتسهيل منح التراخيص من حيث الوقت، والمستندات. ويطالب رجال الاعمال والمستثمرون السعوديون بنوع من الطمأنة من قبل المسؤولين اللبنانيين المعنيين بتوفير الضمانات اللازمة في ظل الظروف الراهنة في لبنان والمنطقة.
واليوم لتنشيط الحركة الاقتصادية بين البلدين فإن لبنان مطالب بحزمة من التعديلات الجوهرية على العوامل التي تحكم العملية الاقتصادية بين البلدين، كتخفيض تكاليف عمليات الاستيراد والتصدير، الاستفادة من المزايا التفاضلية التي توفرها الاتفاقيات العربية للسلع المتبادلة بين البلدين تمهيداً لإبرام اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة، والاتفاق على تسهيل الإجراءات المتعلقة بتأشيرات وتنقلات رجال الأعمال بين البلدين، ووضع برنامج للتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص بشأن تبادل المعلومات الخاصة بالفرص التجارية والاستثمارية في البلدين، وضع وتنفيذ برنامج لاستفادة لبنان من البرنامج السعودي لتمويل الصادرات، وغيرها من الأفكار والمقترحات.