تتضافر الضغوط على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لثنيه عن الخروج من الاتفاق النووي الإيراني. وعلى وقع تهديدات طهران بتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم، ونصائح الأوروبيين بعدم جدوى فرط الاتفاق، تضيق الخيارات أمام ترامب، الذي يناقش مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، سلّة من خيارات بديلة، تحقق محاصرة إيران مع الإبقاء على الصفقة.وعلى مسافة أيام من 12 أيار المقبل، موعد ترامب ليقول كلمته في الاتفاق، يدخل الملف نفقاً معقداً، تظهر فيه الحسابات متناقضة بين واشنطن والعواصم الغربية المشاركة في الصفقة. يعبّر ترامب عن رغبته الواضحة بتحقيق عزلة قاسية على طهران، تنسف عملياً الاتفاق، ما يجعل الحديث عن خروج واشنطن منه من عدمه أمراً هامشياً، في ظل استعادة لغة العقوبات والحظر، وفق تأكيد المسؤولين الإيرانيين. من الجهة الأوروبية، المأزق الغربي يكبر كلما اقترب الوقت من موعد أيار، إذ يعجز الأوروبيون حتى اليوم عن توحيد موقف يستجيب للضغوط الأميركية ويحفظ المصالح الاقتصادية مع إيران في الوقت ذاته. أما إيران، فتحاول التأكيد، على لسان مسؤوليها، أن ضرب الاتفاق سيكون بالغ الثمن، وسيواجَه برد «مدروس مسبقاً».
العقوبات الأوروبية البديلة، التي فشل الاتحاد الأوروبي تحت وطأة المعارضة الواسعة لها، في إقرارها، وكذلك محاولة ماكرون، باسم الثلاثي (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) إقناع ترامب بالتريث والمزيد من النقاش، ستكون أبرز القضايا في الشق الإيراني من زيارة ماكرون اليوم إلى واشنطن، والتي تستمر ثلاثة أيام. وبحسب مصادر البيت الأبيض، يناقش ماكرون وترامب، غداً الثلاثاء، الملف الإيراني. واستبق ماكرون الزيارة بالتأكيد على أنه «ليست لديه خطة بديلة» من الاتفاق النووي، مشدداً في حديث إلى شبكة «فوكس نيوز» على ضرورة أن تبقى الولايات المتحدة داخل الاتفاق «ما دام لا يوجد خيار أفضل». ورأى ماكرون أن إطار العمل (الاتفاق النووي) «أفضل من الوضع الذي تمثله كوريا الشمالية». ووفق تصريحات ماكرون، فإن الأخير وحلفاءه الغربيين سيحاولون تطمين ترامب لجهة توافقهم معه على ضرورة السير في إجراءات ضد إيران، بشرط تجنيب الاتفاق نفسه أي انهيار، عبر «معالجة قضية الصواريخ الباليستية، والعمل على احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة»، كما جاء في تصريحات الرئيس الفرنسي أمس.
إيران: لا سبب لبقائنا في اتفاق أحادي الجانب


الإجراءات الأوروبية ضد برنامج طهران الصاروخي، ونشاط إيران في سوريا، والتي يسعى إليها الثلاثي الغربي، لم تحظ إلى الآن بموافقة الاتحاد الأوروبي، في وقت فشلت الضغوط الأميركية المكثفة، والتي وصلت حد تهديد الشركات الأوروبية، في إقناع الأعضاء الرافضين بإقرار مشروع العقوبات الذي يحتاج إلى إجماع الاتحاد. وهو ما يؤشر إلى صعوبة مهمة ماكرون، خصوصاً أن الفرنسيين المكلفين بالملف الإيراني لم ينجحوا في انتزاع موقف من إيران في شأن ملفي الصواريخ والدور الإقليمي، الأمر الذي تجلى بوضوح في زيارة وزير خارجية فرنسا إلى طهران قبل أسابيع.
لكن تبقى زيارة ماكرون المنسقة مع رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على قدر من الأهمية، على رغم فرص النجاح القليلة، في حال حصل الرئيس الفرنسي على وعد من ترامب بعدم الخروج من الاتفاق النووي والقبول بإجراءات عقابية بديلة. وهذا بالتحديد ما تطلبه المعارضة الأوروبية، التي تقودها إيطاليا، لمشروع العقوبات من داخل الاتحاد ضد إيران. إذ إن هؤلاء المعارضين ظلوا على موقف مشكك في جدوى العقوبات، باعتبار أن ترامب سيمزق الاتفاق في جميع الأحوال، وفي حال تجاوب ترامب مع ماكرون سيضمن الأخير استمرار المفاوضات القائمة. ولكن مع ذلك يبقى ملف العوائد الاقتصادية الأوروبية من التقارب مع إيران محل جدل وعدم ثقة بين الأطراف، لا سيما أن من المستبعد رضى جميع الأطراف الأوروبيين بالتفريط بهذه المكاسب للحسابات الأميركية فقط، مع الإشارة إلى مساعٍ أميركية حثيثة لإخراج الشركات الأوروبية من إيران.
على الضفة الإيرانية، تجدد طهران مواقفها المحذّرة من مغبة الانقلاب على الاتفاق. وقال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أثناء وجوده في نيويورك، إن بلاده «ستتخذ بعض القرارات التي درستها مسبقاً في حال إلغاء الاتفاق». وغمز ظريف من زاوية الضغوط الأميركية على الشركات الأوروبية التي تنوي العمل داخل إيران، مهدداً بأنه في حال تضاءلت مكاسب إيران المترتبة من الاتفاق «فلن يعود ثمة سبب لاستمرار بقائها فيه لأن اتفاقاً أحادي الجانب مرفوض من قبل إيران». واتهم الوزير الإيراني ترامب بمحاولة «ثني شركائنا الاقتصاديين عن العمل مع إيران»، مخاطباً الأوروبيين بالقول: «إذا أراد الأعضاء الأوروبيون للاتفاق النووي القيام بشيء ما، فعليهم أن يعملوا على استمرار هذا الاتفاق»، وأضاف أن «استمرار هذا الاتفاق لا يكمن في إيلاء المزيد من الاهتمام بالمطالب الأميركية الإضافية بل هو إخضاع الولايات المتحدة للوفاء بالتزاماتها».
هذه المواقف المستبقة لقمة ماكرون ـ ترامب، تقدم انطباعاً على أن هامش المناورة الأوروبية لن يكون واسعاً أمام الأميركيين، ما يجعل حسم الموقف الأوروبي من الاتفاق ضرورياً، في ظل تلميح إيران لإمكانية الرد بالانسحاب من الصفقة، أو على الأقل إفراغها من أي مكاسب في شقَّي الاقتصاد وتخصيب اليورانيوم.