طُرحت قضية النفايات البلاستيكية منذ زمن بعيد كمشكلة دولية عابرة للحدود. وفي عام 2019، جرى البحث، للمرة الأولى، في إمكانية تعديل اتفاقية بازل التي تضبط انتقال النفايات الخطرة عبر الحدود، لكي تشمل ضبط هذه النفايات وإدارتها، وخصوصاً بعد قرار الصين عام 2018 وقف استيراد هذه النفايات ومعالجتها على أراضيها.وبُرّر طرح تخصيص اتفاقية دولية للنفايات البلاستيكية بأن خطر التلوث البلاستيكي يعادل تقريباً خطر تغيّر المناخ، وأن جزيئات بلاستيكية دقيقة رُصدت في الهواء والتربة في كل أنحاء العالم، وكذلك في المحيطات وفي ثلوج القطب الشمالي، وأنها المُسبِّب الأول لنفوق أنواع عديدة من الحيوانات البرية والبحرية. ويشير تقرير سيعرض في الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة إلى أن «حجم البلاستيك المتوقع اكتشافه في البحار، بحلول سنة 2040، يمكن أن يتجاوز الوزن الإجمالي للأسماك في المحيط». فيما تقدّر دراسة أخرى أن كل شخص يمكن أن يستهلك في حياته ما يقارب طناً من المواد البلاستيكية بمختلف أشكالها!
هل هذه المعطيات كافية لكي تُخصص لهذه النفايات اتفاقية، تحت مظلة أممية، ذات أهداف ملزمة للحد من إنتاج البلاستيك والنفايات على حد سواء؟
سبق للأمم المتحدة أن حددت ثلاثة تهديدات بيئية «وجودية»، هي تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث، وخلصت إلى ضرورة التصدّي لها معاً. نحو 30 عاماً مرّت على الاتفاقيات المتعددة الأطراف لمعالجة هذه القضايا، من دون أن تنجح في وقف انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أو في حماية التنوع البيولوجي ووقف انقراض الأنواع والحدّ من التلوث. فما الذي يمكن أن تحققه اتفاقية جديدة حول البلاستيك؟
أثار الحديث عن التلوث البلاستيكي غير المرئي قلقاً عالمياً وحملات دولية كبيرة للإشارة إلى الضرر الناجم عن الإفراط في إنتاج البلاستيك «البكر» ودورة حياته التي لا رجعة فيها، وتهديده لقدرة الكوكب على الحفاظ على بيئة صالحة للسكن. ويطالب المناصرون لاتفاقية دولية في هذا الشأن بالتركيز على التحليل الكامل لدورة حياة البلاستيك لتطال المستويات غير المستدامة للإنتاج والاستهلاك، وليس الاكتفاء بسياسات تشجع على استخدام البلاستيك «القابل لإعادة التدوير». إذ إن هذه السياسات لن تكون فعالة في غياب بنية تحتية محلية لجمع المواد البلاستيكية وفصلها وإعادة تدويرها وأيضاً في غياب بنية تحتية مناسبة لاستخدام المواد البلاستيكية التي يمكن أن تتحول الى مواد عضوية وسماد.
كلّ شخص يستهلك في حياته نحو طن من المواد البلاستيكية


إلا أن هذه الأفكار لا تزال تتجاهل أصل المشكلة والخلفية الفكرية التي روّجت لهذه المادة الخفيفة واللينة والصلبة في آن، وأدخلتها في الصناعات الخفيفة كالأغلفة الشفافة والملابس والأحذية وفراشي الأسنان... والدقيقة كالسيارات وأنابيب نقل المياه والأدوات الكهربائية والإلكترونية... فهل ستكتفي معاهدة دولية بكيفية إدارة القمامة البحرية عموماً، أم ستتضمن مراجعة دورة حياة البلاستيك الكاملة من مرحلة الاستخراج الى الإنتاج فالاستهلاك… الى مرحلة مراجعة نظام اقتصاد السوق المسيطر؟ وإذا نجح العالم في وضع قواعد عالمية كهذه في اتفاقية (وهذا مستبعد)، فمن يضمن التزام كل الشركات ــــ الدول بها؟ علماً بأن هناك من بدأ يتخوف من ألا تكون هناك معايير صارمة لضمان تكافؤ الفرص، تماماً كما لم تنجح الاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ منذ 30 عاماً في وضع معايير عالمية عادلة وشاملة وملزمة للجميع، في ظل اقتصاد سوق عالمي حر تتسابق فيه الشركات على الموارد والأسواق حتى الموت!



لبنان «يستورد» نفايات خطرة؟
كيف يمكن أن يتفاعل بلد مستهلِك ومستباح كلبنان، انهارت الدولة فيه وبات معرّضاً أكثر من أي وقت مضى لشتى أنواع الاستغلال من تجار وشركات، مع اتفاقية دولية لمعالجة النفايات البلاستيكية؟
في قانون إدارة النفايات عام 2018، تضمّنت المادة 26 بنداً غريباً عن «استيراد وتصدير ونقل النفايات الخطرة والتي لا يجوز أن تحصل إلا بعد موافقة وزارة البيئة». وإذا كان مفهوماً البحث في كيفية «تصدير» النفايات الخطرة التي لا قدرة للبنان على معالجتها (مع العلم بأن معظم المواد المنزلية الخطرة مستوردة ويجب أن تعاد الى منتجها)، إلا أن ما ليس مفهوماً هو سبب نص هذا القانون على إمكانية «استيراد» نفايات خطرة، وخصوصاً أن لوائح التصنيف باتت تحتاج الى مراجعة وتعديل، ولا سيما بعد انفجار المرفأ واكتشاف مواد مخزّنة تبيّن فعلاً مدى خطورتها.
وقد وضع وزير البيئة ناصر ياسين هذه المادة على جدول أعمال لجنة البيئة النيابية لمراجعة تعديل قانون النفايات، مع مواد أخرى مقترحة لوضع قضية إدارة ملف النفايات عموماً على سكة الحل الشامل والمستدام والخروج من خطط الطوارئ المزمنة.


كبار الملوِّثين
عندما طُرح وضع اتفاقية تتعلق بالنفايات البلاستيكية قبل سنوات، لقي الأمر معارضة كبيرة. لكن المعارضة لهذا التوجه بدأت تضعف مع موافقة نحو 100 دولة على عقد مثل هذه الاتفاقية. إلا أن النقاش لا يزال محتدماً حول مدى صرامتها، وما إذا كان ينبغي أن تكون ملزمة قانوناً أو طوعية. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، لا ضمانة بموافقة الكونغرس على مثل هذه الاتفاقية (رفضها الرئيس السابق دونالد ترامب) بسبب ضغوط اللوبي النفطي. إذ إن معظم المواد البلاستيكية تصنع من النفط، فيما تحاول اليابان التقليل من طموح المعاهدة، وتلتزم الصين ودول الخليج العربية الصمت.
وتنتج الصين معظم «البلاستيك البكر» في العالم، وكانت قبل 2019 المستورد الأول للنفايات البلاستيكية، فيما تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في إنتاج هذه النفايات وتصديرها. إذ تنتج العدد الأكبر من أغلفة السلع البلاستيكية للمشروبات الغازية (كـ«كوكا كولا»). كما تعتبر الولايات المتحدة وبريطانيا أكبر منتجي هذه النفايات على مستوى الفرد في العالم، وتتصدر اليابان وألمانيا وبريطانيا طليعة البلدان المصدّرة للنفايات البلاستيكية بعد الولايات المتحدة.