رغم الجهود، فسّر المدير العام لوزارة البيئة برج هتجيان الماء بالماء. وبعد جلسة ثانية عقدتها لجنة البيئة النيابية، الخميس الماضي، حول موضوع الأضرار البيئية الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، لم يأخذ أعضاء اللجنة من هتجيان «لا حقاً ولا باطلاً».فالمدير العام لم يسلّم اللجنة أياً من المستندات التي طلبتها كما وعد في الجلسة الأولى الأسبوع قبل الماضي. وعاد إلى تكرار الكلام العمومي نفسه، رغم أنه مُكلّف من وزير البيئة دميانوس قطّار برئاسة لجنة مهمتها وضع تقرير عن وضع المرفأ والمخلّفات الناجمة عن الانفجار وأنواعها، لا سيما النفايات الخطرة التي تكدّست في المرفأ قبل الانفجار. هكذا، لم يفهم أعضاء اللجنة ما هي هذه النفايات، ولماذا كُلّفت شركة ألمانية محددة نقلها إلى الخارج، وما إذا كان على الدولة أن تدفع الكلفة؟ وكيف جرى الأمر من دون إجراء مناقصات؟ وأسئلة أخرى كثيرة.
رئيس اللجنة أكرم شهيب توقف عند عدم تجاوب هتجيان، مذكراً بأن هدف اللجنة أخذ العبر والدروس والبحث في إمكانية تعديل القوانين أو القرارات الوزارية إذا كانت لا تحقق الغرض منها. وأشار خصوصاً إلى القرار ١/٧١ الصادر عام ١٩٩٧ الذي ينظّم استيراد النفايات. إذ يحدد النفايات التي لا يُسمح باستيرادها إلا من قبل المؤسسات ذات الصفة الصناعية الملائمة والمرخّص بإنشائها. ويشترط لأي عملية استيراد إبراز مستندات محددة، مثل إفادة صادرة عن جهة رسمية تثبت الصفة الصناعية للمؤسسات المستوردة، ومستند صادر عن السلطات الرسمية في بلد المنشأ يثبت موافقتها على تصدير هذه النفايات باعتبارها غير خطرة مع شهادة مخبرية تحدد التركيب الكيميائي للنفايات وتثبت عدم تلوثها بمواد محظورة وخطرة، إضافة إلى مستند تحدّد فيه المؤسسة الصناعية المستوردة وجهة الاستعمال. وسأل شهيّب: «لماذا لم تحترم هذه القرارات؟ وكيف تراكم أكثر من خمسين مستوعباً من النفايات في المرفأ ستتكلف الدولة لترحيلها أكثر من مليوني دولار؟».
محافظ بيروت القاضي مروان عبود، الذي حضر الجلسة، تحدث عن كيفية إدارة الردميات، مشيراً إلى أنه راسل وزارة البيئة طلباً للمساعدة فلم يأتِه جواب، وعندما راسل المدير العام مباشرة، «جاء جواب لم يفِدنا بشيء»!
وبالتداول في موضوع إدارة الردميات، في المرفأ وخارجه، تبين أن هناك ضياعاً كبيراً في كيفية إدارة هذه الملفات، وضعفاً في الجهوزية لدى وزارة البيئة التي لم تحدد، تاريخياً، طرق تجميع الردميات ومعالجتها (في كل محافظة على الأقل)، مع إمكانيات إعادة استخدامها وتوفير الكثير من طحن الجبال والكسارات. كذلك ساد الغموض طريقة إدارة بعض الردميات ذات الجدوى الاقتصادية العالية والموجودة بكميات كبيرة في المرفأ كالمعادن وهياكل البواخر والسيارات. وفيما أشارت آراء إلى ضرورة انتظار شركات التأمين قبل التصرف بالردم والأملاك الخاصة، تمت الإشارة إلى وجود قانون يجيز لإدارة المرفأ التصرف بهذه المواد بعد 90 يوماً إذا كانت خطرة وبعد 180 يوماً للمواد العادية.
المدير العام لم يسلّم اللجنة أياً من المستندات التي طلبتها كما وعد


وتطرق النقاش إلى دور هيئة الكوارث التي تقرّر دعوتها إلى اجتماع اللجنة الخميس المقبل، ولا سيما ما إذا كان يُفترض أن يكون ضمن هذه الهيئة تخصصات معينة أم أن تكون شاملة برئاسة رئيس الحكومة، مع ما ينطوي عليه ذلك من فوضى وارتجال كما حصل في إدارة كارثة المرفأ وكوارث أخرى كالتلوث النفطي وحرائق الغابات.
وبحثت اللجنة أيضاً في ملف النفايات الصلبة، فأشار ممثل مجلس الإنماء والإعمار ابراهيم شحرور إلى تراجع كمية النفايات التي تذهب إلى مطمرَي كوستا برافا والجديدة من 3500 طن يومياً عام 2019 إلى 2500 طن عام 2020، متوقعاً أن تكون الكميات أقل هذا العام بسبب إقفال الفنادق والمطاعم. ولفت شحرور إلى أن معمل الفرز في الكرنتينا لا يزال متوقفاً عن العمل بعد تضرره في الانفجار وبسبب الكلفة العالية لإعادة تأهيله، وإلى أن عقود توسعة المطامر وتأهيلها تعطّلت بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. لكنه أشار إلى أن هناك إمكانية لتشغيل ثلاثة خطوط جديدة للفرز في معمل العمروسية خلال أسبوعين. وقدّر نسبة الطمر في الكوستابرافا بـ 80%، وفي مطمر الجديدة بـ100% بسبب تعطل معمل الكرنتينا. كما قدر العمر المتبقي لمطمر كوستابرافا بسنتين إذا بقيت نسبة النفايات التي تذهب إليها على حالها، وسنة لمطمر الجديدة بعد قرار التوسعة الأخيرة. وحذّر من أن لا خطط بديلة عن مطمر الجديدة البحري لخدمة كسروان والمتن وقسم من بيروت بعد ذلك، ومن أن أزمة النفايات ستتكرر بعد أقل من سنة. وهنا سأل شهيب هتجيان عما حضرته وزارة البيئة للمرحلة المقبلة كبديل عن خطة الطوارئ، فردّ بأن الوزارة وضعت خطة عام 2006 كبديل عن مطمر الناعمة وتم تطويرها وتعديلها أكثر من مرة (آخرها عام 2015)، إلا أن كل ذلك فشل، معتبراً أن الأمور التنفيذية تقع على عاتق مجلس الإنماء والإعمار وليس على «البيئة». علماً أن خطة عام 2006 التي لم تكن مثالية، ساهم هو نفسه في إفشالها عندما تأخر في تأمين دراسة الأثر البيئي للمواقع المختارة لإنشاء المعامل والمطامر. وقد رد ممثل مجلس الإنماء والإعمار بأن مجلس النواب أقرّ قانوناً للنفايات عام 2018، ونزع الصلاحية التنفيذية والتخطيطية عن مجلس الإنماء والإعمار. وقد حدّد هذا القانون مهمتين رئيسيتين لوزارة البيئة لم تنجزهما، وهما وضع استراتيجية لهذا القطاع وإنشاء الهيئة الوطنية لإدارته.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا