على وقع هتافات أفراد من الناشطين في المجتمع المدني رفضاً لأي حلٍ عشوائي للنفايات في طرابلس، انطلق أمس المؤتمر المخصص لبحث أزمة جبل النفايات في المدينة. المؤتمر دعا إليه رئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدين وضم كل نواب المدينة الجُدد (باستثناء فيصل كرامي الذي استعاض عن الحضور بإطلاق فيديو مصوّر على «فيسبوك» حول الموضوع)، وأعضاء المجلس البلدي وخبراء بيئيين. النقاش داخل قاعة «قصر نوفل» احتدم بعدما اقترح الرئيس نجيب ميقاتي الطلب من المعتصمين انتداب ثلاثة أشخاص لتمثيلهم والتعبير عن مطالبهم. إذ فيما كان هؤلاء يصرّون على رفضهم اعتماد المطامر أو المحارق كحلول للأزمة، كشفت النائبة ديما جمالي أن «مطمر النفايات الجديد والمزمع إنشاؤه على مساحة 120 ألف متر مربع والقائم على ردم البحر بالقرب من المنطقة الإقتصادية الحرة وعلى خطٍ ملاصق لجبل النفايات الحالي، تنتهي المرحلة الأولى منه في أيلول المقبل، وقد أُقر العمل به في الجلسة ما قبل الأخيرة لمجلس الوزراء». وعرض المهندس ربيع عسيران المكلّف من مجلس الإنماء والإعمار التخطيط للمطمر الجديد رسما هندسيا لهيكل المطمر، كاشفاً أنه «من المقرر اعتماده لثلاث سنوات فقط وسعته الاستيعابية لا تتجاوز الـ450 ألف طن من النفايات». فكرة اعتماد المطمر لفترة زمنية مؤقتة أثارت استغراب الحاضرين، فانبرى ممثل المجتمع المدني الدكتور فوزي فرّي للاستفسار عن الأمر، وجاءه الجواب على لسان رئيس لجنة البيئة في البلدية الدكتور جلال حلواني الذي قدّم عرضاً تفصيلياً للخطة المستدامة لمعالجة أزمة النفايات، وتقوم على تفعيل دور معملي الفرز والتسبيخ في المدينة وإعداد مطمر دائم للنفايات في منطقة دير عمار (يمكن استخدامه لمدة 40 عاماً)، وتحديداً في العقار 399 العائدة ملكيته للدولة اللبنانية ومساحته 421493 متراً مربعاً، في منطقة صناعية فيها منشآت نفطية خارج الخدمة حالياً. لم يعترض فرّي على فكرة نقل نفايات طرابلس إلى منطقة أخرى، إلا أنه لفت الى أن «الثقة بكم كنواب وبالدولة اللبنانية ككل مفقودة تماماً، ولا أعتقد أن هناك مطمراً صحياً أو مؤقتاً، لأن التجربة اثبتت أن ما تسمونه مؤقتاً يستمر العمر كله».
إذاً، بدا واضحاً أن الحكومة اتخذت قرارها بهذا الشأن في حين كان المجتمع المدني غافلا عن الأمر، ولم يكن المؤتمر سوى حركة تمهيدية لـ«زفّ» الخبر لأبناء المدينة. ونظراً لكون إقامة مطمر جديد لا يُنهي الكارثة البيئية المتمثلة بجبل النفايات، أكد النائب سمير الجسر أن «الحل يكون بإغلاقه نهائياً وتركه لما يقارب الـ10 سنوات ريثما يتحلل الغاز فيه، ومن ثم تحويله إلى حديقة عامة وفقاً لنماذج عالمية كثيرة». الجسر وزميلاه في تيار المستقبل، جمّالي والنائب محمد كبارة، جهدوا في الترويج للحل «الصحي»، مشيرين إلى «ضرورة اعتماد المطمر كحل بيئي سريع لأن المدينة لا يمكن لها أن تستمر على هذه الحال». في حين طالب ميقاتي بـ«وضع استشاري متخصص لتحسين العمل في معملي الفرز والتسبيخ ومراقبتهما لأن لا حلّ فعليا للأزمة من دون فرز ومعالجة حقيقية للنفايات، فالطمر العشوائي سيؤدي في النهاية إلى تكرار المعاناة التي تشهدها طرابلس حالياً. بالإضافة إلى تعيين استشاري ومراقب للمطمر الجديد».
وحدها الخبيرة البيئية ميرفت الهوز قدمت حلّاً بيئياً مدروساً يُجنّب المدينة ويلات كثيرة، إلا أنها لم تلق الدعم المطلوب. إذ أكدت أن «الحل الأمثل لجبل النفايات الحالي هو بمعالجته عبر سحب النفايات فيه من الأسفل إلى الأعلى وإعادة فرزها واستخدام ما يخرج عنها من عوادم في عمليات الردم»، مشيرةً إلى «وجود تقنية علمية مدروسة لتنفيذ هذه العملية بدقة ومن دون أي خطورة». وإذ أعلنت رفضها للطرح القاضي باعتماد مطمر جديد في المدينة، مشيرةً إلى «أننا نقوم بنقل المشكلة من مكان إلى آخر»، أكدت أن «إعادة استحداث وتجهيز معملي الفرز والتسبيخ بالتزامن مع إطلاق حملات توعية حول الفرز من المصدر وتحفيز المواطنين على ذلك هو الحل الأمثل لأزمة النفايات».
وقد بدأ العمل بجبل النفايات في طرابلس عام 1994. في حينه، تقرر أن يكون مطمراً صحياً وأن يغلق بعد عشر سنوات، إلا أن العمل فيه استمر حتى اليوم نتيجة غياب البدائل. ويضم المكب حالياً ما يقارب مليوني طن من النفايات وقد فاق علوه الـ49,5 متراً، وهو ما يهدد المدينة بخطر إنهياره أو انفجاره خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة صيفاً.