ما هي المشاريع المصنفة «بيئية» التي ستعرض على مؤتمرات التمويل الدولية التي يتم التحضير لها؟ لا سيما مؤتمر باريس 4 المخصص لدعم «الاستثمار» في لبنان؟ كيف سيتم تصنيفها واختيارها؟ ومن حدّد الحاجات ووضع الخطط ومع من تمّ مناقشتها وإشباعها درساً؟
يقال إن بينها ما يتعلق بالنفايات الصلبة والمياه المبتذلة والسدود السطحية لتخزين المياه، بالإضافة إلى المشاريع في البنية التحتية… وكلها مشاريع تحتاج إلى دراسات تخطيط استراتيجية، أو دراسات بيئية معمقة، كان يجب أن تندرج ضمن استراتيجية التنمية المستدامة... التي لم تُنجز بعد! فعلى أيّ أساس سيتم طلب التمويل؟! وهل نحن بحاجة فعلاً لتمويل خارجي، أو حتى للشراكة مع القطاع الخاص لمعالجة مشاكل ناتجة في معظمها عن سوء الإدارة وفسادها أكثر من أيّ سبب آخر؟!
في موضوع النفايات الصلبة، لم تذهب الحكومة في الاتجاه الصحيح، مع الإشارة إلى أن الاتجاهات التي تُرضي المستثمرين (الدوليين أو المحليين) ليست بالضرورة هي الاتجاهات الصحيحة التي يُفترض تحديدها. مع العلم أيضا أن «ملخص السياسات» في إدارة النفايات الذي تبنّته الحكومة دون نقاش، لم يتبنَّ المبادئ الاستراتيجية التي تحدّد أيّاً من الاتجاهات يجب أن نسلك وما هو نوع المشاريع التي يُطلب تمويلها، خصوصاً أن بعض من يخطط في وزارة البيئة، لم يقتنع بدمج جميع أنواع النفايات في استراتيجية واحدة وظلّ مصرّاً على فصل تلك الصلبة عن السائلة (لعدم الاختصاص)! بالإضافة إلى عدم مناقشة مبادئ يمكن أن نتجنّب فيها الكثير من النفايات المصنّفة خطرة، لا سيما مبدأ الاسترداد. فإذا عرفنا أن معظم النفايات المصنفة خطرة هي مستوردة، (وأن أوروبا لا تزال المصدّر رقم واحد إلى لبنان)، لكنّا استفدنا من فرصة عقد المؤتمرات للبحث في كيفية استرداد بعض أنواع السلع التي تتحول إلى نفايات خطرة إلى بلد المنشأ فلا نحرقها أو نطمرها أو نرميها في البر والبحر.
ولو كانت لدينا استراتيجية للتنمية المستدامة، والتي كان من المفترض من بين أول مهامها تحديد الـوليات، لكانت منحت الأولوية لتجنّب الضرر على إنشاء مشاريع تصنّف «تنموية». وفي هذه الحال، أولوية معالجة مياه الصرف على إنشاء السدود السطحية لجمع المياه غير الضرورية، والتي تأخذ عادة الحصة الأكبر من التمويل، حسب «استراتيجية» المياه عام 2010. فكيف نطلب إنشاء سدود سطحية في وديان يتم تحويل مياه الصرف إليها؟! ثم كيف نجمع كميات إضافية من المياه في حين الأولوية لمعالجة الهدر في الشبكات الذي يتجاوز الـ30%؟!
وحسب ما سُرّب من التحضيرات لتمويل المشاريع التي قد تبلغ ما يقارب 17 مليار دولار، فإن الحصة الأكبر المطلوبة هي لقطاع النقل والطرقات والجسور، وهي مشاريع لمصلحة تجار السيارات الصغيرة (والشركات المنتجة طبعاً) أكثر مما هي لمصلحة التنمية في لبنان! مع العلم أننا لم نتعلم شيئاً من التجارب التاريخية في هذا المجال، إذ أخذت مشاريع البنية التحتية منذ بداية التسعينيات حصة الأسد من تمويل المشاريع، في وقت زادت أزمة السير بدل أن تنخفض (مع استنزاف الاقتصاد الوطني بالعملات الصعبة وزيادة فاتورة الاستشفاء لمعالجة الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء)، ولا زلنا نسير في نفس المنهجية الاستنزافية!
حال الصرف الخاطئة على توسيع الطرق والجسور مثل حال السدود السطحية التي تأتي في المرتبة الثانية (لطلب التمويل) والتي لا نحتاجها أبداً، مثل حاجتنا لسياسات غير مكلفة لتشجيع النقل العام وسياسات ضبط الاستهلاك ووقف السرقة والهدر في قطاع المياه، كما في قطاع الطاقة.
تأخرت وزارة البيئة كثيراً في اقتراح استراتيجية للتنمية المستدامة، وقد كانت مهمة رئاسة الحكومة، الأكثر إلحاحاً من البحث عن تمويل خارجي غير ضروري، الإشراف عليها والدعوة لمناقشتها مع الوزارات والقطاعات المعنية كافة، قبل طلب الاستثمار من الداخل (القطاع الخاص) والخارج.