القاهرة | يتزايد الخلاف بين الحكومة المصرية و«صندوق النقد الدولي» حول الإصلاحات الاقتصادية التي جرى الاتفاق عليها، فيما تحاول الأولى إرجاءها لأطول فترة ممكنة، ما أصاب قطاعات عدّة بحالة من الشلل، فيما مدَّدت كلّ من الإمارات والكويت ودائع دولارية في المركزي المصري بقيمة 2.6 مليار دولار، كانت مستحَقّة خلال العام الجاري. وفي ظلّ الوضع القائم، يُتوقّع أن يرفع «المركزي»، خلال الاجتماع الدوري للجنة السياسات النقدية المقرّر عقده غداً الخميس، الفائدة بما لا يقل عن 2%، بهدف احتواء آثار التضخّم الذي تجاوَز الـ 30%، والذي قد يظلّ على حاله حتى مع اعتماد إجراءات اقتصادية ستتضمّن تخفيضاً جديداً في سعر الجنيه. وفي هذا الجانب، كشفت مصادر مصرفية، لـ«الأخبار»، أن عدداً من البنوك الحكومية تستعدّ لإصدار شهادات بفائدة تصل إلى 30%، للحدّ من الضغوط التضخميّة، وخاصّة بعد انتهاء مدّة الشهادات الاستثنائية التي أودعت بعد التعويم الأول للجنيه، العام الماضي، بفائدة 18%، واستحقاقها للمواطنين في هذه الأيام.وتشير التقديرات الحكومية غير الرسمية إلى إخفاق البنك المركزي، في ظلّ المعدّلات الحالية، في لجم التضخّم بحلول الربع الرابع من عام 2024، عند 7%، إذ بات تحقيق هذا الرقم شبه مستحيل، في ظلّ التباطؤ الحادّ في تطبيق العديد من الإجراءات، إلى جانب الفوائد الكبيرة التي تُدفع على السندات بالدولار، فضلاً عن استمرار تدنّي مستويات الإنتاج وعدم تحقيق الأهداف الموضوعة في التصدير أو بيع الأصول الحكومية وفق الأرقام التي وضعتها الحكومة المصرية، مضافاً إليها الديون التي يتوجّب سدادها خلال الفترة المقبلة. ومن المقرّر أن تُجري بعثة «الصندوق» والحكومة المصرية مراجعة دورية، بعدما حصلت القاهرة على الدفعة الثانية من القرض البالغة قيمته ثلاثة مليارات دولار.
لا تملك الحكومة رؤية لمعالجة الفجوة التمويلية المقدّرة مبدئيّاً بنحو 17 مليار دولار


وما يطلبه «الصندوق» في المراجعة، هو معرفة سبب التأخُّر في الطروحات الحكومية والاستقرار على تنفيذ عمليّات البيع بما يضمن دخلاً بالدولار للحكومة، إلى جانب استفسارات واستيضاحات حول نشاط العديد من القطاعات التي بدأت تتضرّر مجدّداً من جرّاء تأخُّر الإفراج عن السلع في الموانئ وغيرها من القيود غير المعلَنة على الاستيراد، والتي تنفّذها الحكومة بشكل منفرد بعدما تعهّدت بالتراجع عنها قبل موافقة «النقد الدولي» على القرض. وتُقدَّر المبالغ المطلوبة للإفراج عن السلع العالقة في الموانئ، بنحو أربعة مليارات دولار، وهو ما يعادل ربع المبلغ الذي وفّرته الحكومة نهاية العام الماضي، للحصول على الشريحة الأولى من القرض، في وقت يطلب فيه «الصندوق» مزيداً من التحريك لأسعار المحروقات، في موازاة خفض إضافي لقيمة الجنيه، ليصل إلى حوالي 40 جنيهاً لكلّ دولار، في خطوة من شأنها أن تزيد من حدّة الفقر، حتى في ظلّ برامج الحماية الاجتماعية الهزيلة المطبّقة. ولا تمتلك الحكومة، حتى الآن، رؤية لمعالجة الفجوة التمويلية المقدَّرة مبدئيّاً بنحو 17 مليار دولار، علماً أن جزءاً رئيسيّاً منها معتمِد على عمليّات بيع الأصول والتمويلات الميسّرة التي ستحصل عليها مصر من شركاء خليجيين وبعص الحلفاء الدوليين، فيما تعمل أيضاً على استغلال مواقف «صندوق النقد الدولي» الداعمة للاقتصاد المصري راهناً، من أجل حصْد مزيد من الدعم الدولي، والذي كان آخره الحصول على 7 مليارات دولار من «البنك الدولي» من خلال برنامج تمويلي يستمرّ حتى عام 2027.
وعلى رغم المؤشّرات الاقتصادية التي تتحدّث عن نموٍّ متوقّع بقيمة 4% في الربع الثاني من العام الجاري، وبلوغ خطط النموّ الحكوميّة 5% في نهاية العام المالي الحالي، أي نهاية تموز المقبل، إلّا أن هذه الأرقام لم تنعكس بشكل واضح على الوضع الاقتصادي في البلاد، وسط غضب شعبي غير مسبوق بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية.
لكن المؤكد هو أن رؤية الإدارة الجديدة التي عيّنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لـ«المركزي»، العام الماضي، بعد سلسلة إخفاقات للإدارة السابقة، باتت تنهار بشكل تدريجي بما ينذر بالأسوأ خلال الفترة المقبلة، ليس فقط بسبب استمرار تراجُع الاقتصاد غير النفطي وهروب الشركات إلى الخارج وخروج المستثمرين من البورصة وتزايُد الفجوة بين قيمة العملة في السوق الموازية والسعر الرسمي، ولكن أيضاً بسبب التأخُّر في اتّخاذ القرارات المطمئنة، وسط اضطراب حادّ في الأسواق بما يعطّل حتى المشاريع القائمة.