القاهرة | منذ الاحتجاجات التي خرجت على توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وتمّ وأْدها أمنيّاً، لم تشهد مصر أيّ تظاهرات كبيرة لم يجرِ التعامل معها أمنيّاً. لكن تظاهرات منظَّمة خرجت خلال الأيام الماضية، وسبق الإعلان عنها بأيّام، من دون أن تتصدّى لها الأجهزة الأمنية. واحتشد هذه المرّة آلاف المحامين أمام مقرّ النقابة العامة في القاهرة، يوم الخميس الماضي، احتجاجاً على التعديلات الضريبية الخاصّة بالفاتورة الإلكترونية، والتي ستبدأ وزارة المالية بتطبيقها على المموّلين اعتباراً من منتصف الشهر الجاري. وندّد المحامون بسياسات «المالية» في التعامل معهم، بخاصّة مع زيادة الرسوم من جانب وزارة العدل، والتعقيدات المتوجبة عليهم في ما يتعلّق بالدخل وطريقة احتساب وسداد الضرائب والغرامات المالية الباهظة المفروضة عليهم. ويُعدّ احتجاج المحامين، العودة الأبرز إلى الاحتجاجات الفئوية المنظَّمة؛ فالتظاهرات التي دعوا إليها، سبقتها حشود أمنية في منطقة وسط القاهرة، لكن الأمن الذي وقف صامتاً في مواجهة احتجاجات المحامين، جاء قراره بناءً على تعليمات أمنية انتهت إلى إجبار مسؤولي المالية، إيقاف القرارات الخاصة بالمحامين مؤقتاً.وتُعدّ مسألة الفاتورة الإلكترونية جزءاً من إجراءات الحكومة لاستيفاء شروط الحصول على قرض «صندوق النقد الدولي». لذا، جرى تأسيس شركة «إي تاكس» التي تمتلك وزارة المالية نصف أسهمها، فيما يمتلك النصف الآخر شركتين من بينهما «إي فاينانس» التي استحوذ «الصندوق السيادي السعودي» على 25% من أسهمها، ويتردّد أن الشركة الثانية، وتحمل اسم «الشركة المصرية للمشروعات»، تابعة لإحدى الجهات السياديّة.
للمرّة الأولى يُجبَر النظام المصري على التراجع عن قرار مرتبط بالاقتصاد، تحت وطأة التحرّك الشعبي


وبسبب عجْز الحكومة عن توفير الأموال اللازمة للشركة الجديدة من أجل بدء أعمالها، فهي أسندت للشركة بالأمر المباشر تقديم الخدمات والحصول على مقابل تأديتها من المموّلين، إضافة إلى نسبة من الرسوم تخصّص لوزارة المالية، الأمر الذي يعني أن على المطالبين بتسديد ضرائبهم للحكومة دفْع الضرائب والرسوم للشركة التي تحصّلها. وبخلاف التعقيدات الروتينية المطلوبة لإثبات الدخل والأموال المصروفة في الأعمال وغيرها من الإجراءات بما فيها رسوم التوقيع الإلكتروني فضلاً عن فرْض ضريبة القيمة المضافة، يواجه المحامون مشكلات تتعلّق بحصولهم على فواتير خاصة بجميع النفقات التي يقومون بدفْعها في المحاكم، بسبب النظام اليدوي المتّبع. ويعود جزء من الأزمة الرئيسة المرتبطة بالمحامين، إلى كثرة الالتزامات التي لا يتمّ الحصول بموجبها على فواتير رسمية يمكن اعتمادها، وهو ما يهدّد أعمالهم في ظلّ تعثُّر العديد من الموكلين عن سداد التزاماتهم المالية بسبب الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار تصوير الأوراق وتضاعفها بنسبة 400%.
وأجبرت قوّة احتجاج المحامين وصوتهم المرتفع، النظام على تلبية مطلبهم ولو بشكل مؤقّت، في حين تعتبر هذه الخطوة الأولى من نوعها منذ سنوات، والتي يجبَر فيها النظام على التراجع عن قرار مرتبط بالاقتصاد، تحت وطأة التحرّك الشعبي المنظّم.
لكن في مقابل الاستجابة لمطالب المحامين، كان لافتاً تجاهل التظاهرة التي شارك فيها وزيرا الخارجية السابقَين عمرو موسى ومحمد العرابي، إلى جوار عدد من الوزراء السابقين للاعتراض على عملية إزالة الأشجار من حي الزمالك في قلْب القاهرة لإنشاء موقف للسيارات. مفاجأة اشتراك وزراء سابقين في التظاهر ضدّ قرارات النظام، كانت صادمة حتى في أوساط الجهات المسؤولة التي لم تعرف كيف تتصرّف معهم. فعلى رغم أن التظاهرة كانت محدودة ولمدّة ساعتين تقريباً، إلا أن الأمن لم يتعامل معها على الإطلاق، علماً أن القانون يجيز توقيف جميع المشاركين لمخالفتهم تعليمات التظاهر والتجمهر.