القاهرة | على رغم أن سعر الدولار قفز بنسبة 57% في مقابل الجنيه الرسمي، منذ شهر آذار الماضي وحتى اليوم، إلّا أن هذه القفزة لم تُحقّق الهدف المأمول من قِبَل البنك المركزي، والمتمثّل في توفير العُملة الصعبة في الأسواق، في وقت استمرّت البنوك في رفْض فتْح الاعتمادات التي تطلبها الشركات، مع التدقيق المشدّد في حسابات العملاء والشركات بالعُملات الأجنبية، إلى جانب تضييق الخناق على العمليات المالية التي تَجرى في الخارج بواسطة كُروت الائتمان. ويأتي ذلك فيما لا يزال القائم بأعمال «المركزي»، حسن عبدالله، متخبّطاً في كيفية التعامل مع الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد آخر، بخاصة مع اشتراط «صندوق النقد الدولي» عدم تدخُّل «المركزي» في سعر الصرف، لتحقيق السعر الذي يلبّي حاجات السوق، وهو ما بات يشكّل عبئاً على موازنة الدولة، فيما يحاول «المركزي» حلّ المعضلة من خلال حلول وسطيّة تحدّ من التضخّم، ولا تضرّ بالاحتياطي النقدي في الوقت ذاته.وأوقفت البنوك المصرية الاعتمادات المستندية للاستيراد مجدداً، بعد نحو شهر على فتْحها، وهو أمر جاء نتيجة عدم توافر الدولارات، فيما أبدت الشركات استعدادها للالتزام بسعر الصرف المحدّد من «البنك»، لكن ذلك لم يتحقَّق حتى الآن. ويقول مسؤولو البنوك لمندوبي الشركات، إن الدولارات الموجودة في حوزتهم لا تتناسب مع الكميات المطلوبة، ما يعني أن هناك عجزاً شديداً. وحاول القائم بأعمال«المركزي»، من جهته، معالجة الأمر ومناقشته بشكل أوسع مع مسؤولي البنوك خلال اجتماع سرّي جرى تسريب بعض ما تمّ التطرّق إليه فيه إلى الإعلام، وتضمّن مناقشة تصوّرات وخطوط عريضة مرتبطة بالتحرُّك لإلزام القطاع السياحي بتسديد ما يحصل عليه من عائدات بالعملة الصعبة إلى البنوك بالدولار، في مقابل تقديم حوافز وتسهيلات مرتبطة بالقروض والتسهيلات الائتمانية للشركات والفنادق.
وإلى جانب عودة الحديث عن الحوار المجتمعي في شأن المشتقّات الدولارية وتسعير الجنيه المصري وربْطه بسلّة العملات ودراسة إصدار أوعية ادخارية بالدولار للمصريين في الخارج على غرار وديعة شراء السيارات بحيث تُودَع بالدولار ويتمّ تحصيل العائد منها بالدولار بسعر أعلى (لكن بالجنيه ووفق سعر الصرف وقت الاستحقاق)، فإن جزءاً مهمّاً من المناقشات تركّز على منْح أولويّة قصوى لتوفير العملة الصعبة لمستلزمات الإنتاج، في ظلّ مواجهة العديد من المصانع مشكلات جوهرية، أدّت إلى تخفيض ساعات عملها وتقليص إنتاجها، بما فيها الشركات التي تقوم بتصدير المنتجات المصرية.
يواجه البنك المركزي أزمة لتوفير 28 مليار دولار يُفترض أن تُسدَّد حتى نهاية 2023


وعلى رغم إرجاء «المركزي» إلزام البنوك بتقديم 25% من قيمة القروض بفائدة منخفضة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن الاتفاق على إعادة تعريف تلك المشروعات وفق المتغيرات الأخيرة، سيفتح الباب أمام التلاعب بها، حيث ترى البنوك في التوسُّع في الإقراض بفوائد بسيطة خسارة لها بعد وصول فارق الفائدة إلى نحو 8% بين هذه القروض ومثيلاتها. كذلك، حمل اجتماع عبدالله مع مدراء البنوك إشارة ضمنيّة إلى موافقة البنك المركزي على تعاملات السوق السوداء لتوفير الدولار بشكل مؤقّت، حيث بات الفارق بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية أكثر من 8%، فيما يتزايد بشكل مطّرد، وهو ما سيجعل البنوك تقْبل الدولارات من الشركات من دون اشتراط معرفة مصدرها، وهي فترة مؤقتة يُتوقّع أن تستمرّ حتى بداية العام المقبل إلى حين وضع آلية واضحة لمستهدفات التضخّم وسعر الصرف.
وعلى رغم أن هناك تحرّكات حكومية عدة مرتبطة بمحاولة استقطاب أموال المصريين في الخارج لاستثمارها في الداخل شريطة أن تكون بالعملة الصعبة، وعبر آليات مختلفة من بينها إنشاء شركة مخصّصة لهذا الغرض تشرف عليها وزارة الدولة للهجرة، بالإضافة إلى عمليات طرح العقارات والأراضي بالدولار إلى جانب ودائع جمارك السيارات التي تستهدف الحكومة من خلالها جمع مليارَي دولار خلال عام واحد، لكن تبقى كل هذه التحرّكات من دون وجود ضمانات بتحقيقها. ويواجه البنك المركزي حالياً أزمة تكمن في توفير 28 مليار دولار يُفترض أن تسدَّد حتى نهاية عام 2023، لا يملكها حتى الآن ولا توجد آلية واضحة للحصول عليها، في حين يبلغ إجمالي الاحتياطي النقدي أكثر من 33 مليار دولار، منها ما يقرب من 25 ملياراً ودائع خليجية. لذلك، فإن قرض «صندوق النقد» المقدَّر بثلاثة مليارات دولار، والتسهيلات الائتمانية بما قيمته 6 مليارات دولار أخرى، لا تزال غير كافية للعبور من الأزمة الحالية التي فشلت الحكومة حتى الآن في حلّها.
وجددت السعودية وديعة بقيمة 7 مليارات دولار في البنك المركزي، وهي الثانية خلال العام الجاري، بعد أخرى أودعتها الرياض في آذار الماضي - ولمدّة عام - بقيمة 5 مليارات دولار، في حين تجاوز ما تمّ ضخّه من صندوق الاستثمارات السعودي في البورصة المصرية، الـ1.3 مليار دولار، وسط توقّعات بمضاعفة هذه الاستثمارات في الأسابيع المقبلة.