أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية، أوّل من أمس، في بيان، عن رغبة القاهرة في تنفيذ مشروع خط برّي جديد لنقل الغاز، مؤكدة أنه يجري العمل للحصول على الموافقات الخاصة بمساره من السلطات المحلية. وفي حين لم يظهر تأكيد أو نفي من الجانب المصري، تحدّثت تقارير عن انتشار واسع يقوم به الجيش المصري، بمحاذاة ساحل البحر الأبيض المتوسط شمال سيناء، حيث تتمركز وحدات تابعة للجيش في شريط استراتيجي ممتدّ من قطاع غزة وفلسطين المحتلة حتى قناة السويس. وسيستغرق تشييد الخط نحو 24 شهراً، بتكلفة تبدأ من 200 مليون دولار. وهو يبدأ من سواحل فلسطين المحتلة مروراً بشمال سيناء حتى قناة السويس، ليربط شبكتَي الغاز الطبيعي المصرية والإسرائيلية، عن طريق شمال شبه جزيرة سيناء.ويأتي الإعلان الإسرائيلي ليُظهر نهم النظام في تحقيق رؤيته لتحويل مصر إلى مركز للغاز في المنطقة. إذ بعد الانتهاء منه، سينضمّ الخط الجديد إلى ثلاثة خطوط أنابيب خطّط النظام المصري لاستقبال الغاز الإسرائيلي عبرها. الخط الأوّل، القائم حالياً والأقدم، المسمّى بـ«خط أنابيب شرق المتوسط»، كان نتاج اتفاق لتصدير الغاز المصري إلى فلسطين المحتلة، وُقِّع في عام 2005، وهو يبدأ من العريش في مصر وصولاً إلى عسقلان المحتلة. إلا أنه توقّف بعد العديد من الهجمات التي شنّها تنظيم «ولاية سيناء» بداية من عام 2012، لتلجأ تل أبيب إلى التحكيم الدولي بعدها، فيأتي الحكم في أيار 2017 ويلزم مصر بتسديد غرامات مالية قدرها ثلاثة مليارات دولار لإسرائيل. بيد أنه في عام 2018، عاد الخط مرة أخرى إلى العمل، بعد تسويات مصرية إسرائيلية، كان من ضمنها شراء الغاز الإسرائيلي، لتبدأ مصر استقبال الغاز بدلاً من تصديره. والخط الثاني، بدأ الضخ عبره مطلع 2020، من خلال أنابيب تمرّ تحت البحر، قبل أن تعبر شمال شبه جزيرة سيناء برّاً. كما اتفق النظام المصري مع تل أبيب على بناء خط بحري ثالث، يربط حقل ليفياثان ومركزَي إسالة الغاز في مصنعَي إدكو ودمياط في مصر، مع حديث عن احتمال أن تبلغ الصادرات 10 مليارات متر مكعب سنوياً وربما تزيد في المستقبل.
على الجانب الآخر، تدرك إسرائيل أن الخط الجديد سيساعدها على ضخّ الزيادات الإنتاجية لديها، فمن المتوقّع بحسب وزارة الطاقة الإسرائيلية أن تزداد قدرة التصدير لديها إلى ثمانية مليارات متر مكعب سنوياً بحلول عام 2023، من خمسة مليارات متر مكعب سنوياً في الوقت الحالي. وفي ظلّ لا جدوى مشروع الربط بأوروبا وإسالة الغاز لبيعه، ستلجأ إسرائيل إلى بيع الغاز لمصر. وهو الأمر الذي يؤكده يوسي أبو، الرئيس التنفيذي لشركة «ديليك» للحفر، صاحبة الامتيازات بحقل ليفياثان: «مصر تملك كلّ الخصائص والظروف لكي تصبح مركزاً عالمياً للطاقة، وهو ما سيتطلّب كمّيات إضافية من الغاز من إسرائيل، وقبرص، والمناطق المحيطة لتكون بؤرة لتجارة الغاز على المستويين الإقليمي والعالمي».

حلم التحوّل إلى مركز للطاقة
تعيش مصر تطوّراً اقتصادياً ملحوظاً؛ مؤشرات مرتفعة، صادرات زائدة، واردات متراجعة، حجم استثمارات هو الثاني في المنطقة... ويدرك النظام المصري أن الغاز الطبيعي المكتشَف أصبح «قاطرة» لاقتصاده. ففي مصر لا صوت يعلو فوق صوت الطاقة. يظهر ذلك في اهتمام رأس النظام شخصياً، و طموحه في أن تتحوّل البلاد إلى بؤرة لتجارة الغاز عالمياً، مدعومة بخصائصها الاستكشافية و موقعها الجغرافي، كوصلة بين ثلاث قارات. وكان بدأ النظام المصري منذ 2014 بترسيم الحدود البحرية، وبناء قواعد تأسيسية لإنشاء «منتدى شرق المتوسط»، مع كلّ من قبرص واليونان وإسرائيل والأردن وإيطاليا، ثم تكلّلت الجهود باكتشاف حقل ظُهر للغاز.
تدرك إسرائيل أن الخط الجديد سيساعدها على ضخّ الزيادات الإنتاجية لديها


لكن، في ظلّ الاستهلاك الداخلي لأغلب إنتاج الغاز المصري، كيف لمصر أن تصبح مركزاً للطاقة؟ بحسب التقارير، تنتج مصر نحو 6.550 مليار قدم مكعبة يومياً، يستهلك منها داخلياً نحو 6 مليارات قدم في تغذية شبكة الكهرباء (رأس الحربة الأخرى في استراتيجية مصر لبيع الطاقة)، لتتبقى نسبة ضئيلة جداً تدخل عملية التسييل ثم التصدير. إلا أن النظام في مصر يريد تغيير ذلك. وقد ظهرت استراتيجيته لتحقيق رؤيته في جعل القاهرة بؤرة لتبادل الطاقة عالمياً، في 29 أيلول 2018، حين أعلنت مصر اكتفاءها الذاتي من الغاز الطبيعي وبدأت في شراء الغاز من الجوار. وفي 19 شباط 2018، أعلنت شركة مصرية خاصة، هي «دولفينوس القابضة» التي يقودها مقربون من النظام، إبرام اتفاق لاستيراد غاز طبيعي بقيمة 15 مليار دولار من إسرائيل على امتداد 15 عاماً. وفي أيلول 2018، وقّعت مصر اتفاقاً لربط حقل «أفروديت» القبرصي بمحطتَي التسييل إدكو ودمياط بتكلفة مليار دولار. ومنذ 2021، بدأت مصر تحصيل مكاسبها من تسييل الغاز وإعادة بيعه. فوفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري 2021، حققت صادرات مصر من المنتجات البترولية ارتفاعاً، مدفوعةً بشكل أساسي بزيادة صادرات البلاد من الغاز الطبيعي التي سجَّلت أعلى قيمة لها في 3 أعوام. ومنذ بداية 2021، ارتفعت شحنات الغاز الطبيعي المسال المصدّرة، إلى 9 شحنات شهرياً، فيما تتوقَّع الحكومة إنتاج نحو 4.5 مليون طن من الغاز سنوياً، بما يسهم في زيادة الطاقة التصديرية إلى 12.5 مليون طن.