القاهرة | يعكس تهرّب وزير الخارجية المصري، سامح شكري، من باقي فعاليات «قمة العُلا» الخليجية، ورفضه الظهور في الصور التذكارية، حالةَ الرفض المصري للتصالح مع قطر والظهور كمن أُجبر على ذلك لكنه يريد الحفاظ على ماء الوجه. كيف لا والقاهرة هي السبّاقة في التصعيد ضد الدوحة بعد إطاحة نظام جماعة «الإخوان المسلمون» المحظورة عام 2013، قبل أن تأتي ذروة التصعيد مع «التحالف الخليجي» لفرض الحصار على الدوحة منتصف 2017. ولمصر العدد الأكبر من المطالب الـ13 التي فرضها «الرباعي العربي» من أجل إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه، لكنها لم تحصل على أي منها حتى الآن، بل ستضطر إلى التفاوض بسقف أقل حتى من ثلث ما كانت تريده، وعلى انفراد أيضاً، سواء في ما يتعلق بالتدخلات القطرية أم حتى احتواء وضمّ أعضاء من «الإخوان» ومعارضين مصريين آخرين.فجأة، المنظومة التي أغلقت مكتب قناة «الجزيرة» ولاحقت العاملين فيها وسجنتهم ومنعت الموجودين في قطر من العودة إلى أسرهم، هي نفسها التي باتت القناة القطرية تتحدث عن بعض الجوانب الإيجابية في سياستها الداخلية بعد توقيع الاتفاق! ومع أن الإيجابيات مصرياً أقل بكثير من السعودية والإمارات، يرى مسؤولون مصريون أنهم رصدوا تحولاً ملحوظاً في السياسة التحريرية للقناة القطرية في متابعة الأخبار المصرية عامة. هذا لا ينفي أن الدوحة وضعت القاهرة في ذيل القائمة، فالمفاوضات تسير بسلاسة أكثر مع الرياض ثم مع أبو ظبي والمنامة. أما مصر وملفاتها الثقيلة، فتنتظر دورها. مع ذلك، ثمة تصورات عديدة تنطلق من الماضي، إذ منذ إطاحة نظام «الإخوان»، بدأت قطر سحب استثماراتها، وتراجعت ودائعها في «البنك المركزي المصري»، وهو ما قابلته خطوات سعودية وإماراتية مالية لتعويض الفارق. اللافت هذه المرة أن القاهرة ترغب في أموال قطرية جديدة، سواء بصورة استثمارات أم ودائع جديدة تدخل «المركزي» كعربون محبة، خاصة مع الاضطرار إلى مزيد من القروض لتعويض تراجع الدخل نتيجة جائحة كورونا وانهيار قطاعات عديدة.
ثمة ترحيب مصري مباشر بزيارة لتميم إلى القاهرة مع استقبال رئاسي


ترغب مصر في المال أولاً، ثم ستتفاوض على أمور عديدة ليست حصراً وضعية «الجزيرة» وتغطيتها في مصر، بل مصير القيادات الإخوانية والمنتمين إلى الجماعة، سواء كانوا من العاملين في القناة أو الموجودين على الأراضي القطرية. فبعدما كانت القاهرة تطالب بتسليمهم أو على الأقل إبعادهم، تكشف مصادر أنها ستقبل اليوم أن يلتزموا الصمت، حتى مع استمرار حصولهم على الدعم القطري. يعود ذلك إلى أن النظام في موقف ضعيف. وفي المقابل، صحيح أن الإخوانيين قلقون ولديهم حالة ترقب لكيفية تعامل القطريين مع الطلبات المصرية، لكن الأزمة الحقيقية لهم هي منع الدوحة من التوسع في التنازلات، ولا سيما أن مصر تتفاوض بسقف مطالب مرتفع حتى لو تحقق القليل منه فقط.
هكذا، لم تعد القاهرة تأمل تنازلات قطرية جوهرية بعدما فضّلت السعودية مصلحتها الخاصة في التصالح السريع برعاية أميركية على بقية «الرباعي»، لتبقى المطالب المصرية حكراً على قدرة النظام على التفاوض والمناورة مع نظيره القطري الذي يشعر بنشوة الانتصار، بل يسعى إلى محاسبة غريمه على تصرفاته خلال المدة الماضية، ولا سيما رفضه التعاون خلال الأيام الأخيرة قبيل توقيع «اتفاق العلا»، بل معارضته حتى الساعات الأخيرة. أياً يكن، يُفترض أن يبدأ الطرفان المفاوضات خلال الساعات المقبلة حتى التوافق على أسس متعددة، وسط ترحيب من القاهرة لزيارة الأمير القطري، تميم بن حمد، بل حتى إعلان نية الرئيس عبد الفتاح السيسي استقباله بنفسه، وذلك لطيّ صفحة الخلاف، وهي الزيارة التي ستحمل من وجهة النظر المصرية ترضية للطرفين، بشرط منع الأصوات المعارضة المقيمة في الدوحة من الحديث.
رغم التفاؤل، تدرك السلطات المصرية أن قطر لن تتوقف عن تمويل تيارات الإسلام السياسي وبخاصة «الإخوان»، في الوقت الذي يصرّ فيه النظام على موقفه من الجماعة، ما يعني أن المشهد مبني على هذه المعادلة: توقف الهجوم القطري على مصر ستتبعه مواقف مماثلة، لكن هذا لا يمنع استخدام البلدين وكلاءهما في الخارج لتنفيذ هذه الأجندات لاحقاً، سواء عبر الإخوانيين في تركيا أو لندن، أم عبر التحركات المصرية ضد الدوحة في الساحة الأوروبية، وخاصة الفرنسية والألمانية، وهي تحركات تجري بالتنسيق مع الإمارات. مع هذا، ثمة تخوّف لدى أعضاء الجماعة في الساحة التركية أو الأوروبية من تخفيف للتمويل القطري أو قطع له، وإن كانت مصادر تتحدث عن احتمالين: الأول استمرار التمويل لكن بسرية، والثاني الطلب من أنقرة وآخرين التمويل بدورهم.
القدر المؤكد أن القاهرة لن تتسلم أي مطلوبين لها موجودين على الأراضي القطرية، كما لن تحصل على معلومات عن بعضهم سبق أن طلبتها. وفي المقابل هناك احتمال كبير لإنهاء الاحتجاز لأكثر من شخص كانوا على علاقة بـ«الجزيرة» ضمن التفاوض المتوقع أن يستمر أسبوعين تقريباً. أما إعادة فتح فرص العمل، سواء في القطاع الحكومي أم الخاص أمام العمالة المصرية داخل قطر، فهي نقطة جوهرية لمصر، خاصة بعد انخفاض أعداد المصريين هناك بنحو مئة ألف، نتيجة مضايقات غير مباشرة وتقليص الاستعانة بالكوادر المصريين إلى أضيق الحدود.